الرام-المحرر– زينب حايك- “مكرهة صحية وبيئية، الحياة أصبحت لا تطاق في هذه البلدة”، هكذا وصف المواطن فايز العلمي (36) عاماً الوضع في بلدة الرام شمالي القدس المحتلة بسبب أكوام النفايات المتراكمة منذ أشهر. تملأ النفايات شوارع وأزقة البلدة، وقد أصبح الوضع كارثياً ولا يطاق بالنسبة لسكان البلدة البالغ عددهم خمسين ألف نسمة، ويصل العدد يومي أيام الخميس والجمعة إلى سبعين ألف نسمة، يعيشون على مساحة إجمالية تقدر بنحو سبعة آلاف دونم.
المواطن أحمد سلامة (36)عاماً أحد السكان القاطنين في بلدة الرام يقول “المشكلة تزداد سواءً يوماً بعد يوم، نعاني من الروائح الكريهة والحشرات وانتشار الأمراض والجرذ والأفاعي السامة، لذلك يلجأ المواطنون إلى حيلة حرق أكوام النفايات المتراكمة حول الحاويات؛ وهذا يخلق مشكلة لا تقل كارثية عن سابقتها، حيث تنتشر الأدخنة الضارة في كل مكان، ونكون ملزمين كل ليلة بإغلاق النوافذ والأبواب لتجنب استنشاق الروائح الكريهة والغازات السامة، وكأننا نعيش في سجن كبير، ناهيك عن الحرائق التي تنشب بسبب إشعال النار في الحاويات والتي وصلت في بعض الأحيان الي أعمدة الكهرباء وممتلكات المواطنين”.
ونوه إلى أن الإطفائية أحياناً لا تستجيب لمثل هذا النوع من الحرائق لكثرتها، إذ يقدم أغلب السكان يوميًا على أشعال النيران بأكوام النفايات المتراكمة.
وتابع “الوضع صعب جداً وأصبح لا يطاق، النفايات والحرائق على مد البصر، لدرجة أنني أصبحت أخجل بشدة إذا زارني أحد أقاربي من خارج البلدة”، مناشداً الجهات المختصة الإسراع في تدارك المشكلة وحلها جدياً.
التعامل مع النفايات الصلبة:
مجلس محلي الرام الجهة الرسمية هو المسؤولة عن إدارة النفايات الصلبة الناتجة عن المنشآت السكانية والتجارية والصناعية في البلدة، وذلك من خلال جمع النفايات والتخلص منها. ونظراً لكون عملية إدارة النفايات الصلبة مكلفة، تم فرض رسوم شهرية على المنتفعين من خدمة جمع ونقل النفايات مقدارها(250) شيقلاً في السنة لكل وحدة سكنية، لكن البلدية تؤكد أن الجباية لم تصل إلا إلى10% فقط من إجمالي الرسوم المفروضة على المواطنين.
قال المدير التنفيذي لبلدية الرام خليل فرحان إن معظم سكان البلدة ينتفعون من خدمة إدارة النفايات الصلبة، حيث يتم جمع النفايات الناتجة عن المنازل والمؤسسات والمحلات التجارية والساحات العامة في أكياس بلاستيكية، ومن ثم يتم نقلها إلى حاويات موزعة في أحياء البلدة، مشيراً إلى أنه يوجد في البلدة ما يقارب(300) حاوية بأحجام مختلفة، ليتم بعد ذلك جمعها من قبل المجلس المحلي يومياً، ونقلها بواسطة سيارة النفايات إلى مكب النفايات.
أما فيما يتعلق بكمية النفايات الناتجة، فيبلغ معدل إنتاج الفرد اليومي من النفايات الصلبة في بلدة الرام1.05 كغم، وبالتالي تقدر كمية النفايات الصلبة الناتجة يومياً عن سكان البلدة بحوالي(40-50) طناً.
كيف بدأت المشكلة؟
عاشت المنطقة أزمة دامت ما يقارب خمسين يوماً، وبالتحديد بعد عيد الأضحى الماضي، غرقت خلالها الرام في بحر من النفايات وعلى إثرها تنبعث الروائح الكريهة والأدخنة وتتطاير الحشرات أينما التفتّ، والسبب في ذلك كله يتمثل في إغلاق الاحتلال محطة ترحيل النفايات في البلدة الواقعة شمال شرق القدس لمدة شهر ونصف.
وحول التفاصيل، قال فرحان إن المشكلة بدأت بعد عيد الأضحى مباشرة، جرّاء إغلاق سلطات الاحتلال محطة ترحيل النفايات في البلدة، ما أدى إلى تراكم النفايات بحجم يفوق المُحتمل.
وأشار إلى أن النفايات التي تخرج من البلدة كانت تُجمّع سابقًا في محطة الرام، ثم ترّحلها البلدية إلى محطة المنية في الخليل المخصصة لـــ “طمر” النفايات، إلا أن إغلاق محطة الترحيل خلق كارثة بيئية وصحية، حسب تعبيره.
أوضح فرحان أن محطة الترحيل تتبع بلدية الرام، أي تتبع رسميا للسلطة الوطنية، وقد أغلقتها سلطات الاحتلال بزعم عدم الالتزام بالشروط البيئة المفترض توفرها في المحطة.
