تحقيق: أسماء فتحي
*الاستغلال وصل إلى حد سرقة مواد صحفية لخريجات ونشرها بأسماء عاملين في مؤسسات إعلامية
* غياب الإطار التنظيمي للتدريب في وسائل الإعلام وضعف الرقابة النقابية والحكومية أديا إلى حالات استغلال دون محاسبة
*خريجات إعلام يتعرضن للاستغلال بعد تلقيهن وعودًا بالعمل بأجر بعد التدريب
*وزارة العمل تتمسك بمسؤوليتها في عقود العمل فقط وتؤكد وجود مظاهر استغلال واسعة تحت غطاء التدريب
*وزارة الإعلام: الاستغلال يأتي أحيانًا بموافقة المتدربات!
*نقابة الصحفيين: اتخاذ إجراءات عقابية بحق المؤسسات المستغلة ليست من مسؤولياتنا!
*خريجة: مرت أربع سنوات وأنا “أشتغل ببلاش”!
*صحفية: شاهدت فتيات يعملن في مؤسسات صحفية ويعددن قهوة وشايًا لمدرائهن مقابل 500 شيكل
*قنيص: فتيات تعرضن لاستغلال جسدي للحصول على تدريب أو فرصة عمل
“من فرحتي اني رح أشتغل بالإعلام قبلت عرض التدريب، لأنهم اتفقوا معي على بدء العمل بأجر بعد 3 شهور، (…) وصاروا يقولوا اليوم وبكرا بنجهز العقد، وعلى هلحالة استمريت عدة أشهر بدون أي أجر”.
بهذه الكلمات تلخص المتدربة (س) تجربتها في إحدى محطات الإذاعة المحلية، بعد أن أنهت درجة البكالوريوس في الإعلام من جامعة بيرزيت وانضمامها إلى فريق الإذاعة، حيث قدمت برنامجًا على الهواء مباشرة، لتكتشف بعد أشهر تعرضها لاستغلال مخطط من قِبل إدارة الإذاعة.
حالة المتدربة س (الاسم موجود لدى معدة التحقيق)، تعد نموذجًا لعشرات الخريجات من تخصص الإعلام اللواتي يتعرضن لاستغلال ممنهج من قبل مؤسسات إعلامية محلية، وسط ضعف رقابة الجهات ذات العلاقة خصوصًا نقابة الصحفيين ووزارة الإعلام، كما يوثق هذا التحقيق.
وتقر وزارة الإعلام بانتشار ظاهرة استغلال الخريجين والخريجات، خصوصًا في الإعلام المسموع، وتقر بمسؤوليتها الأولى على مراقبة هذه التجاوزات، ولكنها تشير إلى انحسار الظاهرة، بينما رأت وزارة العمل أن مسؤوليتها تنحصر في عقود العمل وليس عقود التدريب، ولكنها أكدت أن هناك مظاهر استغلال واسعة تحت غطاء التدريب.
ووفقًا لمعطيات رسمية في وزارة التربية والتعليم العالي، فإن أعداد الخريجات من جامعات وكليات الضفة الغربية في ارتفاع مستمر، وتشير الإحصائيات إلى أن (377) طالبة إعلام تخرجن في السنة الدراسية (2014-2015)، وارتفع العدد إلى 423 طالبة في السنة الدراسية التالية، بينما تلتحق حاليًا بكليات الإعلام 488 طالبة.
ويكشف التحقيق ضعفًا في مراقبة وضبط عملية التدريب في وسائل الإعلام، ما فتح الباب مشرعًا أمام عمليات الاستغلال، في ظل غياب آليات واضحة متفق عليها بين المتدربة ووسيلة الإعلام، إضافة إلى نقص توعية الطلبة الخريجين من كليات الإعلام حول محددات التدريب في مرحلة ما بعد التخرج.
الخريجات يجدن أنفسهن في صراع داخلي بين فكرتين، تتمثل الأولى في الحاجة الماسة للتدريب من أجل الحصول على فرصة عمل في ظل الفجوة الهائلة ما بين مخرجات كليات الإعلام والفرص المتاحة في السوق. أما الثانية فالخشية من الوقوع فريسة للاستغلال تحت غطاء للتدريب، خصوصًا في ظل محدودية الفرص أمام الخريجات مقارنة مع الخريجين الذكور.
