*النيابة العامة ألقت القبض على متهمين بعد تقديم سلطة جودة البيئة لتقارير وأدلة
*نقل الأتربة إلى بعض المناطق يجري تحت مسمى “استصلاح الأراضي”
*شبكة المنظمات البيئية: فساد كبير في هذه القضية وتراخ من بعض جهات الاختصاص
*تحاليل مخبرية تؤكد احتواء التربة على معادن ثقيلة مضرة لصحة الإنسان
* أصحاب شاحنات يتقاضون مبالغ مالية من أجل ادخال التربة عبر المعبر إلى الأراضي الفلسطينية
رام الله-المحرر-تحقيق نورة راضي- شهدت الأراضي الفلسطينية في الفترة الأخيرة عمليات تهريب للأتربة السامة تأتي من الداخل المحتل، في ظل غياب الرقابة وانعدام القوانين الرادعة، فمن المسؤول عن هذه الجريمة؟
البداية في 2017
يقول رئيس المجلس القروي في رنتيس حسن وهدان لـ”المحرر” بأن هذه الظاهرة بدأت في عام 2017 من خلال شركات اسرائيلية قامت بنقل الأتربة إلى مناطق متفرقة غرب رام الله تحت مسمى “استصلاح الأراضي” ، مشيراً إلى تجاوب عدد كبير من المواطنين في قرية رنتيس الواقعة غرب رام الله مع ظاهرة تفريغ الأتربة في جميع أراضي القرية دون علمهم بمخاطر هذه الأتربة.
يقول وهدان “في عام 2018 تفاجئنا بوجود عدة ألوان في التربة بمنظقة رأس الرحمه في رنتيس، وتم التواصل مع سلطة جودة البيئة للكشف عن التربة حيث تم فحص عينات من عدة مناطق، بعضها كانت ناجحة والبعض الآخر تبين وجود عناصر ثقيلة فيها وبدأ العمل على توقيفها”.
100- إلى 150 شاحنة في اليوم
ويضيف وهدان بأن الشاحنات كانت تأتي باستمرار، وفي أيام كان يصل إلى القرية 100 أو 150 شاحنة في اليوم يتم تفريغها في أراض صالحة للزراعة”، مبيناً أن هدف المواطنين كان استصلاح أراضيهم وليس التجارة كما هو شائع.
يصرح وهدان بأن أصحاب الشاحنات هم من أصل عربي، يتواصلون مع مسؤولين من الداخل لتفريغ الشاحنات بمناطق غرب رام الله مقابل مبلغ مالي قدره 100 او 150 شيقلا عن كل شاحنة، قائلا بأن أصحاب الأراضي يدفعون المال مقابل تفريغ أتربة في أراضيهم بهدف إصلاحها.
الظاهرة ليست جديدة
تقول عبير البطمة منسقة شبكة المنظمات البيئية أصدقاء الأرض إن ظاهرة ترحيل الأتربة السامة من المناطق الإسرائيلية إلى المناطق الفلسطينية ليست بالجديدة ، فمنذ عام 2007 تم اطلاق حملة بالتعاون مع محافظ رام الله والبيرة والشرطة الفلسطينية لإلقاء القبض على المتعاونين في ترحيل الأتربة، موضحة أنه في حينها تم القضاء على هذه الظاهرة، لكنها عادت بقوة في 2008 والى وقتنا هذا وأخذت تتوسع في قرى غرب رام الله لاسيما أنها مصنفة ضمن مناطق (ج).
الأتربة تحتوي على معادن ثقيلة
تضيف البطمة بأنه خلال جولات في احدى قرى غرب رام الله شاهدوا تراباً
لونه سكني، مؤكدة أن هذا دليلا على عدم صلاحية التراب.
وتلفت إلى أن أصحاب الأراضي على علم تام بوجود هذه الأتربة السامة، منوهة إلى أن هناك تحاليل مخبرية أجرتها سلطة جودة البيئة تؤكد وجود معادن ثقيلة في هذه الأتربة.
تقول البطمة بأن الهدف الأول للاحتلال وللمقاولات الإسرائيلية هو الربح المادي وتخريب الأراضي الزراعية وإبعاد المزارع عن أرضه، وكذلك تسعى إسرائيل إلى الاحتلال الثقافي والفكري للشعب الفلسطيني بشتى الوسائل.
وتشير البطمة إلى وجود تقصير من قبل جهات الاختصاص حول هذه الظاهرة، بالإضافة إلى عدم وجود قانون رادع. وتضيف”عندما نصل إلى طرف خيط نعود إلى نقطة الصفر، وذلك بسبب قيام الشركات الكبيرة التي تعتبر حلقة الوصل ورؤوس الأموال بتهديد كل من يسعى للقضاء على هذه الظاهرة”.
تشدد البطمة على ضرورة التعاون بين كافة جهات الاختصاص والعمل بشفافية للقضاء على هذه الظاهرة، لافتة إلى ضرورة وجود قوانين رادعة للحد من هذه الظاهرة.
تشير إلى أن النيابة العامة ألقت القبض على بعض المتهمين وذلك بناء على تقديم تقارير وفحوصات وأدلة مقدمة من قبل سلطة جودة البيئة.
تقول البطمة بأنه خلال مقابلة أحد أصحاب الأراضي المتهمين إدعى بأنه مقتنع بأن الأتربة ليست سامة وأن لا يوجد دليل واضح على وجود أتربة سامة داخلها، معبرة بأن أصحاب الأرض كأنهم تعرضوا لغسيل دماغ .
وتشير إلى جملة الأضرار التي تسببها هذه الأتربة من تخريب للمحاصيل الزراعية وتلويث المياه الجوفية ما ينعكس سلبا على صحة المواطن.
