نابلس-المحرر-رؤى عروق- تحتجز سلطات الاحتلال منذ عام 2015 جثمانين الشهداء في ثلاجات عالية التبريد، هذا الفعل الذي يقصد منه إحداث ألم مستمر لعائلات الشهداء، الذين ما زالوا يعيشون مع أحزانهم المركبة الممزوجة بألم الفراق الأبدي والألم الناتج عن عدم قدرتهم على إغلاق دائرة الحزن الشديد، بسبب عدم دفنهم لجثامين أبنائهم، حيث إن إكرام الميت دفنه.
بدل أن تزف أم عزمي ابنها أمجد، عريسًا أصبح جل حلمها أن يُزف شهيداً، وتقول: “إن الأم الفلسطينية حوصرت أحلامها، في فلسطين تُقتل الأحلام مع كل قطرة دم تسيل من أجساد الشهداء”.
كانت أم عزمي قبل استشهاد فلذة كبدها تدعو الله في صلاتها أن يحفظه، لكن دعاءها أصبح جله بأن يضم القبر جسد ابنها أمجد المحتجز برفقة مئات الشهداء الأسرى الآخرين في ثلاجات ومقابر الأرقام لدى الاحتلال الإسرائيلي.
ريح أمجد الباقية!
”إني لأجدُ ريحَ أمجد “، يتلوها دائمًا، والد ووالدة أمجد، منذ استشهاده واحتجاز جثمانه قبل أكثر من عام، ولكن والديه لم يتجاوزا خبر استشهاده، وقلب الأب المكلوم يواظب على الدعاء لله بأن يكون ابنه حياً، لا سيما أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، لم تبلغهم بأنهم يحتجزون جثمانه!
تقول أم أمجد : “كُتب على الأم الفلسطينية ألا تحلم، فبعد أن كان حلمي أن أزف ولدي عريساً صار حلمي أن أزفه شهيداً محمولاً على الأكتاف، رغم أنني غير متأكدة من قدرتي على تحمل مشهد ابني ممداً”.
خرج أمجد ابن الثانية والعشرين من منزله فجر السادس عشر من آب 2021، حين سمع بأن قوات الاحتلال اقتحمت أطراف مخيم جنين، لتخوض عملية عسكرية للبحث عن مقاومين كانوا متواجدين في المخيم، بحسب ما أعلن الإعلام العبري حينذاك، وبالرغم من صغر سنه، تواجه أمجد مع جنود الاحتلال، أطلقوا عليه النار ثم خطفوا جثمانه.
الأم صاحبة القضية
يلازم والدة أمجد عقد زُين بصورة ابنها الشهيد، وترافق هذه الصورة قضية استرداد جثمانه التي لم تتوقف يوماً عن المطالبة بها بكل قوتها، ومنذ أن استشهد أمجد، لم تتوقف والدته عن المشاركة بجميع الفعاليات للمطالبة باسترداد الجثامين، ولم يدخل اليأس قلبها على الرغم من قلة عدد المشاركين لمناصرة أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم.
عام 2018، أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني، قراراً باعتبار السابع والعشرين من شهر أغسطس\ آب في كل عام، يوماً وطنياً لاسترداد جثامين الشهداء، كما تبنت الحكومة، الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة، وهذه الحملة تأسست عام 2008 وتعتمد على حشد الرأي العام للضغط على حكومة الاحتلال للالتزام بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف بهذا الخصوص.
لكن أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، فوجئوا عام 2019، بإعلان قوات الاحتلال استخدام احتجاز جثامين الشهداء كورقة مساومة لتبادل من خلالها الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة منذ عام 2014.
في مقبرة المخيم، يرقد الشهداء بجانب بعضهم، وكان آخرهم زميل أمجد صالح أحمد عمار، الذي استشهد في السادس عشر من آب ٢٠٢١، إلا أن قبر أمجد لا يزال بانتظار أن يضمه حتى اللحظة، فهل يتحقق الحلم؟
المقاوم الصغير
منذ طفولته المبكرة بدأت ملامح المقاومة تظهر على امجد ولا يهنأ الوالدان بنومهما، إلا إذا تواجدامجد بفراشه، فهما يعلمان يقيناً بأن طفلهما لا يهدأ حال قوات الاحتلال في أي منطقة قريبة منه، ويكن أول المتواجدين حين اندلاع المواجهات.
كان امجد كما تؤكد والدته، يغضب من مشاهد قتل الاحتلال للشبان الفلسطينيين، ويردد أن هذه الأرض لنا، وأن الاحتلال لا بد وأن يزول عن هذه الأرض، ونصلي بالقدس، “لقد كان طموح امجد التحرير، ويعتبر مقارعة الاحتلال حتمية لا بد منها، كما التحرير لا بد منه”، تقول الوالدة.
ملازمة أمجد خشية عليه
عشرات المرات كان الوالدان يخرجان في منتصف الليل إلى الحواجز العسكرية ونقاط التماس مع الاحتلال، كي يعيدوا أمجد إلى المنزل، وتتذكر الوالدة أن والده أخبر أمجد عن مرضها وبحاجته فقال له بصوت الفتى وقلب الرجال: “لن آتي إلا حينما يخرج جيش الاحتلال من المنطقة”.
مرة أخرى، ذهب الوالدان ليحضرا أمجد من نقطة مواجهة مع الاحتلال، لكنه أخبرهما أنه لن يأتي إلا حينما يعودان للمنزل، لكن الوالدين الخائفين على ابنهما الوحيد بقيا بالقرب من المواجهات حتى انتهائها!
كل المرات التي تستذكرها والدة أمجد عن ليالي المواجهات بين الاحتلال والشبان مرعبة، وتقول: “إن الليالي التي لم أنم فيها كثيرة، في إحدى هذه الليالي بقيت أنتظر حتى طلع الصبح، وعاد امجد إلينا”.