الرئيسيةتقاريرمابين نول جدي وبين نول أبو محمد الغزي...هناك حكاية

مابين نول جدي وبين نول أبو محمد الغزي…هناك حكاية

توفيق أبوغلوة – غزة

بينما كنت أتجول مع فريق عمل نقابة المحامين الفلسطينيين للبحث عن مكان مناسب لعقد إحتفال يوم الثامن من ٱذار الخاص بيوم المرأة العالمي والذي تعقد لجنة المرأة التابعة للنقابة بصورة سنوية بمشاركه واسعه من المحاميات وعدد من الناشطات في قطاع المرأة وممثلين عن مؤسسات دولية، وكان من بين الأماكن التي قمنا بزيارتها هو فندق المتحف المطل على شاطئ بحر غزة وهنا كانت الحكاية.

 

جرت العادة عند دخولي إلى فندق المتحف التوجه مباشره للاطمئنان والاطلاع  على ركن المقتنيات الأثرية المعروضة داخل ساحة الدخول في الفندق، وذلك للتمتع بأهم الحجريات التي تحكي أقاصيص تاريخية عن حضارة مدينة غزة القديمة ،والتي تعتبر أحد أقدم المدن في فلسطين، ولكن هذه المرة لفت انتباهي وجود عدد من البسط الأرضية والتي تتنوع في ألوانها وأشكالها الكبيرة والكثيرة،بالإضافة إلى  الكميات المهولة من أدوات الحياكة والخياطة القديمة، حتى إستقر نظري على ماكنة خشبية كبيرة يقدر إرتفاعها بثلاثة أمتار وحينها عرفت انها ماكنة ” النول المجدلاوي”وهي المهنة الأثرية لجدي وجد والدي و الخاصة بصناعة البسط الأرضية، وكان يقف على هذه المكينة اليدوية الشاقة رجل خمسيني يدعى العم أبو محمد.

 

إن شغفي الدائم هو معرفة التاريخ الخاص ببلدتي الأصلية وهي المجدل فكان عموم سكان مدينة المجدل يمتهنون مهنة العمل على ماكنة النول وكنت أستمع دائما لجيل ماقبل النكبة عن هذه المهنة الشاقة المتعبة والرائعة في مخرجاتها الفنية الجميلة التي عكست مدى الذوق الرفيع في تناسق الألوان.

وفور دخولي لركن النول توجهت للرجل الخمسيني بعد أن وقفت لدقيقة تأمل في روعة المكان الذي عاد بي لزمن التسامر مع جدي طيب الله ثراه.

 

وقلت للخمسيني كيف حالك ياعم ،رد علي مبتسما وفي وجهه علامات القبول ،أنا بخير، قلت له هذا النول من أين لك به ،قال ورثته عن جدي ،قلت له جدي كان له نول،فرد متحمسا أنت مجدلاوي ،قلت له صحيح،فرد قائلا هذا مسقط رأس مهنة أجدادك ،قلت له هل انت مجدلاوي ،رد قائلا انا غزاوي من الشجاعية وقد نقلت أعمال النول لغزة بعد نجاحها في المجدل وبقيت متجذرة في قطاع غزة ولم يتبقى منها إلا  حيث أنت اتيت هنا .

يقول الخمسيني إن  الثقافة التاريخية للشعب الفلسطيني باقية ولن تموت مهما تغيرت الأحوال والأزمان فهي باقية ومن أهمها ماكانة النول والتي سأورثها لأبناء أبنائي لتكون علامة تجذر حقيقية تثبت أن شعبنا الفلسطيني كان مبتكرا ومبدعا في مجالات كثيرة أهمها صناعة البسط والنسيج .

 

وبعد ملاطفات الحديث مع الخمسيني ،طلبت منه أن أقوم بتشغيل النول، رد قائلا ،ماذا حدثك جدك عن كيفية تشغيل النول،ضحكت وقلت له قال لي  بأنه عمل شاق ومعقد ،فرد قائلا هل تعلم أن جميع حواس جسدك وعقلك تعمل في نفس اللحظه التي تقوم بها بتشغيل النول اليدوي  ،رددت عليه دعني أحاول ،وقد حاولت ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل،وانتهى اللقاء بصورة تذكارية مع العم ابو محمد.

خرجت أنا وفريق العمل ولم نتفق مع إدارة الفندق على عقد الفعالية هناك لأسباب فنية، وفور الصعود لسيارة الفريق، استحضرني حديثي الشيق  مع جدي من جديد عن النول، وكانت كلماته تصدح في أذني ،فقد كان جدي أكبر إخوته  الذين اصابتهم مصائب  النكبة عام 1948، ورغم أنه كانت في ظهرة هدبة كبيرة تمنعه من ممارسة الأعمال الشاقة ،إلى أنه كان يعمل على ماكنة النول في مدينة المجدل وعند استقرار الحال به بعد رحلة النكبة في مدينة خانيونس وتحديدا معسكر اللجوء، الذي كان يدعى معسكر المجادله،قام بإفتتاح مصنع  لإنتاج البسط من خلال ماكنة النول والذي يحتوي على  عدد 8 مكن للنول ويعمل عليها 18 فني من ابناء عائلة صيام و حمودة و الحمامي  وحجازي و الحلاق وهم عائلات تسكن معسكر المجادلة ، وكان المكان الذي يحتوي مكن النول يدعى “الحاكورة”او”الكاعة”باللهجةذ المجدلاوية ،وكان إنتاج المصنع يعتبر  مصدرا للرزقة ورزق والده وإخوته وأبنائه ،واستمرت أعمال مصنع النول من عام 1950 وحتى عام 1977حيث أغلق بسبب تطور صناعة النسيج والبسط والتي أصبحت مكن كهربائية تعطي نتيجة أسرع وسعر أقل ، وبعد إغلاق المصنع اتجه جدي للعمل في التجارة الحبوب والعطارة واستقر العمل به في اقدم سوق تجاري في مدينة خانيونس يدعى “سوق الحب” وقد استمر في أعمال التجارة حتى توفاه الله في مدينة دير البلح.