ويرصد التحقيق أن هناك قاسمًا مشتركًا بين الخريجات اللواتي تعرضن للاستغلال، ويتمثل بامتناعهن عن التقدم بشكاوى إلى الجهات الرسمية وعلى رأسها الشرطة “لخشيتهن من التعرض للتهديد وفقدان إمكانية المنافسة على فرص عمل في قطاع الإعلام في المستقبل بعد انكشاف الأمر قضائيًا، بالإضافة إلى الخوف على السمعة وتوبيخ الأهل”.
خريجتان أكدتا في لقاءات منفصلة تعرضهن للاستغلال في اذاعة محلية، ومقرها رام الله، ولكن إدارتها أكدت وجود عقود للتدريب تنظم حصولهن على التدريب، وهو ما نفته الخريجتان بشكل قاطع.
حالات استغلال
وعودٌ بالعمل بأجر ما بعد التدريب، تمثل “المصيدة”، التي أوقعت بمعظم الخريجات اللواتي قابلتهن معدة التحقيق، كما أن حالات الاستغلال كانت تتعدى العمل بدون أجر، وصولا إلى سرقة جهد الخريجات والمادة الصحفية المنتجة، ونشره بأسماء عاملين في المؤسسات الإعلامية التي تمارس الاستغلال.
وتقول المتدربة (س): “تجربتي كانت قصيرة، لكنها مؤلمة (…) اشتغلت بإذاعة محلية برام الله، وكان الاتفاق شفويًا على تدريب دون أجر لمدة 3 أشهر، على أن يتم التوقيع على عقد العمل مباشرة، لأنني كنت أقدم برنامجًا على الهواء، ومرّت الفترة، وكانوا يخبرونني أن العقد قيد التجهيز دون إنجازه رغم مرور أشهر عدة”.
وأضافت: “شعرت بخيبة أمل، وتدخل أهلي لمطالبة إدارة الإذاعة، وردت إدارة الإذاعة بأنه لا يوجد عقد للعمل”.
وتتشابه حالة المتدربة “ج” مع زميلتها، ولكن كانت تجربتها مع إذاعة “بلدنا” في بيت لحم، وتقول: “كنا مجموعات، واختاروا شخصًا واحدًا من بين (10) أشخاص، وكنت المتدربة بين (15) شابًا، بداية كان هدف الإذاعة إشهارها بين الناس، وطلبوا مني أن أبدأ بالميدان فترة المواجهات وإرسال الأخبار على الإنترنت، وهذا كله ضمن التدريب، وبقيت مدة (8) أشهر دون أن أحصل على أي مبلغ مادي أو مواصلات، وحين أعترض، كان ردهم: أنت متدربة”.
وللمتدربة “ن” تجربة مختلفة وتبدأ قصتها بالقول: “تخرجت في 2012 ومباشرة بلشت تدريب في مكتب جريدة محلية في (نابلس) بصراحة ما وعدوني بوظيفة، وأنا حبيت أكمل عشان الخبرة، بس الأيام مرت وصارت سنة، بطلت أروح أداوم، لأنه ما في مقابل مادي، كان المدير ييجي عندي على البيت عشان يرجعني ويضل يحاكيني ويوعدني إذا ارجعت الأمور رح تتحسن، لحد ما مرت أربع سنوات وأنا اشتغل ببلاش، الناس عرفتني كمراسلة للصحيفة في نابلس، ولما تركت طلبت شهادة خبرة رفض المدير أن يكتبها باسم الجريدة”.
وتروي المتدربة “ر” قصتها كما يلي: “رحت ع اذاعة محلية كان في اعلان عمل وحكولي بدنا نحطك فترة تدريب ووافقت، وقدمت برنامج مع مذيعة اخرى كان عندها برنامج اهداءات خلوني اطلع معها عشان اخد فكرة وما اخاف، طبعا دوام رسمي كم يوم بالأسبوع، بعد فترة كنا داخلين ع رمضان حكولي شو رايك تطلعي برنامج لحالك، انا طبعا وافقت، وحكولي برنامج مسابقات ديني ورح ندفعلك عليه لأنك صرتي تمام، كنت اكتب البرنامج واحضره لحالي وهم ما بيعرفوا اشي، وطلعت برنامج ٣٠ حلقة، لما قرب البرنامج يخلص سألت عن المصاري حسب الاتفاق، حكولي الوضع شوي صعب، بيوم قبضوا كل الي بالإذاعة الا انا، سألت حكولي اصبري”.
