الرئيسيةتحقيقاتدون بيانات وخارج الرقابة احذروا... أعشاب ضارة تُغري الزبائن وتعِدُهُم بالتخسيس

دون بيانات وخارج الرقابة احذروا… أعشاب ضارة تُغري الزبائن وتعِدُهُم بالتخسيس

تحقيق: نور الدين الوشاحي

بأشكالٍ وألوان جذابة وأينما تجولُ بناظريك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تجدُ الكثيرَ من الإعلاناتِ الترويجية لمستحضراتٍ (طبيةٍ) خاصة بتخسيس الوزن لمن يرغب في إنقاص وزنه مُستخدمين عبارات براقة لجذب الجمهور مقابل مبالغ ما بين زهيدة ومرتفعة، دون مسئولية مروجيها الافتراضيين عن نتائجها، مما يثيرُ العديد من التساؤلات حول: من يقف خلف هذه الصفحات والمنتجات؟  وهل هو متخصص في المجال؟ أم امتهان بدون ترخيص للمهنة؟ ومن المسئول في حال تسببت بآثارٍ سلبيةٍ على المستهلك؟

أطباء أم عطارين؟

بدأ فريقُ التحقيق بحثه عبرَ عدد من الصفحاتِ الترويجية لمنتجاتِ تخسيس الوزن، ووجد عدداً منها شائعا عبر فيسبوك وانستجرام.

احذر من منتجات التخسيس ليس كل ما يقال حقيقة

وبعد الاطلاع على الإعلانات كان أبرز شعاراتها: (الوصفة السحرية لتخسيس الوزن، أُحصلي على نتائج مبهرة في أسبوع، إخسري 15 كيلو في أسبوع بدون رياضة، أُحصلي على بدائل لتكميم المعدة)، وذلك لمنتجات تتنوع ما بين كبسولات، ومشروبات عشبية، وخلطات.

راسلَ الفريق القائمين على خمسة عشر صفحة إعلانية بصفتهم متخصصين بالمجال الطبي، لكنه تفاجأ بعد الحديث معهم عن تفاصيل المُنتج بأنهم مجرد (عطارين) ولا علاقة لهم بالتخصص الطبي.

إحدى مروجات هذه المنتجات تُطلق على نفسها دكتورة (د.ن) رفضت الحديث عن أي تفاصيل تتعلق بمنتج التخسيس وهو عبارة عن كبسولات تُطلق عليها اسم (حواء) تقوم بإعدادها هي وأحد المُعلنين، وخلال التواصل معها عبر مكالمة هاتفية بدا صوتها مرتجفاً بعدما تم تعريف القائمين على التحقيق على أنفسهم، واعترفت لاحقاً أنها ليست طبيبة أو مختصة تغذية وهي فقط مسوقة لمنتجها المحلي.

‏ويظهرُ حجم الخوف لدى مروجة منتجات التخسيس، عندما بدأت بالسؤال عن كيفية الحصول على رقم هاتفها؟

وقد حصل القائمون على التحقيق على بيانات (الطبيبة) المروجة للمنتج عبر صفحة التسويق الخاصة بها عبر فيسبوك، لكنها أنكرت صلتها بالقائمين على الصفحة، وأنها تبيعها بمفردها.

خلالَ الحوار الدائر مع القائمة على المنتج، كشفت أنها تصنعُ تلك المنتجات بنفسها في المنزل، دون تخصص في المجال.

‏وعن نتائج العلاج، قالت صاحبةُ المُنتج: “أنا جربته شخصياً، وكان مفيد وأعطى نتيجة جيدة”.

وفي إطار البحث تبيّن أن أغلب القائمين على الحسابات المُعلنة عن منتجات التخسيس يُعرّفون أنفسهم أنهم مختصين في مجال الطب والتغذية، ولكن بعد الحديث معها تبين أنهم عطارين وليسوا أطباء أو مجرد مسوقين تكمن مهمتهم بالترويج فقط.

وعند الحديث إلى مروجي المُنتجات، قُوبلنا بالرفض القاطع، دون إبداء أسباباً مُقنعة لذلك.

نتائج سريعة ولكن

تمكنَ فريقُ التحقيق من التواصل مع عدد من الحالات التي استجابت للإعلانات الالكترونية عبر منصات التواصل، واكتشف أن العبارات الترويجية كانت سبباً وراء اقتنائهم المنتجات.

