الرئيسيةتقاريرحمصة التحتا تصمد في وجه الاستيطان والتهجير

حمصة التحتا تصمد في وجه الاستيطان والتهجير

الأغوار- المحرر-موسى هيثم دراج– يصر المواطن محمود هايل محمود بشارات على البقاء بمنزله في خربة “حمصة التحتا” بالأغوار الشمالية، رغم كل مضايقات واعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وهدم منازل العائلة ومنشآتها على مدار 26 عامًا، فالصمود بالنسبة له أمر هام للحفاظ على أرض تعد الأخصب فلسطينيًا، وحماية الأغوار “سلة غذاء فلسطين” من أطماع الاحتلال الاستيطانية التي باتت واضحة خلال السنوات الأخيرة.

إرث الصمود

قبل احتلال الضفة الغربية، سكن محمود بشارات “الجد” في حمصة التحتا، وبقي صامدًا في وجه أطماع الاحتلال الاستيطانية التي لم تتوقف، والجد ورّث أبناءه وأحفاده ذلك الصمود، برغم تصاعد الاعتداءات عليهم.

يقول محمود بشارات “الحفيد”: “منذ العام 1996 وانتهاكات الاحتلال واعتداءاته لم تتوقف بحقنا، هدموا غرفنا السكنية، وصادروا مساكننا (بيوت متنقلة)، طيلة تلك الفترة حتى الآن، لقد هدموا منازلنا ست مرات، وأخطرونا بالهدم عدة مرات، وفي كل مرة يتحججون بذرائع مختلفة، من حجة عدم الترخيص وصولاً إلى أن المنطقة أثرية! أو أننا نعتدي بحسب زعمهم، على أراضي تصنف (خزينة دولة!)”.

يصر محمود بشارات على البقاء في “حمصة التحتا” رغم امتلاكه منزلًا في مسقط رأسه ببلدة طمون جنوب طوباس، ومحمود الآن تحاكمه ما يسمى بـ”الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال بسبب البناء “بزعم أن أرضه منطقة أثرية”، بالتزامن مع بقاء إخطارات وقف البناء، ويؤكد محمود أن ذلك أسلوب انتقامي منه، لدفعه على الرحيل، لكنه صامد في أرضه وسيبقى يبني ما هدمه الاحتلال، ولن يرحل.

صمود منذ عشرات السنين

يصر هايل محمود بشارات على العيش في “حمصة التحتا”، رغم كل الاستهداف الإسرائيلي، ولديه 8 أبناء وأكثر من 70 حفيدًا، يحرص أن يغرس فيهم حب الوطن والصمود في أرضهم، وهو لا ينسى هدم الاحتلال 10 منازل له ولأبنائه منذ العام 1996 حتى الآن.

ويبلغ عدد سكان حمصة الفوقا وهي تجمع بدوي فلسطيني يتبع محافظة طوباس والأغوار الشمالية نحو 80 نسمة. وتُعد الثروة الحيوانية المصدر الأساسي للدخل، إضافة إلى الزراعة.

وينحدر سُكان خربة حمصة الفوقا إلى منطقة بئر السبع في فلسطين التاريخية التي هُجروا منها إلى بلدة السموع في قضاء الخليل، ومنها انتقلوا لاحقًا إلى منطقة الجفتلك بمحافظة أريحا. هدمت إسرائيل مساكنهم بين عامي 1996 و2006 مما أضطرهم إلى المغادرة في عام 2006 إلى خربة حمصة الفوقا.

يشير بشارات إلى محاولة الاحتلال السيطرة على الأغوار ضمن صفقة “ترامب”، والتي بات الاحتلال يروج لها بإمكانية منع السكن فيها، لتضاف إلى محاولات استمرت عشرات السنوات لتهجير أهالي الأغوار دون أن تفلح بشيء.

