بقلم: روان دويكات وأمل ناصر
تظل علينا البطالة كمشكلة تفرض نفسها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، وسط حالة من الضبابية الاقتصادية والسياسية تعتلي المشهد. لكن البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة تأخذ بعداً ربما مختلفا عن بلدان أخرى من حيث الفئات الاجتماعية التي وقعت في براثن البطالة، وكذلك من حيث توزيعها المناطقي.
فالاحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء تشير إلى أن نسبة البطالة في الضغة الغربية وصلت إلى نحو 13 مع نهاية الربع الثالث من العام الفائت (2022) بينما وصلت في قطاع غزة تجاوزت نسبة 47%، ما يعني أن أعداد العاطلين عن العمل في قطاع غزة من القوى العاملة ثلاثة أضعاف نظرائهم في الضفة.
طبعا لذلك أسباب غير خفية على أحد منها أن قطاع غزة تعرض لأربعة حروب خلال العقدين الأخيرين، بالإضافة إلى الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة من عام 2006، كما تطفو على السطح أسباب أخرى منها التوسع الجغرافي في الضغة ما يسمح بنمو اقتصادي معقول مقارنة مع قطاع غزة ذات الكثافة السكانية التي يتواجد فيها قرابة مليونين ونصف المليون فلسطيني في منطقة لا تزيد مساحتها عن 365 كيلو متر مربع، علاوة على انفتاح الآفاق أمام مواطني الضفة للعمل في السوق الإسرائيلية التي تستوعب قرابة182 عامل مع نهاية الربع الثالث من العام الماضي من أصل 1.1مليون عامل يشكلون مجمل القوى العاملة الفلسطينية.(حسب الجهاز المركزي للاحصاء).
رغم أن المناطقية أحد العوامل البارزة فيإحداث تبايانات في توزيع البطالة غير أن عاملا آخر لا يمكن التغاضي عنه، ويتمثل في الفئات الاجتماعية التي تعاني من هذه المشكلة،وهنا يبرز على السطح “خريجو الجامعات”، الذين ترتقع في صفوفهم نسب البطالة مقارنة مع الآخرين.
فقد بلغ معدل البطالة بين الشباب (19-29) سنة الخريجين من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى 53% ( ويشكلون ما نسبتهم 27% من اجمالي المتعطلين عن العمل)، وهذه نسبة كبيرة تشير بشكل واضح إلى أن نسبة البطالة في صفوف المتعلمين أكثر من غيرهم.
إذا ما الحل لهذه المشكلة التي باتت تؤرق الخريجين واهاليهم وحتى لجامعات التي تخرج كل عام نحو 40 ألف خريج(حسب بيانات صادرة عن وزارة التعليم العالي)؟
الحكومة الفلسطينية تعاني من مشكلة مالية مستعصية وتوجاهتها حسب ما أعلن وزير المالية في اكثر من من مرة هو السير نحو تخفيض نسبة الرواتب خلال عامين لتصل إلى 50% فقط من مجمل النفقات العامة بينما تصل حاليا إلى 85% من مجمل النفقات، وهذا يعني أن قدرة الحكومة لاستيعاب خريجين ستظل محدودة خلال الفترة المقبلة.
أما القطاع الخاص والذي يشغل نحو 54% من مجمل القوى العاملة في فلسطين، فإنه رغم فرصه تظل الأفضل لاستيعاب الخريجين غير أن قدراته تظل محدودة، وقد تحدث مسؤولون في هذا القطاع في أكثر من مناسبة حول عدم قدرتهم على استيعاب كل هذا الكم من الخريجين، بالإضافة إلى تقديرات صادرة عن محللين اقتصاديين بأن قدرة القطاعين العام والخاص معا تصل إلى توفير بين 7-8 آلاف وظيفة سنوياً، بينما أعداد الخريجين كما أسلفنا تصل إلى40 ألف خريج.