سيدةٌ عشرينية فضّلت عدم الكشف عن هويتها: “قالت إنها استخدمت أحد منتجات التخسيس، وهو عبارة عن عبوة تحتوي على أعشاب على شكل مشروب يتم تناولها بعد الأكل؛ ما أدى لحدوث اضطرابات في دقات القلب، ومنعها الطبيب الذي لجأت إليه من استخدام المنتج”.

حالة أخرى كشفت عن شرائها منتجاً يتم الترويج له عبر انستغرام، بعدما جذبتها العبارات البراقة المدونة على صورة المنتج.

استخدمت الفتاة (ت.ط) التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملاً المُنتج الذي يحمل اسم “هيلثي بروداكت” لمدة خمسة وأربعين يوماً، لكن دون نتيجة، لتكتشف لاحقاً أنه مجرد مُلين للمعدة.

تجربةُ الفتاة كانت كفيلة بتفنيدِ ما ادعاه القائمون على المُنتج بأن استخدامه يساعد على فقدان ما بين (8- 10) كيلو شهرياً.

تفاصيل ما جرى مع الحالات السابقة مشابهة لتجربة د.ج التي اشترت منتج تخسيس بعد تعرضها لما وصفته إغراء بصري عبر صفحة فيسبوك، لكنها لم تحصل على أي نتيجة بعد تجربتها للمنتج.

وقالت وهي غاضبة: “تواصلتُ مع المسوقة وأخبرتُها برغبتي بفقدان الوزن بشكلٍ سريع، ولكن لم أر أيَ نتيجة حتى الآن”، فأقنعتها بشراء مُنتج يُسمى العشبة الملكية بسعر 60 شيكل، لتنزيل الوزن ما بين 10 إلى 15 كيلو أسبوعياً”.

وعندما لم تجد الفتاة نتيجة بعد جميع المحاولات السابقة، تواصلت مرة أخرى مع القائمة على تسويق المُنتج، لكنها تفاجأت بحظرها عبر فيسبوك.

** خدع إعلانية 

رصدَ فريقُ البحثِ عدداً من الإجراءات الالتفافية التي يتبعها مسوقو المنتجات، وهي تبديل اسم وشكل المُنتج بعد انكشاف عدم فعاليته، والترويج له من جديد ويطلق على تلك الحالة (أصحابُ الصفقة الواحدة)، اللافتُ الذي لاحظه فريق التحقيق أن معظم الحالات التي تلجأ لمنتجات التخسيس المعروضة عبر الانترنت، تتراوح أعمارها ما بين 19 حتى 25 عاماً.

وفي هذا السياق دعا مستشار الاعلام الاجتماعي سائد حسونة المُستهلكين أخذ الحيطة والحذر قبل التسرُع وطلب أي شيءٍ عبر الانترنت، لأن الكثيرَ من الإعلانات يبرعُ فيها المصممين لجذب الجمهور ودفعهم لشراء تلك السلع والمنتجات.

ومن الناحية القانونية لتداول المنتجات يعتقدُ حسونة أنه لا يوجد قانونٌ كاملٌ يغطي قضايا التجارة الالكترونية وحماية المستهلك في فلسطين، وهناك حاجة إلى تحديث التشريعات وسن قوانين شاملة لإدخال التكنولوجيا إلى التشريع الفلسطيني.

ونوه المختص، إلى أن التجارة الإلكترونية منذ بدايتها في السوق الفلسطيني استفادت من التجارب السابقة لمواقع التسويق الالكترونية العالمية، كما تعتمدُ التجارة الإلكترونية على الموقع الالكتروني ذاته وعلى سياساتها الخاصة بالتعامل مع زبائنها.

وأشار حسونة إلى وجودِ نوعان من التسويق الإلكتروني الفلسطيني، الأول يمكنُ السيطرةُ عليه كالمواقع المعروفة بعملها التسويقي، والآخر صفحات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن تمييزها عن الصفحات المُزيفة.

من الجدير ذكره أن 5.5 مليون مستخدم للإنترنت في الأراضي الفلسطينية، وتبلغُ نسبة مستخدمي فيسبوك 92% من إجمالي مُستخدمي الانترنت، بينما تُقدرُ نسبة انستجرام 67%، وتشيرُ الأرقامُ الواردةُ في التقريرِ السنوي لمؤسسة “أيبوك”، إلى أن أكثرَ من ثلث مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 عاماً.

