* رابط وثيق بين النشاط الاستيطاني ومخططات الاحتلال باستهداف الشباب الفلسطيني بهذه الآفة
*”المحرر” يخترق “حاجز الصمت” ويصل إلى “المساحات المظلمة” …متهمون بالتعاطي والترويج يروون قصصهم
* متهم بالترويج: “إسرائيل: تنشر المخدرات لتوقع الشباب الفلسطيني في شرك التخابر
* أكثر من 55 ألف متعاطٍ للمخدرات بالضفة بما فيها القدس والعدد آخذ بالازدياد
* “ثغرات قانونية” تُخرج معظم المتورطين بقضايا المخدرات بكفالة مالية بعد فترة قصيرة ومطالبات بسن قانون رادع
رام الله- “المحرر”- نارا سلامة وديانا يونس
لم يقتصر الاتجار بالمخدرات على كبار التجار الفلسطينيين، بل إن الجرأة وصلت بالمستوطنين ليروجوا لها، بعدما ضبطوا في عدة مناطق من الضفة الغربية، خاصة في المناطق المصنفة “ج”.
لا يوجد سيطرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية في مناطق “ج” بشكل كامل (مناطق “ج” تشكل 61% من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت سيطرة قوات الاحتلال)، وسكانها معظمهم من حملة الهوية الزرقاء “الإسرائيلية”، ما يعني عدم التمكن من محاكمتهم بالمحاكم الفلسطينية، فيتم تسليمهم حسب اتفاق أوسلو للارتباط الفلسطيني وتسليمهم إلى الجانب الإسرائيلي، الذي يطلق سراحهم، عدا أن الاحتلال يهدد الشرطة الفلسطينية بالاعتقال إن حاولت الدخول لتلك المناطق، يؤكد المدير العام لقسم إدارة مكافحة المخدرات العميد عبد الله عليوي في حديثه لـ”المحرر”.
نشاط منظم وجريء
أكثر جرأة في ترويج المخدرات بالضفة الغربية من ذي قبل، هكذا أصبح المستوطنون، بعد شعورهم بالأمان والحماية، مستغلين دخولهم مدن الضفة الغربية وبلداتها للتسوق، يوضح العميد عبد الله عليوي.
ويقول عليوي: “إن المستوطنين دخلوا على خط ترويج المخدرات، يستغلون دخولهم مدن الضفة للتسوق، خاصة من المدن أو البلدات الواقعة على الطرق الالتفافية كحزما وعناتا والعيزرية في ضواحي القدس، ويقومون بإدخال المخدرات معهم”.
يكشف عليوي، عن رصد الأجهزة الأمنية نشاطاً منظماً لعدة جهات تابعة للمستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية تقوم وبالتعاون مع الجهات الأمنية في جيش الاحتلال بترويج المخدرات في المناطق الفلسطينية.
قبل نحو شهر، ووفق عليوي، ضبطت الجهات الأمنية مجموعة من المستوطنين تقوم بتهريب المخدرات والترويج لها في منطقة قلقيلية شمال الضفة الغربية، واعترف هؤلاء المستوطنون حينها بوجود رابط وثيق بين نشاطهم ومخططات لدى جيش الاحتلال باستهداف الشباب الفلسطيني بهذه الآفة.
يؤكد عليوي أن فلسطين دولة غير منتجة للمخدرات، لكنها تأتي عن طريق الاحتلال، وتدخل لمناطق الضفة عبر بعض المتعاطين، ويروجون لها داخل المناطق الفلسطينية رغم وجود الحواجز الإسرائيلية وجدار الفصل العنصري.
هكذا تهرب المخدرات للضفة!
في مركز إصلاح وتأهيل بيتونيا غرب رام الله تمكن طاقم “المحرر” من الالتقاء بعدد من الشبان الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم بسبب تعاطيهم أو ترويجهم للمخدرات، وهم يقضون عقوبتهم هناك، وكان بينهم “س.ب” أكبر أولئك الشبان ويبلغ من العمر 47 عاماً، بل كان من أكبر تجار المخدرات في القدس حتى وقت قريب.
يقر “س.ب” أن إسرائيل تقوم بنشر المخدرات لتوقع الشباب الفلسطيني في شرك التخابر، ثم يروي كيفية تهريبه للمخدرات إلى مناطق بالضفة الغربية، قائلًا لـ”المحرر”: “كنت أستقل سيارة تاكسي كي لا أثير الانتباه، على الرغم من أن وضع هذه المواد بسيارتي لا يسبب لي أية مشاكل قانونية، كوني من حملة الهوية الزرقاء، ولكن سيارتي معروفة بالمنطقة، لذا كنت أضع المخدرات في الحقيبة الخلفية لسيارة التاكسي، ثم أسلمها لمجموعة من الشباب المتعاطين؛ سواء من رام الله أو العيزرية”.
الطلب على الحشيش، ومادة “الهايدرو”، و”المارغوانا”، كان كثيراً، بحسب “س.ب”، الذي يشير إلى أنه وفي حالات قليلة كان يطلب بعض الأشخاص مادة “الكريستال”، ويقدر سعر الغرام الواحد منها بنحو 300 شيقل.
يقضي “س.م” البالغ من العمر 23 عاماً عقوبته بالحبس 3 أعوام، بعدما ضبطته الشرطة الفلسطينية وهو يروج المخدرات، يؤكد لـ”المحرر” أنه بدأت تجربته بعالم الإدمان خلال عمله سباكًا في الأراضي المحتلة عام 1948، قبل 4 أعوام، لقد بدأ بتعاطي “الحشيش”، وانتهى به المطاف مع مخدر “الكوكايين”، لقد أصبحت حياته مؤلمة لا تطاق، وعائلته تبرأت منه، ثم فقد كل شيء!
