بقلم: ليث الحج
بعد الإعلان عن توقيع اتفاق الجزائر للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، قال كتاب إن المصالحة باتت قريبة وإن فرص تشكيل حكومة وحدة وطنية أصبحت أقرب مما كان يتخيل كثيرون.
وجاء هذا التفاؤل بعد أن سلطت وسائل إعلام فلسطينية وعربية الأضواء على الحدث، باعتباره حدثاً كبيراً حقق اختراقا كبيرا قد يقود إلى مصالحة وطنية واسعة وحل المشاكل العالقة، بما يؤدي إلى وحدة فلسطينية في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
لكن تفاؤل هؤلاء يصطدم بعقبات كثيرة، ستقوم بتقويض الاتفاق وستؤدي بالتالي إلى عدم إحراز تقدم كبير على الأرض، وفق تقديري. وتتمثل أهم هذه العقبات بغياب الإرادة السياسية لدى حركتي فتح وحماس لإنجاز تغييرات على الأرض، خاصة أن التوقيع على الاتفاق اعتبره كثيرون مجاراة لجهود الجزائر الساعية الى تحقيق المصالحة. فبعد توقيع الاتفاق، ما زلنا نرى وسائل إعلام محسوبة على الحركتين تقوم بمهاجمة الطرف الآخر، دون تغيير يذكر عن فترة ما قبل التوجه إلى الجزائر، كما أن الاعتقالات السياسية استمرت على نفس الطريقة السابقة.
ولا يعني ذلك أن حركتي فتح وحماس لا تهتمان بتحقيق الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب الفلسطيني، لكن الحركتين راضيتان عن الأمر الواقع الذي فرضه الانقسام منذ عام 2006، فالحركتان بشكل عام لا تمانعان بسيطرة كل منهما على طرف، فتح على الضفة الغربية وحماس على غزة.
السبب الثاني الذي يعتبر عقبة أمام اتفاق الجزائر، بحسب ما أرى، هو أن الاتفاق سبقه عدد من الاتفاقات الشبيهة، التي لم تثمر عن أي نتائج إيجابية على الأرض، فمنذ وقوع الانقسام جرى توقيع اتفاقات في كل من القاهرة وموسكو ومكة والدوحة وكلها لم تؤد إلى تغييرات حاسمة تقود إلى إنهاء الانقسام.
وقد تبع كل هذه الاتفاقات آمال واسعة بتحقيق المصالحة، وتداول كثيرون صورا تظهر ممثلين عن فتح وحماس يتصافحون، لكن هذه الصور المتكررة لم يتبعها تغيير فعلي ينذر بنهاية الانقسام.
وقد يكون من بين الأسباب أيضا أن اتفاق الجزائر شهد حضور نحو 12 فصيلا سياسيا، في حين أن الانقسام الفعلي هو بين حركتين فقط. وقد يشير ذلك إلى أن الاهتمام بالحضور الواسع للجلسات في الجزائر كان يبدو أهم من توقيع الاتفاق بالنسبة للدولة المضيفة وحتى بالنسبة لكل من فتح وحماس.
ومن بين الأسباب أيضا أن التغيير الفعلي يحتاج إلى خطوات فعلية، وربما إلى بعض الوقت، لكن التقدم الذي أحرزه الاتفاق منذ توقيعه لم يكن بالشكل المطلوب، إذ لم يجر الإعلان عن أي خطوة عملية باستثناء الإعلان عن عقد جلسات جديدة في الجزائر لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق خلال شهر ديسمبر الجاري.
وقد طغت الخلافات على الجلسات في الجزائر قبل الإعلان النهائي عن توقيع الاتفاق، وهو مؤشر على الاختلافات الكبيرة بين الطرفين على مضمون بنود الاتفاق.
أما السبب الأخير برأيي هو أن الاتفاق نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال سنة من توقيع الاتفاق، ما يعطي مجالا كبيرا للمناورة من الطرفين، ويسمح بوقوع أحداث قد تؤجل تنفيذ الاتفاق أو بعض بنوده. ولو كان الاتفاق نص على التنفيذ في فترة زمنية أقل (شهر أو شهرين مثلا) لكان مستوى المناورة أقل، أي أن عدد الأحداث التي يمكن أن تؤثر على سريان الاتفاق أقل، وهذا يعني أن فرص تنفيذه بالشكل الذي يتطلع إليه الفلسطينيون أعلى وأكبر لأن الموقعين سيبقون ملتزمين بالعهد الذي قطعوه أمام المواطنين، بعكس الفترة الزمنية الطويلة التي ستسمح بتدخل جهات دولية أو حكومة الاحتلال لمنع تنفيذ الاتفاق.
لكل هذه الأسباب أرى أن تطبيق اتفاق المصالحة الموقع في الجزائر لن يكون سهلا، وبالتالي فإن آمال المتفائلين بتحقيق إنجاز ينهي حالة الانقسام ستصطدم بالواقع، وأن حالة الانقسام ستستمر إلى أجل غير معروف، وهو أمر لا يرغب كثير من الفلسطينيين برؤيته، وينبئ بحالة من عدم الاستقرار السياسي في المناطق الفلسطينية.