وتعززُ الأرقامُ السابقة فرضية التحقيق الخاصة بإقبالِ فئة الشباب من كلا الجنسين على شراء منتجات التخسيس.

* فقدان كاذب 

عرضَ فريقُ التحقيق الملاحظات التي توصل إليها على رئيسِ قسمِ التغذيةِ العلاجية في الإدارة العامة للرعاية الأولية بوزارة الصحة د.يوسف أبو بكر، الذي أكد على أن المنتجات التي يتم ترويجها عبر مواقعِ التواصل الاجتماعي من جهات غير مختصة، تفتقرُ للشروط الأساسية للمنتجات الصحية وهي تسجيل المنتج، وترخيصه.

وقال :”إن المنتج المرخص تكتبُ عليه محتوياته، وطريقة استخدامه، والأعراض الجانبية، وكيفية التصرف في حالة ظهور أعراض جانبية، وبلد المنشأ والمصدر”.

ونوه د.أبو بكر إلى أن أيَ منتجٍ لا تتوفرَ فيه الشروطُ السابقة ليس آمناً ولا يحِقُ بيعُه، كما أن عملية خلط الأعشاب ببعضها يُفقدُ بعض الأعشاب فاعليتها.

 

وحذرَ من أن إضافة المُلينات للمنتجات والأعشاب المُدرة للبول تساعدُ على فقدانِ سوائلِ الجسمِ وليس الدهون، وهو فقدانٌ كاذب يضرُ بالجسمِ، ويحدثُ خللاً بنسبةِ الماء والأملاح داخل جسم الإنسان، بالإضافة إلى أضرارٍ تلحقُ بالجهازِ الهضمي والعصبي والكبد.

وأضاف رئيس قسم التغذية العلاجية: “يتوهمُ المريضُ بأنه فقدَ شيئاً من وزنه، لكنه يتفاجأ بعد عدة أسابيع من استخدام المُنتج، بأعراضٍ جانبيةٍ كما ظهرت على الحالات التي توصل معها فريق التحقيق.

وفي ذاتِ السياق أوضحَ أن عملية فقدان الوزن تحتاجُ لوقتٍ وتنظيمٍ، والفقدانُ الصحيحُ للوزنِ الزائدِ يتراوحُ ما بين 500 جرام إلى كيلو واحد فقط أسبوعياً، وهذه هي الطريقة الآمنة والسليمة للتخسيس، لأن فقدان أكثر من ذلك يُعدُ خطراً على جسم الإنسان وصحته.

ونصحَ د.أبو بكر المواطنين مراجعة الطبيب قبل استخدام أيَ منتجٍ للتخسيسِ وذلك لتقييمِ الحالةِ الصحية الآمنة قبل استخدامه.

وشرحَ بعضُ التفاصيل التي يمكن أن تؤثرَ على من يلجئون للمنتجات المجهولة، قائلاً: “هناك أمراضٌ كثيرةٌ منها الغدد الصماء، تسببُ السمنة وليس لها علاقة بنوعِ وكميةِ الأكل، لذلك ننصحُ بالمتابعةِ لدى طبيب تغذية لفحص الجسم، وإذا تبيَّنَ أنه يُعاني من السمنة بسبب الأكلِ أو أسبابٍ أخرى غير صحية سيوجهه لطريقةِ العلاج الصحيحة”.

وفي سياقٍ مُتصل تابع د.أبو بكر قائلاً: “وزارة الصحة تمنحُ تراخيصَ للأعشابِ، ويمنعُ وضعها في كبسولات وعبوات أو خلطها بأعشاب أخرى، ويعد عملا غير قانوني، لأن الترخيص ممنوح للعشبة وليس لتحويرها بشكل منتج”.

** أسماءٌ لامعة 

خطورةُ استخدام المنتجات غير المرخصة يكشفُ عنها المختص في التغذية د. محمود الشيخ علي مدير مركز ابن النفيس الذي أكد أن بعض المروجين لهذه المنتجات يستغلونَ أسماء أطباء مشهورين لترويجها.

