*إضرابات نقابية ومطلبية تطول… ولا حلول في الأفق وسط أزمة مالية خانقة تعاني منها السلطة الوطنية
رام الله-المحرر-نور الأقطش- يطغى سيل الأحداث المتسارعة في فلسطين على خطوات الإضراب التي تخوضها قطاعات فلسطينية كبيرة، وتؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين خصوصاً قطاعي العدالة والتعليم. وليس هذا فحسب ولكن تستمر كرة الثلج بالتدحرج بإعلان قطاعات أخرى الشروع في خطوات احتجاجية وتهديد أخرى بالتحرك للمطالبة بحقوق تراها هي محقة، وتقول الحكومة إنها في حالة عجز تمنعها من الوفاء بتعهداتها بسبب أزمة مالية مستمرة سببها الاحتلال الإسرائيلي.
المعلمون يضربون بدون “اتحادهم“!
يتعطل الدوام في المدارس الحكومية منذ بداية شباط/ فبراير الماضي، حيث يخوض المعلمون بقرار ذاتي منهم إضراباً عن العمل مطالبين بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة سابقاً، على الرغم من أن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، الجهة الرسمية الممثلة للمعلمين، ترفض هذه الخطوة وتتفق مع الجهات الحكومية ووزارة التربية والتعليم بأن جهات “مجهولة” تقف خلف هذا الإضراب وتحركه.
2022 البداية..
يمثل إضراب المعلمين الحالي استمراراً للإضراب الذي خاضه اتحاد المعلمين العام الماضي واستمر لقرابة الخمسين يوماً، وانتهى بتوقيع اتفاق بين الاتحاد ووزارة التربية والتعليم بتاريخ 21/4/2022، نص في حينه على دفع الحكومة علاوة طبيعة عمل للمعلمين بنسبة 15% على مرحلتين؛ الأولى 10% اعتباراً من 1/1/2023؛ والثانية 5% من 1/1/2024. علماً أنه جرى التوصل لهذا الاتفاق بناءً على مبادرة المؤسسات الأهلية والتربوية والتي تضمنت 5 بنود أهمها: دمقرطة الاتحاد ودفع علاوة طبيعة العمل للمعلمين. وكلاهما لم يتم تنفيذهما، ويطالب بهما المعلمون المضربون حالياً.
يكشف العودة للاتفاق الموقع في نيسان من العام 2022، عن تباين هام في صيغة إعلان كل طرف عن الحل، ففي حين تضمن بيان وزارة التربية والتعليم المنشور على موقعها الرسمي جملة “تدفع (العلاوة) عند استقرار الوضع المالي للحكومة وتوافر الأموال”، لم تحضر هذه الجملة في صيغة البيان الذي نشره الاتحاد في حينه، كما أن هذه الجملة لم تحضر في الاتفاقية التي وقعها وزير التربية والتعليم مروان عورتاني وأمين عام اتحاد المعلمين سائد ارزيقات بتاريخ 2/6/2022.
الا أن الوزير عورتاني عاد للتأكيد مجدداً في مقابلة مع تلفزيون فلسطين (بتاريخ 14/2/2023) بعد البدء بالإضراب الجديد، أن الاتفاق نص على أن تدفع العلاوة عند توفر الأموال لدى الحكومة، ما يزيد من المشكلة ويبعد فرص التوصل للحل.
الآن وبعد قرابة شهر على بداية إضراب المعلمين، تتخلص مطالب المعلمين المضربين بمطلبين رئيسيين كانا أساس حل الإضراب السابق في اتفاق العام الماضي، هما:
نقابة المحامين.. 4 أيام عمل في شهرين
تكمل نقابة المحامين، هي الأخرى منذ بداية العام 2023 ما بدأته العام الماضي، بخوض إضرابات شاملة وأخرى جزئية، توقف بموجبها عمل منتسبيها من المحامين والمحاميات أمام المحاكم، في خطوات تصاعدية بلغت ذروتها في الأسبوعين الأخيرين.
