القدس المحتلة-المحرر- رامي الخطيب-في أسواق القدس العتيقة، وفي سوق الخواجات تحديداً تشتم عبق التاريخ في طرقات وأزقة باتت محلاتها التجارية مغلقة لندرة زائريها، حيث اكثر من (76) محلاً تجارياً لم يتبق سوى بضع محلات لبيع الأقمشة والنحاس، تمسكت بأصاله المكان وقدم جذوره التي تعود لأكثر من 800عام.
كان “أبو العبد” النحاس بانتظارنا ليعبر عن غصته فيما آلت الية الأوضاع في هذا السوق، وما وصلت إليه مهنة النحاسة التي باتت على شفى الانقراض.
يعتبر الحاج محمد عبد الجواد آخر نحاسي البلدة القديمة والقدس بأكملها، بعد عمله فيها مع والده لأكثر من (25)عاماً، بينما رفض أولاده هو العمل بها.
وبينما ينتظر الحاج محمد أحد المارة أو السياح أن يذهل بمقتنياته الثمينة ليشتريها، يستعرض لنا بداية اكتشاف النحاس في العصر النحاسي 600 سنة ق.م، ونقطة بداية مهنة النحاسة حين استخدم الإنسان قديما الأواني والملاعق والكؤوس والأباريق النحاسية، كما استخدم النحاس في الأدوات الحربية كالسيوف والخناجر لتي باتت تزين المتاحف التراثية. وأضاف: “لم يقتصر الامر على الاستخدامات المنزلية للنحاس بل بات وسيلة علاجية، بعد توصيات الاطباء لمن يعانون (الروماتيزم) بوضع الاساور النحاسية على ايدهم، اضافة لشرب الماء بالكؤوس النحاسية لمن يعانون من آلام في المعدة”.
وبينما يقوم بتبيض احدى المقتنيات النحاسية، سأله أحد المارة: هل انت نحاس؟ هل مازلت تصلح البوابير؟ فأجابه مبتمسا:”طبعا بصلح”. وأكمل: ” كان هناك سوقا كاملًا للنحاسين في القدس المحتلة قديما لكثرة الطلب عليه، ولكن الآن بات النحاس “ديكورا” في البيوت يوضع بزوايا المنزل كنوع من انواع التراث والزينة.
ولم يندهش آخر نحاسي القدس من السؤال بسبب تكراره يومياً من قبل المارة، مضيفا: “مهنة النحاس ما بطعمي خبز، وأعمل حالياً كحارس في المسجد الاقصى المبارك منذ 22 عاما والحمد لله، وكباقي أصحاب المحال التجارية بالقدس نعاني من ضرائب الاحتلال الاسرائيلي وعربدة المتطرفين كون سوق الخواجات محاذياً للحي اليهودي الذي أقيم على انقاض حارة الشرف، ويقتصر عملي اليوم على تجميع قطع النحاس وإصلاح البوابير في موسم الشتاء من شهر أكتوبر وحتى شهر فبراير”.
ولا يخفي عبد الجواد غصة قلبه لأن من يهتم بشراء القطع النحاسية القديمة المصنعة في البلاد العربية والإسلامية في يومنا هذا هم من اليهود والاجانب، وقلة قليلة من الفلسطينين، ويضيف بحسرة: “راح يجي يوم ونندم على التفريط في تراثنا ومقتنياتنا، لأنه اللي بروح ما برجع والدليل على ذلك ابحاث الانترنت، حيث يعرضونها في المزادات الالكترونية خارج فلسطين بأسعار خيالية، ثم يقومون بتزويرها بإضافة كتابات ورموز اجنبية وعبرية لينسبوها اليهم”.
وفي الوقت الذي يتراكض فيه الاحتلال الى تسويق نفسه وتثبيت روايته، وحيازة ما لا يملكه من مقتنيات تراثية نحاسية فنية وينسبها إليه كما يحاول نسب المكان والزمان والتراث وحتى الطعام، يدعو أبو العبد كل من لديه قطع نحاسية أن يحتفظ بها ويحافظ عليها وألا يفرط بها لتبقى تراثاً حياً يكشف أصالة المقدسي والفلسطيني وارتباطه بأرضه.