رام الله- المحرر-محمود السعدي- لا تزال ذاكرة الثورات الفلسطينية حاضرة بالمعارك والعمليات في منطقة “عيون الحرامية” شمال وشرق رام الله، التي خاضها الثوار والمقاومون ضد احتلالات متعددة بدءًا بالاحتلال البريطاني، ثم الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح تلك المنطقة نابضة بالبارود وسجل الثورات.
جزء رئيسي من “عيون الحرامية” يقع بأراضي بلدة سلواد، وجزء آخر يقع في أراضي بلدة المزرعة الشرقية، الواقعتين في شمال وشمال شرق رام الله، وتعود ملكية غالبية تلك الأراضي لعائلة فارس من سلواد وهم فخذ من حمولة حامد، بحسب ما يؤكده الباحث في القضية الفلسطينية عوني فارس وهو من بلدة سلواد في حديث لـ”المحرر”.
عيون ووادي
في وادٍ يخترق أراضي سلواد والمزرعة الشرقية تقع منطقة “عيون الحرامية” وعلى أطراف الواد تحميه صخور تلالٍ زينت المكان، بينما عيون الماء تصب ماءها في المكان، فالمنطقة محصنة وجميلة، وفي المكان كهوف كان يختبئ فيها الثوار أيام الاحتلال البريطاني، بحسب ما يؤكده لـ”المحرر” رئيس بلدية سلواد رائد حامد.
لكن رئيس بلدية المزرعة الشرقية محمد زبن في حديث لـ”المحرر”، أن “عيون الحرامية” كعين ماء تقع على أراضي المزرعة الشرقية وتصب في أراضي “واد عيون الحرامية”، الذي يضم عدة أحواض تتبع ملكيتها لأهالي سلواد والمزرعة الشرقية.
“عيون الحرامية”.. لتشويه الثوار
على وقع خسائر البريطانيين وما كبده الثوار لهم من هزائم في منطقة “عيون الحرامية”، سعت سلطات الاحتلال البريطاني وقتها، كما يرى الباحث في تاريخ القضية الفلسطينية عوني فارس في حديث لـ”المحرر”، إلى تشويه سمعة الثوار.
وبحسب فارس، فإن سلطات الاحتلال البريطاني شرعت بإطلاق اسم “عيون الحرامية” على تلك المنطقة، بما فيها مركز الشرطة البريطاني والأرض التي حوله، بعدما عرفت لفترات طويلة باسم (وادي عيون الموس).
عبر التاريخ تقع “عيون الحرامية” على طريق تجارية تمر منها القوفل التجارية بين بلاد الشام ومصر، وهي طريق للتجار تربط بين وسط فلسطين وجنوبها وشمالها، كما شهدت المنطقة أحداثًا هامة حتى يومنا هذا تتعلق بالثورات الفلسطينية، خاصة بمايتعلق بـ”ثورة الـ36″ أيام حقبة البريطانيين الذين تكبدوا خسائر وقتلى في ذات المنطقة، وهو بحسب فارس، قد يكون السبب وراء تغيير اسم المنطقة وتشويه الثوار ووصفهم بـ”الحرامية”، لتجريم الثورة، لكن المكان استمر بالفعل الثوري، فتاريخياً بقي مكان له تاريخ عريق بالمقاومة.
أهداف ثورية دقيقة
كان الثوار يهاجمون أهدافهم من القوات البريطانية بدقة، وتتم مهاجمة تلك القوات التي كانت تسير باتجاه حيفا، وفي المنطقة ذاتها نفذ الثوار عمليات مشهورة واغتيالات ضد المحتل البريطاني، حيث قتل فيها هناك ضابط بريطاني جلبته سلطة الاحتلال البريطاني حينها من الهند إلى فلسطين لإخضاع الثورة فقتل بعد أسبوع على مجيئة للقيام بمهمته التي أفشلها الثوار، يؤكد فارس.