وحذَّرَ من استخدامِ بعض الأدوية المهربة التي تدخلُ بطرقٍ غيرِ قانونية، وقال: “عمليةُ التخسيسُ تكمنُ في اتباعِ نظامٍ غذائي مُعين، وما بعد ذلك يكونُ دور بعض “المُكملات” سواء أعشاب أو أقراص دوائية، وشدد على أن تلك المكملات يجبُ أن تكونَ مرخصة من وزارة الصحة وتدخلُ عبرَ المنافذِ الرسمية التابعة للجهاتِ الحكومية وتُباع في الصيدليات.

وأوضح المختص، أن المروجين لمنتجات التخسيس يمارسون البيع على أنه عملا استثماريا يتم بخداع الجمهور عبر استخدام الأسماء اللامعة ووضعها على المنتج، ولفتَ الشيخ علي أن معظمَ هذه المنتجات تروجُ لأوزانٍ خياليةٍ يفقدها الجسمُ خلال مدةٍ قصيرة، وتكون أسعارها فلكية غيرُ خاضعةٍ للرقابة، ونوه إلى أن الجهات الرسمية هي المخولةُ فقط بوضعِ الأسعار لهذه المنتجات.

ونصحَ الشيخ علي المستهلك بأن يجيبُ على عددٍ من الأسئلة قبل إقدامه على شراء مُنتجات التخسيس أبرزها: في حالة حدوث مشكلة فمن سُيراجع؟ وأين تمَّ تصنيعُ هذا المُنتج؟ وهل مختص طبي يشرفُ عليه؟ وهل تاريخ الإنتاج معلوماً؟

الدورُ الرقابيُ المُلقى على عاتقِ الجهات المختصة، كان إحدى المحطات التي وصل إليها فريقُ التحقيق، وذلك نظراً لأهميته في معالجات المخالفات القانونية لمروجي منتجات التخسيس.

وبالحديثِ مع د. زياد  نتيل من قسم الرقابة الدوائية في وزارة الصحة التابع للإدارة العامة للصيدلة، أكدَّ أن هذا الدور يقعُ على عاتقِ قسمه بالتنسيقِ مع المباحث الطبية، لأن أغلبَ مروجي المنتجات غير المرخصة عبر “أونلاين” ليسوا صيادلة.

وقال :”إن هذه الملفات تحولُ للمباحثِ الطبيةِ التي تبحثُ عن مصدرها، وأخذ تعهدات بعدمِ ممارسةِ هذه الطريقة غير القانونية، وتصلُ الاجراءاتُ إلي تحويلِ الملف للنيابةِ العامة”.

وشدد د.نتيل على ضرورةِ شراءِ منتجات التخسيس من الصيدليات لأنها مُرخصة، وذلك تجنباً للخداعِ والغش من قبل المسوقين.

رُغمَ الحديثِ السابقِ إلا أن مراقبة فريق التحقيق لعددٍ من الصفحات التي تروجُ لمنتجات التخسيس، أظهرت استمرارَ نشاطها بشكلٍ معتاد، مما يدللُ على ضعف الرقابة المفروضة على القائمين عليها.

ويفرضُ قانونُ الصحة العامة 20 لعام 2004 في المادة رقم (65) تسجيلَ جميع العقاقير الطبية المتداولة في فلسطين في الدستور الدوائي المعتمد من الوزارة ووفق نظام تسجيل موحد.

كما تنصُ المادة (66) على حظرِ أيَ مؤسسةٍ صحيةٍ أو صيدلية – سواء كانت خاصة أو عامة- صرف العقاقير الطبية التي تستوجبُ وصفةَ طبية، إلا بموجبِ وصفةٍ طبية صادرة من طبيب، ويحددُ ذلك بنظام.

وتنصُ مادة (71) على أن كلَ عقارٍ طبيٍ أو مستحضر صيدلاني يتمُ تحضيره أو تصنيعه في صيدلية يجبُ أن يكونَ مطابقاً للمواصفاتِ المذكورة في الوصفة الطبية.

في نهاية التحقيق يبدو أن النشاط الترويجي لمنتجات التخسيس بحاجةٍ إلى المزيدِ من المتابعة، والإجراءات الصارمة من الجهاتِ المختصةِ كي تضعَ حداً للأضرار التي تلحقُ بمستخدميها