في جمعية “الصديق الطيب” لرعاية وتأهيل المدمنين على المخدرات والكحول التقى “المحرر” “ص. ر” البالغ من العمر 27 عاماً، حيث يروي كيف تم القبض عليه، وهو يحاول إحضار مادة مخدرة من بلدة الرام شمال القدس.
ويقول “ص.ر”: “كنت أذهب إلى الرام لأشتري الحشيش عن طريق الاتصال برقم إسرائيلي (سيليكوم)، وألقي القبض علي بينما كنت أحضر (حبوب الاكستازي) المنتشرة في مناطق (ج) بوفرة”.
وبحسب المدير العام لقسم إدارة مكافحة المخدرات العميد عبد الله عليوي، فإن أبرز أنواع المواد المخدرة التي يتم ضبطها في الضفة الغربية، هي: “الهيروين، والكوكايين، والكريستال، والمارغوانا، والقنب المهجن (الهايدرو)، وحبوب الاكستازي، وحبوب يطلق عليها اسم (الرحلة)، وأوراق على شكل طابع تفقد الإنسان وعيه وتدخله بحالة هلوسة”.
ويقول عليوي: “هناك ارتفاع بنسبة المتعاطين وخاصة الشباب، لأن الحصول على المادة المخدرة أصبح سهلاً، رغم عمل مكافحة شرطة مكافحة المخدرات، وبحسب الإحصائيات فإنه يوجد أكثر من 55 ألف متعاطٍ للمخدرات بالضفة الغربية بما فيها القدس، والعدد آخذ بالازدياد”.
قانون المخدرات الفلسطيني.. بحاجة لتفعيل
لكيفية التعامل مع قضايا المخدرات، فإن قانون المخدرات الفلسطيني مهم، لكنه بحاجة لتفعيل، وتطوير في كثير من نصوصه القانونية، بحسب مايؤكده المدير العام لقسم إدارة مكافحة المخدرات العميد عبد الله عليوي والمختصة بعلم الجريمة وفاء الخطيب، خلال حديثهما مع “المحرر”.
ويشير عليوي إلى أن القانون تطرق لموضوع علاج متعاطي ومدمني المخدرات، وتنظيم إدارة المصحات وتوفير العلاج النفسي والاجتماعي، بمعنى أن الدولة ملزمة بعلاجه، ويقول: “إن عدم وجود مصحة حكومية شاملة يخلق مشكلة، نحن نحول لوزارة الصحة وأحياناً للمراكز الخاصة، حيث إن تلك المراكز لا يوجد بها معايير للعلاج، وتعمل وفق إمكانياتها”.
يرى عليوي أنه يجب العمل على إيجاد لوائح مفسرة لقانون المخدرات الفلسطيني والحالات التي من الممكن معالجتها، ويقول: “نحن لسنا جهة نحول للعلاج، بل القضاء واللجنة الطبية المخولة بذلك، ولكننا نقوم بتوجيه من يستشيرنا لمراكز صحة وإعطاء المجال للأهل ليأخذوا دورهم بعملية الإصلاح والعلاج”.
تجريم استعمال أو التعامل بالمواد المخدرة يستند بشكل أساسي وفق عليوي، إلى وجود نص قانوني واضح وصريح، لكن نتيجة لعدم وجود قانون فلسطيني رادع، يخرج معظم المتورطين بقضايا المخدرات بكفالة مالية بعد فترة قصيرة!
المختصة بعلم الجريمة وفاء الخطيب تشدد على أن القانون لم يُفعل على أرض الواقع، ولا يوجود مصحات علاجية بالضفة الغربية خاصة للمتعاطين أو حكومية لعلاج كافة أنواع الإدمان، ولا يوجد مصحات تتعامل مع التعاطي لأنواع جديدة من المخدرات.
وتقول الخطيب: “يوجد مركزان غير حكوميين في العيزرية وهو الصديق الطيب ومركز الهدى في شعفاط، وهما يكلفان أي نزيل مبالغ كبيرة للعلاج، وهذا ما لا يتوفر لدى عديد الأسر، لذا نحن بحاجة لمصحات حكومية وفق ما نص القانون، وخطة وبرامج علاجية تضمن وجود تلك المصحات بطواقمها ومقراتها كأساس لعلاج المدمنين والمتعاطين، كما أن وضع المدمن النفسي والصحي والاجتماعي يفرض على الحكومة وبشكل جاد إنشاء مصحات علاجية لهم حتى وإن لم تملك إمكانيات، لتجنب الولوج إلى جرائم أخرى”.
وحسب دراسة أعدها المعهد الوطني الفلسطيني التابع لوزارة الصحة، فإن 55 ألف مواطن (ذكر) يتعاطون المخدرات بشكل خطر، منهم 16453 في الضفة الغربية، وأن أكثر نوعين من المخدرات استخداما في الضفة هما: الحشيش، والماريجوانا الصناعية، وأكثر نوعين استخدما في قطاع غزة هما: اليريكا، والترامادول، في ظل غياب إحصائيات دقيقة لنسبة النساء المدمنات، بينما أكدت الدراسة أن أغلبية المتعاطين للمخدرات في فلسطين لم يلجأوا للعلاج من المخدرات التي لا تؤخذ بالحقن.