تنوه إلى أنه يمكن ارجاع الأتربة إلى الاحتلال وذلك حسب اتفاقية بازل ووفقا لشروط الاتفاقية، مؤكدة على وجود فساد كبير في هذه القضية وتراخ بعض جهات الاختصاص.
فحوصات على عينات تكشف الحقيقة
يفيد مدير مركز مختبرات جامعة بيرزيت بلال عموص وصول عينات مسحوبة من مناطق متفرقة بما فيها قرية رنتيس أجريت عليها الفحوصات وتبين أنها تحتوي على معادن ثقيلة.
يؤكد بلال أن مشكلة هذه الأتربة هو عدم وجود حل لمعالجتها بسبب احتوائها على معادن ثقيلة مثل الرصاص والكاديميا والكروميوم والالمنيوم والنيكل والزنك والنحاس والليثيوم والحل الانسب هو التخلص منها.
يذكر أنه تم الكشف عن وجود مواد كيماوية مثل احبار ونفايات طبية مثل الأبر والكثير من المخلفات الصناعية مخبئة داخل هذه الأتربة، موضحاً أن التخلص من هذه الأتربة في مكبات قانونية مكلف جداً.
يؤكد بلال أن أصحاب الشاحنات يتقاضون مبلغ 1000_2000شيقل من أجل ادخال الشاحنات من المعبر الى الأراضي الفلسطينية كما يتقاضى أصحاب الأراضي مبالغ مالية أيضا.
ويشير بلال إلى أنه وفق اتفاقية بازل يمنع نقل النفايات بين دولتين ولكن ما يحدث هو عباره عن تهريب وليس قانونيا.
ويوضح تأثير هذه العناصر على الإنسان مثل الالمنيوم إذ له تأثير كبير على الجهاز العصبي والذاكرة وعنصر الرصاص يؤثر على الكبد والجهاز العصبي ولذلك يجب الا يتعرض الإنسان لمثل هذه المعادن.
يقول مدير البيئة لمحافظة رام الله والبيرة عدنان جودة إن سلطة جودة البيئة تتابع ظاهرة تهريب النفايات المختلفة بما فيها الأتربة الملوثة منذ سنوات، مشيرا إلى أنه تم إحالة العديد من ملفات التهريب لنيابة الجرائم الاقتصادية والبيئية والتي احالتها بدورها إلى القضاء.
يفيد جودة بأنه تم أخذ عينات عدة مرات وفحصها بمختبرات متخصصة، وتبين أنها ملوثة وتحتوي على نسب مرتفعة من المعادن الثقيلة مثل الكروم وغيرها.
يهربون الأتربة وهم يعلمون مخاطرها!
ويضيف أنه استنادا إلى قانون البيئة رقم 7 لعام 1999 المعدل، فإن تهريب النفايات من خارج دولة فلسطين إلى داخلها ممنوع بالقانون، وفي حال كانت النفايات خطرة أو تحتوي على نفايات خطرة إعقوبة من يقوم بالتهريب تصل لحد السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.
يوضح جودة بأن النفايات المهربة والتي تم التخلص منها في الأراضي الفلسطينية، في بعض المواقع تقدر بآلاف الأطنان، منوها إلى أن الأصل هو ارجاعها إلى مصدرها، ولكن لا يمكن ذلك لأن دولة الاحتلال لن تعترف أنها مصدر هذه النفايات.
وحول سؤال مفاده “لماذا يقوم الاحتلال بالتخلص من هذه الأتربة؟”، يوضح أن التخلص من هذه النفايات بمختلف أنواعها مكلف ماديا، ويحتاج لإجراءات محددة منها فرز النفايات ومعالجتها بطرق مختلفة، وبالتالي تهريبها لأراضي دولة فلسطين لا يكلف الاحتلال سوى مبالغ بسيطة وهي تكاليف النقل ومبالغ بسيطة لضعيفي النفوس ممن يقومون بنقلها والقائها في الأراضي الفلسطينيةز
يؤكد جودة بأن أصحاب الأراضي والشاحنات على علم بأن الأتربة تحتوي على مواد خطرة، مشيراً إلى أن هذه النفايات تحوي مواد خطرة، ومع ذلك استمروا بتهريبها طمعا في المردود المادي على حساب مصلحة الوطن، وكان لا بد من تكثيف الإجراءات ضدهم.
ويضيف” ليس من السهل التخلص من هذه النفايات، وهذا يدل على حجم الجريمة التي قام بها مهربوها، ولكن أصدرنا تعليمات بالتخلص منها وفرزها وارجاعها إلى الداخل المحتل على نفقة المهرب”، مبيناً أنه لا يوجد حاليا إجراءات للتخلص من الأتربة الملوثة، قائلاً”سنجد حلا لها بالتشاور مع متخصصين”.
رفض لفكرة استصلاح التربة
يشير مدير عام التربة في وزاره الزراعة عماد غنمة إلى أنه تم تبليغهم بتهريب كميات من التربة إلى الضفة الغربية، لافتا إلى أنه تم أخذ عينات ثم جرى تحليلها في مختبرات بيرزيت، وتبين وجود ملوثات في التربة تضر بإنتاجيتها.
يوضح غنمة بأن فلسطين ليست مكباً للنفايات، رافضاً فكرة استصلاح التربة لأن الأساس هو السعي لمنع إدخالها، وأكد بأن هذه القضية تعتبر تهريباً لأنه يوجد قوانين تمنع نقل التربة من مكان إلى آخر بغرض استصلاحها دون اللجوء إلى الجهات المختصة.