الخريجة الخامسة رفضت الإفصاح عن اسمها لـ “معدة التحقيق” وقالت: “هناك استغلال آخر وهو الحصول على المقابلات وتغطية أحداث في الميدان دون أن يكون للصحفية صورة أو صوت، إنما الصوت والصورة للمراسل الرسمي، هذا الاستغلال بدا واضحًا في فترة الاجتياحات عام 2000، وهو ما حدث معي، فقد حصلت على تصريح من (أبو عمار) بسبب وجودي وحدي في ساحة المقاطعة وكان حصريًا للقناة، ولم يتم ذكر اسمي تقديرًا لبقائي لساعات في ساحة المقاطعة، بالطبع استمررت في هذا العمل على أن أصبح مراسلة، لكن هذا لم يحدث”.
مواجهة
ورغم نفي الخريجتين اللتين تدربتا في الإذاعة المحلية وجود أي إطار ناظم لعملية التدريب، أبلغ المدير التنفيذي للإذاعة، معدة التحقيق، أن “هناك عقدًا يعده محامي الراديو يبين ما لنا وما علينا ويكون لمدة (3) أشهر، توقع عليه الخريجة والإدارة، ويحصل كل طرف على نسخة”.
وقال إن “المتدربات لا يخضعن لعمل جدي، وإنما ثانوي، بإشراف العاملين في الإذاعة”، وتابع حديثه المسجل بقوله: “في حال تمديد فترة التدريب لما يزيد على (3) أشهر، تحصل المتدربة على مواصلاتها ومكافأة مالية”. وأبدى المدير التنفيذي استعداده لمواجهة الخريجتين اللتين تحدثتا لـ “معدة التحقيق”، رغم أن حديثه يتناقض مع ما أجمعت عليه الخريجتان.
وتابع في رده على المتدربتين: “كل شيء لدينا موثق من اتفاقيات، ويلتزم كل طرف بما هو مكتوب”.
وبالعودة إلى الوثائق التي زودها لمعدة التحقيق، فقد ظهر أن هناك عقدًا تضمن شروطًا واضحة بين الإذاعة والمتدربة، بينما كانت الوثيقة الثانية عبارة عن طلب تدريب أو سيرة ذاتية فقط (الوثائق مرفقة في الأسفل).
أما المدير العام للصحيفة (م.ر) فيقول: “نحن ندرب من جاء بشكل شخصي أو كان مبعوثًا من الجامعات بناء على كتاب من الجامعة، سواء كان فتاة أم شابًا، وفي بعض المؤسسات الإعلامية هناك نقص في بعض التخصصات كالاقتصاد، ونحن نمتاز بوجود ناس متخصصين بأمور رياضية أو اقتصادية أو التحقيقات الاستقصائية، وكتابة الخبر على طريقة القصة، فننصح المتدربين إلى أين يذهبون وما هو ميولهم”.
وحول ادعاء الخريجة التي تدربت في مكتب نابلس قال: “ثمة اتفاقات بين إدارة نابلس ومتدربات، وإنا لا نعرف ولا نسمع عنهن طالما لم يقدمن شكوى رسمية، ونحن كما العادة نبلغ المتدربين بأننا لا ندفع إلا المواصلات، وإذا أرسلت متدربات لأحد مكاتب المحافظات فسأكون المسؤول عنها، أما إذا توجهت بشكل شخصي فإني لا أعرف عنها شيئًا، وفي حال علمت سأسأل وأتأكد من مشكلتها لإعطائها حقوقها، فلا أقبل أن يستغل اسم الجريدة بالإساءة إلى الناس إذا أخطأ أحد الموظفين”. وختم الريماوي قوله: “أنا مصمم على معرفة هوية المشتكية وإن كان لديها حق عندنا سيصلها”.
إجماع
ويجمع خبراء الإعلام على أن غياب الإطار التنظيمي للتدريب في وسائل الإعلام، وضعف الرقابة المنوطة بالجهات ذات العلاقة (نقابية وحكومية) أدى إلى حالات استغلال دون محاسبة، في وقت تعاني فيه الكثير من وسائل الإعلام المحلية من غياب الأخلاقيات الناظمة للمهنة، بينما أدى سكوت عدد من الخريجات عن حالات الاستغلال الواضحة إلى استمرار مدة التدريب دون أجر”. كما أن غزارة التخريج من كليات الإعلام ومحدودية السوق تسببا في استفحال ظاهرة الاستغلال.
