الرئيسيةتقارير"التهويدات"..اغاني الأطفال التراثية تحفظ للفلسطينيين ذكريات لا تصدأ

“التهويدات”..اغاني الأطفال التراثية تحفظ للفلسطينيين ذكريات لا تصدأ

رام الله-المحرر-لارا سمارة-غنت الأمهات الفلسطينيات لأطفالهم على مر العصور أغاني تعرف بـ”التهويدات”، وهي تعدّ  رمزًا لقضيتنا الفلسطينية، التي تحفظ التراث في ذاكرة لا تصدأ.

تقول الحاجة سوسن عبيدة (ام أحمد) التي تبلغ من العمر(56) عاماً من أصول قرية دورا القرع بمحافظة رام الله والبيرة عن تهويدات النوم التي كانت تغنيها لأطفالها:” كان لكل واحد من ولادي اغنية وكل ليلة بغنيلهم كلهم الستة” حيت تميز كل فردٍ منهم بأغنيته الخاصة عند النوم، وكانت الأغنية الأكثر شعبية “يلا تنام يلا تنام ” التي لم يخلو منها أي منزل فلسطيني وبقيت حتى يومنا الحاضر ذات سيط قوي.

والتهويدات التي تغنيها الأمهات الفلسطينيات لأطفالهم قبل النوم أو في أوقات السمر واللعب، أحد جذور الدرب الندي من تراثنا.

وذكرت ام احمد أن لها أربع بنات وولدان مسافران منذ خمسة أعوام ورغم مرارة الغربة غنت متأثرة: “نام يا يما نام وتهنى …ريتك يا عيوني ما تبعد عنا”، فكان الجميع ينام عندما تنتهي من التهويدات، وتلك اللحظات من العمر لا تنسى حقًا، فلا أجمل من أن ترى الأم أطفالها وقد غفت جفونهم على صوتٍ جعلهم يشعرون بالأمان لينأموا .

لكل ام فلسطينية سر خفي ليخلد أطفالها للنوم، وللأطفال كذلك رابطٌ سحري مع هذه التهويدات، مشاعر يختلط فيها الحب والحنان والطمأنينة والأمان، وحتى ان النضال الفلسطيني المشهود في المظاهرات والمسيرات كان يتضمن الأغاني التي رددناها منذ زمن بعيد، فكانت أمهات الشهداء تتغنى بالأغاني التي كانت تنشدهن لأولادهم الذين ارتقوا برصاصة الاحتلال اللعين.

تتكون التهويدات عادةً من مقطعين يتم تكرارهما بلطفٍ ولين وبصوتٍ رقيق، يرافقهما اهتزازات دافئة، تعتمد الأمهات في تهويداتهم على أغانٍ سهلة وكلماتٍ بسيطة، حتى يتسنى لطفلها فهمها أو حتى حفظها عندما يصبح بالعمر الوافي، أنشأت الأمهات الفلسطينيات رابطًا بين الموسيقى والأطفال في ظل الظروف الصعبة التي كانت تحيط البلاد حتى يومنا هذا، ولم يكن مرتبطً بزمانٍ أو مكان، فيحدث أن تهّود الأم لطفلها حيث تكون، وفي أي وقت يغلب النعاس عيني ولدها.

وهنا الحاجة ام محمد الجمزاوي (62) عاما التي استقبلتنا ببشاشة وجهها وضحكةً جميلة، تستعيد ذكرياتها في أيام صباها، وتسترجع كلمات الأغاني التراثية التي كانت منتشرة في ايامها فتغني بروحها المرحة: “يا طير الطاير سلملي ع بلادي ع تربة بيي وع تربة اجدادي ” وقالت ام محمد عن الأغنية المميزة التي كانت تغنيها لأطفالها عند النوم: تهليله يا ستي يا ستي ويا ستي غاب القمر جيتي انتِ.

وتعترف ام محمد مازحة بأنها كانت تغني لابنها الذكر الوحيد أغنية تختلف عن أخواته التسعة الإناث “كان غير لأنو الولد المدلل عندي”.

لم يمنعها احفادها الذي يبلغ عددهم (42) حفيد وحفيدة، من إعادة غناء الأغاني التي كانت تغنيها لأطفالها في صغرهم.

 الحاجة كريمة البوشية ” ام العبد ” من سكان مخيم الامعري، من أصل مدينة يافا، مواليد 1953 وتملك أربع أولاد وخمس بنات حيث أصغر أولادها يبلغ من العمر 38 سنة ذكرت أن حفيدتها تالا ابنة ابنها المتوفي عبد رحمه الله كانت اكتر من غنت لها وهي صغيرة، حيث كانت تضعها في حضنها وتقوم بهزها حتى تنام على اغنية: ” شدلها يا ابوها شدلهاوان طلبت مصاري عدلها”.

من الجميل والممتع أن نقوم بأرشفة التراث الفلسطيني والاجمل أن يكون من شاهدٍ عيان، نحاكي بعضًا من ذكرياتهم الجميلة التي تقدم لنا من ذكريات اجدادنا لنعاود روايتها مرات عدة لأجيال المستقبل، وبذلك نبقى مستمرين على احياء تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا على مدى مرور الزمن.

وفي النهاية ستبقى مثل هذه الأغاني والتهويدات إرثا ثقافيا يتناقله الخلف عن السلف، وستحدث عليها بعض التطورات التي تتناسب مع التغيرات المتلاحقة التي تحدث في مختلف المجتمعات، وقد تختلف بعض الكلمات لكن لن يختفي هذا الفن ما بقي النوم والليل والنهار.