الرئيسيةرئيسيالدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية الخبيثة وكيفية مواجهتها

الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية الخبيثة وكيفية مواجهتها

 

بقلم: مازن شعيبي

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في أيامنا هذه، ساحة حرب رقمية، اذ أتاحت الثورة التكنلوجية لمليارات البشر القدرة على التواصل، إذ تشهد الدقيقة الواحدة دخول نحو مليوني شخص إلى موقع الفيسبوك، و500 ألف تغريدة على التويتر، و4.1 مليون مشاهدة فيديو.

الأمر الذي جعل الإعلام الرقمي يُصبح أداة قوية في التأثير على الأفراد، أداة لم يغفل الاحتلال الإسرائيلي عن أهميتها لتحسين صورته ونشر دعايته المضللة، فأطلقت وزارة خارجيتها دائرة الدبلوماسية الجماهيرية في عام 2015، والتي تضم طاقم مستشارين وموظفين يشرف على 350 قناة رقمية واجتماعية، و20 موقعًا إلكترونيًا بسبع لغات عالمية، إلى جانب 80 موقعًا إلكترونيًا لمكاتب السفارات حول العالم.

أنشأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي صفحات رسمية وأخرى غير رسمية بأكثر من 20 لغة، من بينها الصفحات الموجهة إلى الشعوب العربية، ويرأسها عادة متحدثون بلسان عربي طليق، بهدف اختراق الأفكار العربية وتغيير اتجاهاتها نحو التعاطف مع الاحتلال الإسرائيلي.

أعلنت إسرائيل عن أهدافها بشكل علني، اذ قال رئيس قسم الدبلوماسية العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية يوناتان جونين والمشرف على الصفحات العربية في إدارة الدبلوماسية “الهدف من تلك الصفحات العربية هو تغيير نظرة الجمهور العربي لإسرائيل من كونها دولة عدو الى دولة رائعة ذات تنوع مذهل وثقافة غنية وروح إبداعية”.

وقد نجحت صفحات كثيرة في بلوغ تفاعل واسع إذ بلغ عدد متابعي صفحة فيسبوك الرسمية “إسرائيل تتكلم بالعربية” حوالي 3.2 مليون متابع حتى شهر آذار 2023، أما عدد متابعي صفحة أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، فبلغ حوالي 2.1 مليون، والمثير للدهشة أن العدد في تزايد سريع، فقد ذكرت أحد المصادر المكتوبة في أوائل تشرين الثاني 2020، أن عدد المتابعين كان قد بلغ 1.5 لكل منهما، بالإضافة لصفحات أخرى عديدة ذات سيط متزايد، مثل صفحة المنسق، وصفحة أوفير جندلمان، وإسرائيل تتحدث بالعراقية برئاسة ليندا منوحين، وغيرهم.

تتبع إسرائيل في ما تبثه استراتيجيات محددة وواضحة لتحقيق أهدافها، يمكن تلخيصها بمحورين، الأول عن طريق استعطاف مشاعر العرب بطريقة مباشرة، كأن تهنئ بحلول شهر رمضان، أو تخبرنا أن بموعد ميلاد موسى النبي حسب التقليد اليهودي، وقراءة القرءان، والدعوة للتسامح الديني والمحبة للجميع، والثاني باستخدام شعارات تقول أن العدو واحد وهم الإرهاب وايران وحماس وحزب الله وتعريفهم بأنهم الأخطار المشتركة، بالإضافة الى تجاهل القضايا الشائكة، كالاستيطان والجدار والأسرى وغيرها.

حقق الإعلام الإسرائيلي نجاحا كبيراً، وحديث الشارع بطريقة ما، يسرب للآذان أفكاراً غريبة، حول أن الاحتلال هم دولة العدل والحق، وأنهم استطاعوا بقوتهم تحقيق التوازن والديمقراطية الحديثة، وقد يصل القيل والقال الى أن يحدّث أحدهم بكون الاحتلال له  الأحقية في هذه الأرض، أما في ما كتبت المقال لأجله، هو كيف تعامل الفلسطينيون في مواجهة تلك الأفكار المترامية والمؤثرة، ومدى الوعي الواجب التوصل إليه.

إن المشكلة الحقيقية تكمن في كثرة التعليقات في تلك الصفحات حتى لو كانت سلبية تجعل الصفحات تصبح ناجحة وتصل الى أكبر عدد ممكن من الناس، وهذا بالتحديد ما عملت وتعمل عليه إسرائيل، والأغرب هو الاندفاع والنجاح الكبير الذي تحققه على ضعف المحتوى بمضمونه وقيمته، لكن ما كثرَ أصبح مُلازما حتى لو كان مجرد كلام فارغ، إن التعليقات السلبية ليست حلاً بل تُفاقم من المشكلة التي تصنعها إسرائيل بترويجها للدعاية الإسرائيلية، وفي محاولات أخرى أكثر نضجاً أطلق ناشطون فلسطينيون حملات واسعة لمقاطعة صفحات الاحتلال، أحداها كان في أيار/مايو 2020، عبر حث أصدقائهم على الفيسبوك لإلغاء الإعجاب بها، ونجحت الحملة التي حملت شعار “يا عندي يا عند المنسق”، في ساعاتها الأولى بإلغاء نحو 40 ألف من صفحة المنسق.

إلا أن ذلك النشاط سرعان ما تم تعويض النقص فيه، بل أن نسبة كبيرة ممن ألغوا المتابعات وجدوا انفسهم بدون ادراك معيدين المتابعة، ولو أنك لم تتابع، لا بد أن يمر عليك أحد منشورات افخاي بسبب متابعة صديق لك إياه، أو كما حدث معي وحثني على كتابة هذا المقال، أن تسمع صوته من هاتف أخيك في المنزل، ولكن تخيلوا لو أن 40 ألف شخص قاموا بعمل تبليغ Report للفيديو بدلا من إزالة المتابعة.

ثقافة الReport تكاد تكون معدومة في مجتمعنا العربي، لكنها وسيلة ناجحة جداً في حجب المحتوى وتقليل الوصول اليه وحظره نهائياً، ونلتفت أخيراً لنشر الوعي الصحيح، والمعلومات الحقيقية، والتطور بإعلامنا ورفض أي استهلاك خارجي رقمي من الاحتلال ومقاطعته، حتى نحقق النمو والاستقلالية الكافيين في مجتمعنا.