يقول بشارات: “إن جيش الحتلال لم يتوقف عن استهدافنا، فهم لا يريدون أي أحد في الأغوار، والاستهداف شمل البشر والحيوانات، والبنى التحتية والكهرباء والماء، وكل ذلك من أجل السيطرة على سلة غذاء فلسطين، لذا فإن إسرئيل لا تريد أي فلسطيني بالأغوار، حتى المراعي منعنا منها، والاستهداف يتم تحت مسميات عدة منها الزعم بأنها منطقة أثرية”.

ويتابع بشارات، “لقد عرضواعلي مبلغ 2 مليون دولار وأترك أرضي لكنني أخبرتهم، أنني أوصيت أبنائي إن مت أن يدفنونني تحت شجرة زيتون بمنزلي، لقد أوصيت حتى أحفادي البالغ عددهم 70 أن يبقوا صامدين بالأغوار”.

ويؤكد بشارات، “بقوة الله أنا صامد مع أبنائي وأحفادي في أرضي، ويجب على الجميع والعالم أن يقف بجانبنا، حتى يعرفوا معاناة الشعب الفلسطيني في الأغوار، هذه أرضنا، وهم من احتلوها”.

فراولة معلقة تقهر الواقع!

مؤخرًا، بدأ الشاب محمود بشارات مشروعًا يتغلب فيه على الواقع الصعبن فقد أقام مشروعه “فراولة الأغوار” بيت بلاستيكي زرعه بالفراولة المعلقة، رغم كل الظروف القاسية وعمليات الهدم غيرها.

يقول محمود بشارات: “إن فكرة المشروع جاءت لتؤكد أهمية الزراعة، في ظل استهداف الاحتلال للبنية التحتية للمزارع الفلسطيني في الأغوار، وقطع المياه، وتدمير الطرق الزراعية، في مقابل تسهيل كل مقومات بقاء المستوطنين على أراضينا!”.

ويشدد بشارات على أن الأغوار هي “سلة غذاء فلسطين” الرئيسية، هي من أجمل وأخصب الأراضي في فلسطين، فيها منبع الماء، وبات صراعنا الحالي مع الاحتلال هو صراع على الماء، وتدمير البنية التحتية للمياه للمزارع الفلسطيني، ف مقابل تسهيل كل مقومات الحياة والزراعة للمستوطنين.

ضرورة الصمود

ولد الشاب محمود بشارات في حمصة التحتا، ويرى أنه مثل السمكة لا تستطيع في بيئة أخرى وستموت، وهو لا يمكن له أن يعيش في منطقة غير حمصة التحتا، وفيها مكان رزقه، وجذوره فيها ولن يرحل عنها مهما كانت الظروف، لأنه إن رحل سيحل مكانه المسوطنون.

في ظل الاستهداف الإسرائيلي، يعاني بشارات وعائلته، خاصة في ظل ظروف الشتاء، فالهواء يدمر الحظائر والمساكن، لكن تلك المعيقات تجعله صامدًا، وبأقل الإمكانات يحاول إعادة ما يهدم من الاحتلال أو بسبب الظروف الجوية، ولا بد من الصمود كونه صاحب الأرض وليس المستوطنين، والانتماء موجود لهذه الأرض.

يقول محمود: “إن إسرائيل لم تتوقف عن استهداف الأغوار التضييق على أهله ليضطروا على الرحيل، لكن كل ذلك يعطينا عزيمة وإصرارًا، هم يهدموا ويدمروا ونحن نعيد بناءها، وسنبقى نحرث أراضينا، حتى إن كانت قريبة من المستوطنات أو معسكرات جيش الاحتلال، وإن حرقوا محاصيلنا سنعيد زراعتها”.

ويعتقد أهالي الأغوار أنه لا بد من العمل على إيجاد حملات توعية للمواطنين في كل الضفة الغربية والعمل على تنظيم زيارات لهم، لتعزيز صمودهم، في ظل هجمة استيطانية شرسة كبدتهم خسائر مادية ومحاولات لاستنزافهم ودفعهم على الرحيل، فهل تنجح الجهات الرسمية بهذه المهمة؟