نابلس-المحرر-ساجدة الغول-ليس غريباً، أن يحاول وهو على سرير المشفى الطبي في قسم غسيل الكلى لمستشفى ثابت الحكومي، أن يفتح عينيه ويبدأ بالتجول بهما بين المرضى ليعيد التعرف عليهم من جديد، ليلتمس حاجاتهم وهمومهم من خلال نظراتهم، لعله يستطيع مساعدتهم من خلال جمعيته التي يترأسها “جمعية لجان العمل الاجتماعي”، ومن خلال المرضى والكادر الطبي الموجود أيضاً. ها هو ينتقل الآن إلى كرسيه المتحرك، بعدما أنهى جلسة غسيل كلى مهلكة كالعادة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، ويطلب من مرافقه الاتصال بالجمعية او بأحد أعضاء الهيئة الإدارية ليطمئن على أحوال الجمعية، وليطلب المساعدة لشخص ربما لا يعرفه لكنه لمس به حاجة يمكن سدها من خلال الجمعية.
ذلك هو العم شريف شحرور، الرجل المناضل والبطل الاجتماعي كما يطلق عليه في مدينة طولكرم، أحد أبرز رواد العمل الاجتماعي وأبطاله، الذي لم تثنه الأمراض العديدة التي ألّمت به عن التطوع الاجتماعي. يقول “نحن دخلنا العمل الاجتماعي مُنذ شبابنا، لا نستطيع اليوم وبعدما عرفنا الشارع أن نترك هذا العمل وهؤلاء الأهالي، مهما كانت همومنا أو أمراضنا”.
يقول صديق شريف المُقرب “قد يكون من الصعب على شخص عاشر شريف مُنذ طفولته مروراً بشبابه وحتى المرحلة التي يعيشها الآن، أن ينقل الصورة الكاملة لشريف كما هي مُنذ القدم، عرفتُ شريف خلال فترة مجاورته لبيتنا في القدم، أُسرنا لدى الاحتلال لأعمالٍ ومقاومة شعبية أدت بنا إلى ذات السجن، لنعود جيراناً في السجن أيضاً”. ويتابع ” فترة السجن لشريف في أوساط الثمانينات لم تكن سوى محطة لإعادة التفكير وهيكلة وصقل خبرته بالثقافة، لمواصلة مسيرة العطاء التي بدأها في مرحلته الثانوية، كعامل وناشط اجتماعي تطوعي، ومقاوم وطني من الدرجة الأولى، شريف في عيني كان وما زال دينمو العمل الاجتماعي الحُر”.
أسس شريف جمعيته على أرض الواقع في سنة ٢٠٠٤م، بدأ بها من غرفة صغيرة يتلقى بها مساعدات من كافة الأنواع، ويستقبل فيها متطوعين في بداية عمرهم ليقوم بإشراكهم في نطاق العمل الاجتماعي. طاقات أطفال وشباب في مقتبل العُمر، سخرها شريف لخدمة أبناء شعبه ما استطاع، فكان لهم خيرُ معلم وأب ورئيس، يقول عمرو سلامة أحد متطوعي الجمعية” العم شريف بمثابة مُعلمنا ومرشدنا رغم عدم حصوله على أية شهاداتٍ جامعيةٍ موثقة او مُسجلة، لكنني لم أتعلم سابقاً من أي مُعلم بالطريقة التي تعلمتها على يد العم شريف”.
العم شريف لم يكن يملك أي شهادة جامعية، فيما ازدحمت لديه الشهادات المجتمعية والدروع التقديرية على الجدران وداخل الخزانات وفوق طاولات جمعيته، التي تحولت بحهوده من غرفة صغيرة إلى مبنى كامل مُجهز بأفضل الإمكانيات، لمساعدة أكبر عدد ممكن من الفئات المجتمعية في كافة النواحي.
يصعد شريف على خمسين درجةٍ تقريباً بمساعدة عكازٍ ومتطوع، ليصل إلى مقر جمعيته، والذي تستغرق وقتاً يقارب الثلاثين دقيقة، حيث ينهي جلسة الغسيل ومن ثم يتوجه الى الجمعية مرهقاً تَعباً، ليشرف على الجمعية ومتطوعيها بضعة ساعات ومن ثم يعود ليستغرق ذات الوقت للنزول، شريف قال لي بصوت هادئ مُتعب في هذا الخصوص إنه يفكر بوضع كرسي وطاولة في مدخل بيت الدرج الخاص بالعمارة التي تضم الجمعية، ليستطيع البقاء أكثر بجوار الجمعية وليستطيع الاشراف على كُل المهام في الجمعية بسهولة ويُسر، هُنا أدركت أن للعمل الاجتماعي مُسمى آخر..”شريف”.
*ملاحظة: هذه القصة أنجزت قبل رحيل شريف شحرور