ويقول معد بحث “تنظيم قطاع التدريب الإعلامي” لصالح “مركز تطوير الاعلام جامعة بيرزيت” محمد الشعيبي: إن العديد من المؤسسات الإعلامية تستنفد طاقات الخريجين الجدد الساعين للحصول على وظائف، بحيث يقوم الخريجون بإنتاج مواد إعلامية لمدة تصل ستة أشهر وربما أكثر دون أن يحصلوا على مقابل مادي”.
وأضاف: عادة لا تقدم المؤسسات الصحفية أي مقابل مادي حتى لو كانت على شكل مواصلات أو بدل اتصالات. ويرفض البعض نشر اسم كاتب المادة الاعلامية.
ويرى المحاضر الجامعي في تخصص الإعلام د. نشأت الأقطش أن هناك “أزمة قيم كبيرة ترسخت بعد وجود عدد كبير من وسائل الإعلام التي تحاول أن تكسب ماديًا، عبر استغلال الناس بأشكال عدة، وهذا موجود في وسائل الإعلام الصغيرة والإعلام الرسمي، فتصبح مقايضة الوظيفة مقابل تنازلات من الفتاة”.
ولا يعفي الأقطش الجامعات والكليات من المسؤولية بقوله: “هناك مسؤولية بتمكين الفتاة وتقويتها وتعريفها بحقوقها وواجباتها… إنهم لا يؤهلون الخريجة لتعرف (وين مسموح ووين ممنوع ووين الحقوق) فتصبح منتهكة الحقوق”.
ويمكن اكتشاف رغبة وسيلة الإعلام باستغلال الخريجة، بحسب الأقطش، “عندما يتصلون ويطلبون متدربات فأرد عليهم: لماذا متدربات وليس متدربين؟ أنا أنصح بأن يكون التدريب تحت إشراف الجامعات، عندما تكون الخريجة ضعيفة ولا يوجد لديها قدرات صحفية، حينئذ يبدأ الاستغلال. ويختم الأقطش بتقديمه نصيحة تتمثل في أن “تكون هناك جهات قانونية تابعة لنقابة الصحفيين لحماية الصحفيات من هذا الاستغلال”.
ويرى الإعلامي محمد الرجوب أن التدريب يكون في موضعه الصحيح “في حال كانت المحددات واضحة تمامًا ما بين المتدربة والمؤسسة من حيث مدة التدريب، وحقوق المتدربة وواجباتها، وإمكانية دفع المواصلات، ثم تأتي الخطوة التالية ما بعد التدريب، إذ غالبًا ما تترك هذه المحددات غامضة أمام المتدربة، وهو ما يفتح المجال كبيرًا أمام حالات استغلال”.
ويرى أن “مربط الفرس في الموضوع قلة فرص العمل قياسًا بحجم الخريجات، وهذا أمر تتحمل مسؤولياته الجهات الرسمية والجامعات والمؤسسات ذات العلاقة، بسبب غياب التخطيط والمواءمة بين مخرجات التعليم العالي والفرص في السوق”.
وتؤكد الصحفية نائلة خليل أن “الخريجات والخريجين أكثر فئة عرضة لهذا النوع من الاستغلال، بسبب البطالة والحاجة إلى النقود والعمل لإثبات أنفسهم، فيضطرون للعمل تحت ظروف غير إنسانية ليحققوا أنفسهم على أمل أن غدًا سيكون أفضل، لذلك يقومون بتقديم تنازلات كبيرة لتحقيق هذه الإنجازات. لقد شاهدت فتيات يعملن بمبلغ 500 شيقل ويعددن القهوة والشاي لمديريهن أو يقمن بتنظيف المكاتب أو يعتنين بأطفالهم، فيما المدير يحاول أن يسكتها لأنه مستفيد منها بعد أشهر التدريب المجاني (بصير يحكيلها بنعطيك مواصلاتك وبس تتحسن الامور بنزلك راتب)، وهو ما لم يحدث.. وكل ذلك بسبب ظروف البلد وغياب الجهة التي يجب أن تلجأ إليها للشكوى.