وأضاف “حاولت البلدية نقل النفايات مباشرة إلى محطة المنيا في بيت لحم، لكن الإمكانيات لا تسمح بنقل جميع النفايات يوميًا إلى هناك”.
ونوه إلى أن البلدية تمتلك ثلاث مركبات فقط تستخدم لترحيل كمية تتراوح بين (15) إلى (16) طناً من النفايات فقط، وليس لديها قدرة مالية لشراء مركبات جديدة لنقل الكميات المتبقية من النفايات.
وتطرق إلى الجهود المبذولة من قبل البلدية: “حاولنا إعادة تأهيل المحطة من جديد، بالترتيب مع وزارة الشؤون المدنية، حتى سمح الاحتلال إعادة فتحها، خاصة أن إغلاقها لمدة شهر ونصف جعل المشكلة تتفاقم بشكل مقلق للغاية”.
وتوجهت البلدية إلى الجهات الرسمية وشرحت لها طبيعة المشكلة، والأخيرة تعاونت مع هيئة الشؤون المدنية في سعيها لإعادة فتح المحطة مجدداً.
الشروط التي حددها الاحتلال، يلخصها فرحان بقوله” توفير وحدات صحية جديدة، ومكيفات، وتجديد الكاميرات”، مؤكداً أن البلدية نفذّت الشروط المطلوبة، وبعدها وافق الاحتلال على إعادة فتح المحطة.
الوضع المالي المتردي للبلدية
أكد فرحان على سوء الوضع المالي للبلدية، موضحاً: ” للبلدية مستحقات لدى وزارة المالية والتخطيط قيمتها(3.5) مليون شيقل متراكمة ولا تدفعها الوزارة بسسب أزمتها المالية.
وعلاوة على ما سبق، بين فرحان” هناك (13) ألف شقة سكنية في الرام لا يلتزم أصحابها بدفع رسوم النفايات وهي شيقل واحد عن كل يوم للبلدية، وهذا يعرقل أيضاً حل الأزمة ويزيد من تردي الوضع”، مناشداً المواطنين بدفع المستحقات المتراكمة عليهم حتى يساهموا في حل المشكلة التي تؤرق بلّدتهم.
وأكد أن الديون المستحقة للبلدية على السكان بلغت (٢٧) مليون شيقل، موضحاً أن هذا المبلغ كفيل بحل جل الإشكالات المالية التي تعاني منها البلدية.
وحول الإمكانيات البشرية في البلدبة، بين أنه يعمل لديها (70) عاملاً منهم(35) عامل نظافة، موضحاً أنها عاجزة في الوقت الراهن عن تعيين مزيد من الموظفين بسبب أزمتها المالية.
وأكد فرحان أن مشكلة إغلاق المكب كانت مؤقتة، لكن عدم التزام المواطنين بدفع رسوم النفايات يفاقم الأزمة ويعرقل حلها ويزيد من التداعيات والأعباء المالية على كاهل البلدية.
وقال “ثقافة المواطنة والالتزام غير موجودة للأسف ” _ على حد تعبيره _ ولا توجد سلطة قانونية تلزم المواطن بتسديد ديونه، لأن المنطقة مصنفة (ج) حسب اتفاقيات أوسلو، بالإضافة إلى أن ٨٠ % من السكان من حملة الهوية المقدسية ما يصعب ملاحقتهم في المحاكم الفلسطينية”.
ويضيف” ازدادت الأمور تعقيداً بعد حل محاكم البلديات منذ عام ٢٠٠٨ بقرار من مجلس الوزراء”.
وحول إمكانية دمج مستحقات الخدمات مع فاتورة الكهرباء، أجاب فرحان أن الفكرة طُرحت أكثر من مرة على شركة كهرباء محافظة القدس، لكن الشركة رفضت هذا المقترح بحجة أن مثل هذا الإجراء يرهق كاهل المواطنين ويقلل من التزامهم تجاه الشركة المزودة للخدمة، ما يبقي المشكلة على حالها إلى حين خلق حلول جديدة ومبتكرة.
وفي محاولة لفكفكة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلدية، يقول فرحان” طرحنا تسوية على المواطنين الراغبين بتسديد ذممهم مع خصومات وجدولة بتقديم خصومات لهم بلغت ٣٠٪، لكن للأسف الشديد لم يكن هناك تجاوباً من قبل المواطنين”، لافتاً إلى أن نسبة المواطنين الذين سددوا ما عليهم من استحقاقات لم تتجاوز نصف بالمئة.
وقال فرحان إن البلدية وبسبب الاحتلال لا تملك سيطرة كاملة على الأراضي وعلى المكبات، مشيراً إلى أنها حاولت إيجاد أراض لاستخدامها كمكبات جديدة قريبة، لكن الاحتلال كان يرفض دائماً رغم أن ذلك من حقوق البلدية.
وأضاف “الاحتلال هو من يختار الأراضي والمكبات، وغالباً ما تكون في مناطق بعيدة، وهذا ما يجعلنا ندفع مبالغ باهظة بغير وجه حق”.