الرئيسيةرئيسي"خنساء" تشق الصخر لتربي أبناءها!

“خنساء” تشق الصخر لتربي أبناءها!

*أم شهيد وشقيقة شهيدين ذاقت ألم فقد الزوج لكنها لم تنكسر
رام الله- المحرر-رويدة صلاح-لم يكن أمراً عادياً على امرأة استشهد شقيقاها وابنها وتوفي زوجها أن تواصل طريقها لتربي ثمانية من الأبناء، لكن فاطمة محمود صلاح الدين (53) عاما من بلدة حزما شمال القدس المحتلة حملت جراحها على ظهرها لتستمر في شق طريق النجاح، مؤمنة أن الدنيا ليست إلا ساعة سفر، وأن الأمل يجب أن يكون بوابة الايمان بقبول التحديات وتذليل الصعاب.
فها هي المرأة التي ولدت في بيت محافظ، وتعلق أبناؤه بالدين كطوق نجاة من حياة فانية، تعيش أولى لحظات الفراق في انتفاضة الاقصى عام 2001، فحينها تلقت الأسرة نبأ استشهاد شقيقها مؤيد صلاح الدين (25) عاماً، بعد أن نفذ عملية استهدفت جنود الاحتلال ردا على العدوان تسببت بمقتل وإصابة عشرات الجنود.
تقول فاطمة “وقع علينا النبأ كالصاعقة، لم يكن أمراً سهلا أن تفقد شقيقاً في لحظة، لكن ما خفف علينا أنه استشهد دفاعا عن فلسطين وأهلها، ونصرة للدين والمقدسات، سرعان ما تجاوزنا ألم الفراق لنشعر بالفخر”.
لم تكن هذه الواقعة سوى محطة في مسيرة مليئة بالأشواك والمصاعب، لأسرة شاء القدر لها أن تكون في فلسطين لتهب أبناءها فداء لها، فها هو شقيقها المهندس ثابت محمود صلاح الدين يلتحق بشقيقه شهيداً، خلال اشتباك مسلح مع قوات خاصة احتلالية بعد عملية مطاردة استمرت سنوات.”كانت حادثة استشهاد شقيقي ثابت بمثابة الرصاصة الثانية التي وجهت لكل قلب في أسرتنا، لكنا احتسبنا الله أن يكون لنا شفيعا يوم القيامة، فأسرة قدمت شهيدين شقيقين، لم يكن لها أن تتجاوز الأمر بسهولة، لكن ايماننا بالله وقدره، والرسالة التي استشهدا لأجلها تجعلنا أكثر شعورا بالكرامة”، تقول فاطمة.
سنوات تمر، وقطار الحياة يسير، كانت حياتها برفقة زوجها الدكتورعائد صلاح الدين مدير فرع العيزرية في جامعة القدس المفتوحة تمضي قدماً في تربية الأبناء الذين كانوا يكبرون في حضن زوجين تعاهدا على أن يهبا نفسيهما لأبنائهما ولإرضاء ربهما، لكن القدر يطل برأسه مرة أخرى، فها هو رفيق الدرب يغادر الحياة في عام 2016 عن عمر يناهز الـ(55) عاماً إثر نوبة قلبية حادة.
شكلت وفاة الزوج، ضربة جديدة لإمرأة ارهقها ألم الفراق، لكنها تعلمت أن الجبر يكون مزيداً من الايمان، والاصرار على مواصلة الدرب، أخذت على عاتقها تربية أبنائها، التي كانت النظرات والطموح في أعينهم تزيدها قوة واصرارا.
أرملة ترعى خمساً من البنات وثلاثة من البنين، لم يكن يسيراً، لكنها كانت تنظر إلى وجوههم كل يوم، لتقول في قرارة نفسها بأنها لن تدخر جهداً من أجل تربيتهم، لذا اقتحمت الأعمال الحرة من خلال فتح محل في مدينة رام الله لبيع الأثواب المطرزة والطرحات، وقد لاقى المشروع نجاحاً لافتاً مكنها من توفير لقمة عيش أبنائها وتعليمهم أحسن تعليم.


ليس بعد يا فاطمة، كان القدر يلاحقها مرة أخرى لتذوق وجبة جديدة من الألم، وهذه المرة في فلذة كبدها محمد، ذلك الشاب الوسيم الخلوق السادس بين أشقائه يصاب برصاصة احتلالية خلال مواجهات شهدتها بلدة حزما، لم يكتف الاحتلال بذلك بل قام باعتقاله، تلك الرصاصة استقرت في العظم ليصاب بتسمم أدى إلى استشهاده بعد ثلاث سنوات من الإصابة وسط اهمال طبي من آسريه ، لتفجع الأم مجدداً، وكأن قدرها أن تودع الشهداء من اللحم والدم وتعيش وجع الوداع الأبدي.
رغم كل هذه المصائب، كانت فاطمة تنهض مجددأ على قدميها لتواصل درب المستحيل في تربية أبنائها، بقلب مفجوع نعم، لكن بقوة وإرادة تقوضان الحديد، وتشكلانه كما يريد المؤمنون الصابرون، فها هم أبناؤها يكبرون بماء أم لم تسقهم إلا كرامة وعزة، فابنتها جنان (33) عاما تزوجت ولديها خمسة أطفال وتحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، وجيهان (32) عاما، هي الأخرى متزوجة ولديها طفلان، وتحمل شهادة البكالوريوس في أنظمة الحاسوب، وابنها رشدي (30) عاما متزوج وأب لطفلين، وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الإدارة الصحية وموظف في جامعة القدس المفتوحة، اما افنان ( 28) عاما متزوجة وأم لطفين وتحمل شهادة البكالوريوس في التربية الخاصة، ووائل (25) عاما أعزب ويحمل شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية وهو موظف في شركة كهرباء القدس، وريماء (20) عاما تكمل دراستها الجامعية في تخصص التربية الخاصة، وشيماء (18) عاما آخر عنقود بين أشقائها تواصل هي الأخرى رحلة التعليم لتسير على درب التفوق والتميز.
تقف اليوم فاطمة فخورة بأبنائها، ومازالت تشق طريق الحياة رغم الأشواك والمصائب، فهي من أسرة مؤمنة محتسبة، تصلي الفجر حاضرا، ويتعلق قلبها وعقلها بالقرآن الكريم، تقول”كان صمود أمي وقت استشهاد شقيقنا مؤيد ومن بعده ثابت درس لنا في الثبات، كانت أمي تتلقى نبأ استشهاد ابنها وهي صابرة ثابتة، تقوم تصلي ركعتين شكرا لله لأنه اختار أبناءها من الشهداء”.
وتختتم كلامها عن المصاعب التي واجهتها في الحياة، قائلة” لقد تعلمت من أمي الصبر والقوة، نحن نرفع أيادينا إلى السماء في السراء والضراء، فهده الدنيا فانية، وما رجاؤنا إلا أن نحجز مكاننا في الجنة، فتلك دار البقاء”.