وتابعت بقولها: “تتعرض الخريجة لضغوط نفسية؛ لأن أهلها يصرفون عليها مبالغ هائلة حتى تتخرج في الجامعة، فتتخرج بمعدل جيد، وتتدّرب دون أي عائد لتبني خبرة، وبعد ذلك تتعرض لصدمة؛ فلا جهات-كنقابة الصحفيين أو العمل أو الإعلام-تراقب جودة العمل من ناحية ظروف العمل، وهذا يجعل كل شخص امتلك معدات إذاعة في غرفة صغيرة، يتحكم بالخريجات.
من جانبه، يؤكد أستاذ الإعلام في جامعة القدس د. نادر صالحة أن “حالة الاستقطاب الموجودة في البلد تتسبب في أن يكون الميول السياسي للطالب حائلًا دون أن يعمل في مؤسسات معينة، ولهذا الأمر دور في الاستغلال في وسائل إعلام تدعي أنها مفتوحة للجميع، ونحن بدورنا نقوم بتوجيه نصائح ومتابعة الطالبات بالتدريب، خاصة إذا كان من خلالنا أو إذا بلغتنا به الطالبات”.
وتكشف رئيسة دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت، جمان قنيص، أن “هناك فتيات تعرضن لاستغلال جسدي وتعرضن لمساومة على ذلك للحصول على تدريب أو فرصة عمل، ولم يكن هناك حسم بمعنى مهني من خلال عرض صاحب العمل للمساءلة (…) والنقابة هي التي تستطيع حماية حقوقهن وتكون رقيبة على المشغلين في وسائل الإعلام المختلفة، وعندما تتوجه المتدربة لتشكو شخصًا ما من أرباب العمل يمكن عقابه، لكنها (النقابة) تعاملت مع عدد من الشكاوى بموجب العلاقات العامة (بمعنى أن النقيب يعرف رب عمل معين يخبره “ما بصير أو عيب”) ولا يتم محاسبتهم وحلها وديًا، وكانت هناك حالات تستحق السجن والغرامة إذا كان الاستغلال كبيرًا”.
وتؤكد منسقة وحدة النوع الاجتماعي في مركز تطوير الإعلام بجامعة بيرزيت، ناهد أبو طعيمة، إن “الخريجات اللواتي يتعرضن للاستغلال عادة ما يتملكهن الخوف من تقديم شكاوى للشرطة أو القضاء خشية التعرض للتهديد أو فقدان فرص العمل في وسائل إعلام أخرى بعد انكشاف الموضوع أو خوفًا من توبيخ الأهل الذين يتخوفون من وجود بناتهم في أقسام الشرطة أو النيابة”.
مواقف رسمية ونقابية
وتقول نقابة الصحفيين إنها “تعمل جاهدة من أجل ترتيب وتنظيم قطاع التدريب للصحافيين والإعلاميين، خاصة في ظل وجود مؤشرات واضحة بأن هناك عملية استغلال خريجين جدد من قبل مديري ومسؤولي مؤسسات صحفية وإعلامية”.
وفي إقرار بوجود عمليات استغلال واسعة جاء في رد مكتوب أرسلته النقابة لمعدة التحقيق: “تعمل النقابة مع عدد من المؤسسات لغرض تنظيم هذا القطاع، ونعمل حاليًا من أجل تأسيس مركز تدريب وطني، حيث يتبع هذا المركز النقابة وهي تتولى عملية تدريب الصحافيين من خلال متخصصين وخبراء إعلام، وهذه الخطوة من المقرر أن يتم المباشرة بها خلال العام المقبل “. وجاء في الرسالة: “إن النقابة تابعت عددًا من القضايا دفاعًا عن الصحافيين والخريجين، لكن مسؤولية اتخاذ إجراءات عقابية أو مساءلة هذه المؤسسات تقع بالأساس على الجهة المانحة للترخيص وليس على النقابة”. ودعت النقابة ضحايا الاستغلال للتوجه إلى لجنة مختصة لاستقبال الشكاوى الحقوقية.
وأقرت النقابة باتباع أسلوب العلاقات العامة في حل بعض المشكلات وقالت: “نعمل على حل أية مشكلة تصل وديًا، انسجامًا مع روح النظام الداخلي الذي لا يجيز لأي صحفي أن يشتكي على صحفي آخر إلا بعد حصوله على إذن مسبق من النقابة، وإذا فشلت النقابة في حل الإشكالية فإنها تتولى الدفاع عن الصحفي وتوفير محام لمتابعة الشكوى أمام المؤسسات الرسمية، وهذا الأمر متوقف على قرار المشتكي إذا أصر على تحويل قضيته إلى الجهات الرسمية”.
