الرئيسيةرئيسيشهيدا القمح محفوران بالذاكرة رغم مرور 21 عامًا على استشهادهما

شهيدا القمح محفوران بالذاكرة رغم مرور 21 عامًا على استشهادهما

رام الله- المحرر-آية أبو عيد– رغم مرور أكثر من 21 عامًا على استشهاد الشقيقين عايد وزياد محمود أبو عيد من بلدة دير دبوان شرق رام الله، برصاص المستوطنين وأصيب شقيقهما زيدان، حينما كانوا ذاهبين لحصاد القمح، إلا أن ذكراهما وتفاصيل الأيام الأخيرة من حياتهما لا تزال محفورة في ذاكرة عائلتهما.

خرج الثلاثة أشقاء في الثالث من يونيو\ حزيران 2001، لحصاد محصولهم من القمح، فعاد زياد وعايد محمولين على الأكتاف، أما زيدان فأصيب بجروح خطيرة، ليضافوا إلى قائمة شهداء انتفاضة الأقصى.

ذاكرة الشهادة التي لا تموت

لا تزال زوجة الشهيد زياد أبو عيد تتذكر الأيام الأخيرة قبل استشهاد زوجها، وإحساسه بقرب شهادته، في ظل أجواء الشهداء والمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال والمستوطنون إبان اندلاع انتفاضة الأقصى.

تقول زوجة زياد: “قبل استشهاده بأسبوع كنا في جلسة تضم أمي وبعض الجيران، وتحدثنا عن انتفاضة الأقصى، فقال زياد: (أشعر أنني سأنال الشهادة فى وقت قريب؛ فالجزائر قدمت مليون شهيد، وحاريت إلى أن نالت استقلالها، ونحن هنا في فلسطين يجب أن نكون مثلهم، كي ننال حريتنا، فمن يموت شهيدًا كأنه خلق من جديد)”.

لم يكن زياد يردد كلمة الشهادة على لسانة إلا قبل أسبوع فقط من استشهاده، دائماً يقول لزوجته: “أنا أسعى لرزقي وعملي من أجل قوت أطفالي، والأوضاع الحالية تزداد سوءًا، فاعتداءات المستوطنين وقصف جيش الاحتلال لم يتوقفا، والواحد منا لا يعرف متى تأتي منيته، وكلنا على هذا الدرب سائرون”.

قبل استشهاده وشقيقه بليلة واحدة، ذهب زياد إلى المقهى في بلدة دير دبوان، ودعا كل الشبان الموجودين وتكفل بحساب المقهى عنهم، قائلاً: “هذا على حسابي، فلربما تأتي الأيام المقبلة ولا أستطيع أن أكرر هذه الدعوة مرة أخرى”، توضح زوجة زياد.

صباح اليوم التالي، وقبل لحظات على خروجه من منزله، وهو يوم استشهاده، أعطا زياد زوجته مبلغاً من المال، وفق ما تؤكده، موضحة، “لقد قال لي: (إن الأولاد أمانة في عنقك، فأنا اشعر أن لا رجعة لي للمنزل)، وبعد كلامه نزل الشك في قلبي، وبدأت الهواجس تطاردني إلى أن سمعت خبر استشهاده”.

وصل نبأ استشهاد زياد واستشهاد شقيقه عايد وإصابة شقيقه الثالث زيدان بجروح خطيرة، عن طريق جارهم منصور حباس (60 عاماً)، ومن هول الخبر أغمي على زوجته، فاستيقظت وهي متواجدة بديوان حمولة العواودة مع العائلة وجميع أهل البلدة الذين جاؤوا  لمواساة العائلة بمصابها.

من هول الصدمة لم تكن تعلم زوجة زياد أين أطفالها حتى اليوم التاني، عندما جاءت إحدى صديقاتها وأخبرتها أن أطفالها عندها، ثم أقاموا بمنزلها مدة 10 أيام، ولم تكن تعلم عنهم أي شيء .

أين أبي؟

لم يكن سهلاً على زوجة الشهيد زياد أبو عيد بعدما أفاقت من صدمتها، أن تهدئ من روع أطفالها، السبعة، الذين كان أكبرهم “رشا” البالغة من العمر 13 عاماً، وأصغرهم “أحمد” الذي لم يكمل عامه الأول حين استشهاد والده.

بدأت معاناة زوجة زياد بعد ذلك، وبدأت الأسئلة من أطفالها أين أبي؟ أين ذهب؟ لماذا لم يعد حتى الآن؟ لماذا كل الأطفال لديهم أب ونحن ليس لدينا؟ كانت هذه الأسئلة تراود الأطفال الأيتام، ويكررون أسئلتهم، فيزداد ألم أمهم.

تقول زوجة زياد: “كنت لهم خير أم وأب، لقد كبّرت أطفالي بدم قلبي! لم أكن أعرف النوم ليلاً، تفكيراً بماذا سوف يحل بأطفالي؟ وكيف سيعيشون؟ وكيف أنجح بتأمين مستقبلهم؟ لكن رغم كل هذه الصعاب إلا أنني تمكنت أن أتخطاها، بعمر لم يتجاوز 27 عاماً” .

تربية أبناء الشهيد

طيلة السنوات الماضية، تمكنت زوجة الشهيد زياد من تأمين أطفاله السبعة الذين كبروا، وأصبحوا شبانًا وشابات، ووصلت بهم لمرحلة الجامعة، وتزوجوا، لقد كانت أيامًا صعبة عليها، لكنها اجتازتها وربت أبناء الشهيد.

تقول زوجة الشهيد زياد: “لقد بدأنا نعتاش براتب تقدمه لنا الحكومة الفلسطينية، وعن طريق عمل أطفالي يوسف وإبراهيم، لقد عانوا كثيرًا، فبعد انتهاء دوامهم المدرسي كانوا يرسلون حقائبهم لي مع أصدقائهم، ثم يذهبون للعمل في الحسبة على عربات السلة لتحميل البضائع من الزبائن، ليوفروا دخلاً يستطيعوا العيش من خلاله حياة كريمة”.

مرت الأيام، وزوجة الشهيد تكابد الدنيا وأوصلتهم لمراحل الجامعة والتعليم المهني، وزوجت بناتها وأبناؤها، ولم يتبق لديها سوى أصغر أبنائها “آية” حيث تكمل تعليمها الجامعي، و”أحمد” الذي كان لم يكمل عامه الأول حين استشهاد والده، أخيرًا اكتمل الحلم بتربية أبناء الشهيد وتأمين مستقبلهم.

*ملاحظة: الصورة تعبيرية