ووسط هذه الحالة، فإن السوق الاسرائيلي يظل نافذة لكثير من خريجي الجامعات وبخاصة في الضفة في ظل انسداد الأفق محليا، وبخاصة في ظل وجود فوارق كبيرة بن معدلات الأجور للعاملين في اسرائيل ونظراهم في الأراضي الفلسطينية، إذ تصل معدل الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في اسرائيل إلى 272 شيقلا بينما لا تزيد أجرة العامل لدى القطاع الخاص الفلسطيني عن 90 شيقلا.
رغم العجز الحكومي، ومحدودية القطاع الخاص لاستيعاب هذا العدد المتزايد من خريجي الجامعات عاما تلو الآخر، غير أن هناك تدخلات ضرورية تستوجب من الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء التعاون بينهما لزيادة القدرة لاستيعاب أعداد أكبر من الخريجين يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً: مراجعة خطط مؤسسات التعليم العالي ومخرجاتها، فالبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء تشير بشكل جلي أن نسبة البطالة ترتفع في تخصصات معينية وتحديدا في العلوم الإنسانية، ولذلك وجب توجيه طلبة الثانيوية العامة نحو تخصصات يحتاجها السوق ويلبي متطلباته، وهذا يتطلب عدم منح تراخيص جديدة لكثير من التخصصات، أو حتى مراجعة فعالية التراخيص الحالية لبعض البرامج.
ثانياً: على القطاع الخاص أن يدعم برامج تأهيلية للخريجين بالتعاون مع الجامعات لإكسابهم المهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل.
ثالثاً: من مهمة الحكومة والقطاع الخاص والجامعات والمنظومة المجتمعية قاطبة، التخلص من من بعض المعتقدات المجتمعية الخائى، فلا يعقل أننا نريد جميعاً أن يكون أبناؤنا حملة شهادات فحسب، لا بل حملة شهادات في تخصصات محددة، فالأجدر أن نبتكر تخصصات حديثة، وهنا يبرز دور التعليم المهني، فالسوق تحتاج حسب المعطيات إلى فنيين ومهنيين، وهذا يؤكده واقع العمالة الفلسطينية في اسرائيل، إذ تعاني الضفة على سبيل المثال من نقص في بعض المهن، وخاصة في قطاع الإنشاءات والبناء، فوقت ترتفع فيه البطلة في صفوف الخريجين.
رابعاً: لا بد من مراقبة العمالة في اسرائيل من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، وحماية العمال وحقوقهم، طالما انه لا يمكن الاسغناء في الوقت الحالي عن العمل في السوق الاسرائيلية.
خامساً: دعم المماريع الصغيرة، وتوفير صناديق تمول مشاريع وأفكار لخريجي الجامعات المميزين، إما بإعفائهم ضريبيا، أو توفير قروض بفوائد صفرية او بفوائد محدودة.
سادساً: فتح الآفاق أمام إبرام اتفاقيات عمالة في عدد من الدول العربية والعالمية، أو القيام بعمليات تشبيك بين السوقين العالمي والمحلي من خلال ربط عدد من الخريجين بعد تاهيلهم بفرص للعمل في السوق العالمية.
سابعاً: دراسة حال السوق العالمي واحتياجاته، وباتالي توجيه الجامعات والخريجين لاكتساب مهارات وقدرات تلبي هذه الاحتياجات، وترفع من كفاءتهم للمنافسة في الأسواق العالمية خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي بات يشكل رافعة لقطاعات اقتصادية مختلفة.
ختاماً، إننا نرى أن مشكلة البطالة في فلسطين ستظل قائمة إن استمر الحال على ما هو عليه، لذلك فالأمر ليس معقوداً بجهة معنية، وإنما بتضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص والجامعات والمجتمع المحلي عموماً، فالموضوع بات يحتاج إلى استراتيجية وطنية فاعلة وحقيقية، فالتأخر في تغيير الموازين الحالية، ومعطيات السوق كما هي عليه اليوم، سيعني ضمناً للأسف مزيداً من الخريجين الذين سيصطدمون بواقع البطالة المظلم.