ورغم إقرار جهات متعددة، بما فيها نقابة الصحفيين، بوجود ظاهرة استغلال الخريجات، إلا أن وكيل وزارة الإعلام محمود خليفة (سابقًا) ينفي ذلك ويقول: “إن الوزارة لا تسمح بالاستغلال، واتخذت مؤخرًا خطوة جديدة بزيارة المؤسسات الأكاديمية التي تحوي أقسام إعلام واطلاع الخريجين الجدد فيما يتعلق بحقوقهم في هذا الجانب”.
ويحمل خليفة المتدربات المسؤولية ويقول: “الاستغلال يأتي أحيانا بموافقتهن”.
وحول آلية تعاطي الوزارة مع الشكاوى، قال خليفة: “حسب قانون العمل الذي يتيح للمؤسسة بأن تستقطب الخريجين في إطار التدريب لمدة (3) أشهر، وفي حال تجاوز ذلك وتقديم شكوى بهذا المجال نقوم بمتابعتها بالتعاون مع وزارة العمل”. ونفى خليفة الاتهامات الموجهة لوزارة الإعلام بالتقصير حول موضوع الرقابة وقال: هذا غير صحيح.. هذه اتهامات مغلوطة”.
ويدعو وكيل وزارة العمل سامر سلامة “للتمييز بين عقود التدريب وعقود العمل، (…)، وصلتني بعض الشكاوى، ومنها تدريب لمدة (3) سنوات، وتابعنا من خلال جولات التفتيش، وأي عقد تدريب لمدة طويلة تكون مخالفة”. وأكد: “أن العقد بين المتدربة وصاحب المؤسسة هو الإثبات لحقوقها في المؤسسة الإعلامية، وإذا تعرضت لعملية استغلال تستطيع رفع قضية لتحصيل حقوقها”.
آليات واضحة
يقول المدير التنفيذي لشبكة أجيال الإذاعية وليد نصار: “أما ما يتعلق بآلية التدريب المعتمدة في (أجيال) فنحن نعطي مادة تدريبية ممنهجة بناء على امتحان مستويات القدرة للمتدرب”.
وحول ضمان عدم تعرض المتدربة لاستغلال بتشغيلها عدة أشهر دون أجر، أكد نصار: “هذا غير معتمد لدينا أبدًا، ولا نتعامل به، بل نقدر الناس ونثبت ونجل كراماتهم، وغير هذا فامتهان لكرامة البشر، وليست لدينا سياسة نعتمدها في التوظيف أو التدريب من دون أجر”.
ويشير المدير التنفيذي لإذاعة “راية” شادي زماعرة: “موضوع التدريب يأتي بشقين، في الأول نقدم الفائدة لطلبة خريجي الإعلام الجدد للاستفادة من المؤسسات الإعلامية، أما الثاني فالاستثمار فيها، ونحن نستوعب 3 متدربين في الشهر”.
وفي إجابته عن إذا ما كانت لديهم حدود واضحة بين المتدرب في الإذاعة والعامل فيها، قال زماعرة: “الموظف يعطى مهام أسبوعية أو شهرية، وفي حالة أنهى المهام يأتي دور المتدرب، فعندما يقدم الموظف برنامجه، أو يعمل في المونتاج فإن المتدرب يرافقه، وهذه هي حدوده، إضافة إلى التقييم الأسبوعي للمتدرب، ومن حق الموظف تقييم المتدرب”.
الاستغلال لا يقتل النجاح
تقول الإعلامية، مها عواد، وهي مدير سكرتير تحرير في إذاعة “صوت فلسطين”، إنها تعرضت للاستغلال تحت مسمى مساعدة صحفي في إحدى الصحف الدولية، ولكنها شقت طريقها للنجاح رغم الصعوبات الكبيرة. في المقابل لم تلمس معدة التحقيق التي التقت بـ(5) خريجات تعرضن للاستغلال أن لديهن الرغبة بالاستمرار في البحث عن فرصة عمل في قطاع الإعلام. ومن هنا تبدو الحاجة ماسة لإعادة الأمل لهذه الشريحة من الإعلاميات الواعدات لكون الاستغلال-على بشاعته-لا يعد نهاية المطاف.