ولم تقتصر الأهداف الثورية التي تصوب نحو أعدائها في أيام البريطانيين، إذ شهدت “عيون الحرامية”، سلسلة مواجهات ورشق حجارة وإلقاء زجاجات حارقة وعمليات خلال الانتفاضتين الثانية والثالثة، ضد جنود الاحتلال والمستوطنينن بخاصة العملية الشهيرة التي نفذها الأسير ثائر حماد التي قتل فيها 11 جنديًا وأصاب 6 آخرين، ولا تزال عمليات إطلاق النار تنفذ بين الحين والآخر في ذات المنطقة.
وبحسب الباحث في تاريخ القضية الفلسطينية عوني فارس، فإن جغرافية “عيون الحرامية” لعبت دورًا هامًا في نجاح عمليات المقاومة، حيث أن المنطقة مرتفعة، ويختبئ الشبان خلف الصخور لتنفيذ هجماتهم، وكذلك يكون للبعد العاطفي والحنين للثورة لعب دورًا في نفوس المقاومين.
وليس بعيدًا عن “عيون الحرامية” سوى مئات الأمتار، يوجد الشارع الاستيطاني رقم “60” والذي شهد سلسلة عمليات للمقاومين، ضد جنود الاحتلال والمستوطنين.
ووفق رئيس بلدية سلواد رائد حامد، فإن “عيون الحرامية” هي امتداد لمنطقة “واد البلاط” من أراضي سلواد والذي شهد اشتباكات عديدة أيام الاحتلال البريطاني والانتفاضتين الأولى والثانية، وحتى أيامنا هذه، حيث نفذت عمليات، واستشهد العديد من الشبان هناك، وتاريخياً، فإن سلواد قدمت عشرات الشهداء والأسرى ومئات الجرحى، في سياق مقاومة الفلسطينيين للاستعمار.
ليس بعيدًا عن صلاح الدين
ولا تبعد منطقة “عيون الحرامية” كثيرًا عن منطقة خان الأيوبيين ومسجد طمره الاحتلال حين شق الطريق الاستيطاني، حيث سار من هناك القائد المسلم صلاح الدين الايوبي من شمال فلسطين إلى القدس لتحريرها.
وبحسب فارس، فإن المنطقة يوجد فيها برج يطلق عليه حاليًا “برج البردويل”، وكان يطلق عليه أيام الصليبيين “قلعة بلدوين” على بعد مئات الأمتار من “عيون الحرامية”، وعلى بعد كيلو متر واحد باتجاه بلدة المزرعة الشرقية يوجد برج منذ أيام الرومانيين يسمى “برج لسانة”.
كما أن المنطقة أقامت فيها القوات البريطانية بنايات قديمة ومقر للشرطة لتنفيذ إجراءات قمعية بحق السكان، وبعد ذلك تحول المقر للشرطة الأردنية أيام العهد الأردني، وبقي فارغًا مع بدايات الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم.
الاستيطان يقضم الأراضي
على أراضي سلواد أقيم الشارع الاستيطاني رقم “60”، كما أن مستوطنة “عوفرا” أقيمت على أراضي البلدة، في محاولة للسيطرة على أراضيها، حيث إن سلواد البالغ مساحة أراضيها نحو 19 ألف دونم، لا يشمل المخطط الهيكلي لها سوى 5 آلاف دونم، بحسب رئيس بلدية سلواد رائد حامد.
كما أن بعض أراضي سلواد لا يستطيع أصحابها الوصول إلى أراضيهم ومنهم من صادر الاحتلال أراضيهم، كما أقام الاحتلال قاعدة عسكرية في منطقة “تل العاصور” المرتفعة للتضييق على البلدة ومراقبة تحركات المواطنين.
تشتهر سلواد بخصوبة أراضيها وتشتهر بزراعة العنب والتين والزيتون، وفيها مياه وفيرة، إذ إن رئيس بلديتها يعتقد أن سبب تسمية البلدة بـ”سلواد”، أنها تعود إلى أن اسم البلدة “سيل الواد”، حيث تقع البلدة على تلة تحيطها الوديان، ثم تحولت مع الزمن إلى “سلواد”.
أما المزرعة الشرقية فإنها تشتهر بالزراعة وصناعة الحجر الطبيعي للبناء، كما قدمت البلدة 10 شهداء منذ الانتفاضة الأولى حتى الآن، ويوجد في سجون الاحتلال 11 أسيرًا.