تشير البيانات الصحفية الصادر عن مجلس نقابة المحامين، والتي تُعلن بموجبها الخطوات النقابية، أنه تقرر تعطيل العمل بشكل كامل وجزئي أمام المحاكم والنيابات والمؤسسات الحكومية في 38 يوماً (64%) من أصل 59 يوماً في أول شهرين (كانون الثاني وشباط) من العام 2023. فيما بلغ عدد أيام العطل الرسمية والأسبوعية في الشهرين الأولين من العام 17 يوماً، وبالتالي انتظم عمل المحامين أمام كافة المحاكم في 4 أيام (بنسبة 7%) في الشهرين الأولين من العام الجاري (من 8/1/2023 إلى 11/1/2023).
وعن أسباب هذه الخطوات، تشير البيانات إلى خوض نقابة المحامين خطواتها التصاعدية بشكل رئيسي احتجاجاً على تعديل جدول رسوم المحاكم وإلغاء العمل بالسندات العدلية في 36 يوماً، فيما قررت تعليق العمل في يومين آخرين؛ مرة بسبب ما قالت إنه تطاول على محامي في نابلس، وأخرى على خلفية توقيف محامي في رام الله.
حركات مطلبية أخرى.. وتهديدات
نقابة المهندسين هي الأخرى أعلنت عن الشروع في نزاع عمل مع الحكومة التي قالت إنها غير ملتزمة بما اتفقت عليه مع النقابة، وعليه خاض منتسبوها إضراباً عن العمل استمر لأربعة أيام في شهر شباط/ فبراير (22 و23 و25 و28) بسبب ما قالت إنه “نعت الحكومة ورفضها لمطالب النقابة المتعلقة بتطبيق قرار مجلس الوزراء”.
اتحاد الصناعات الدوائية واتحاد موردي الأدوية بدورهما أصدرا تحذيراً خطيراً في بيان صحفي صادر عنهما بتاريخ 26/02/2023، يتمثل في نقص الأدوية واللوازم الطبية وعدم قدرت شركات الأدوية على تدوريها بسبب الأزمة المالية والدوائية الخانقة نتيجة “تنصل وزارة المالية من تنفيذ الاتفاق الموقع معها والمتضمن تسديد وجدولة المستحقات المالية لضمان استمرارية عمل الشركات”.
وفي الأمد المنظور، لا يبدو أن هناك حلولاً ممكنة التطبيق لإنهاء الأزمات المتراكمة التي تعصف حالياً بجوانب هامة من الحياة اليومية، ويتوقع أن تتوسع لتشمل قطاعات أوسع وأهم وأخطر.
يذكر أن السلطة الوطنية الفلسطينية تعاني من أزمة مالية خانقة أجبرتها على عدم صرف رواتب كاملة لموظفي القطاع العام منذ أكثر من عام. وتعود هذه الأزمة إلى أسباب مختلفة منها ارتفاع فاتورة الرواتب خلال السنوات الأخيرة، مقابل تراجع مساعدات الدول المانحة التي كانت تشكل نحو 20% من الموازنة العامة إذ كانت تبلغ نحومليار دولار سنويات ثم تراجعت إلى ما دون الـ 500 مليون دولار قبل أن تتضاءل إلى حدود ما دون الـ100 مليون دولار في آخر 3 سنوات.
ويصل العجز المالي في الموازنة العامة سنوياً إلى قرابة مليار دولار فيما يقدر الدين العام الحكومي بأكثر من 4 مليارات دولار أزيد من نصفها عبارة عن قروض منحت من القطاع المصرفي الفلسطيني الذي توقف منذ قرابة عامين عن تقديم أية قروض جديدة للحكومة بسبب مخاطر تتعلق بضرورة توزيع التسهيلات الائتمانية وعدم تركزها على القطاع الحكومي بعد وصول القروض الممنوحة للحكومة وموظفيها إلى أكثر من 4 مليارات دولار أي نحو40% من حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة في فلسطين وهو ما قد يشكل مخاطر مصرفية عالية.
كما فاقمت الاقتطاعات الاسرائيلية لأموال المقاصة من أزمة السلطة الوطنية المالية، والتي بلغت حتى نهاية العام الماضي ملياري شيقل، بواقع 50 مليون شيقل تقتطع شهريا منذ عام 2019، ثم قررت حكومة الاحتلال مؤخراً خصم ملايين الشواقل الإضافية ما فاقم من الأزمة.