الرئيسيةاخر الاخبارقبطان في بحر"الأنتيك" وسط نابلس

قبطان في بحر”الأنتيك” وسط نابلس

محل تجاري يختص ببيع المقتنيات الأثرية القديمة

نابلس-محرر – بيان جمعة ورغد مجد- داخل أسواق مدينة نابلس، في كل صباح يفتحُ محمد أبوحبيس (27) عاماً متجره الصغير بشغفٍ متجدد لمقتنياته الأثرية القديمة، التي يحتضنها منذ سنين وأخرى لها قصص وحياة وأزمنة.

ترك المدرسة منذ الصغر، وبدأ بتجميع قطع الأنتيك والعمل في التصميم الداخلي، حیث بدأ بغرفته، لتصبح لوحة فنية، ومتحفاً صغيراً، تضم القطع مختلفة الألوان، والزخارف الأنيقة، إضافة إلى العديد من القصص؛ منها ما احتفظ به كقطعة نادرة، وأخرى مقتنيات أثرية غبرها الزمن عرضها للبيع، جميع هذه القطع تجذبك لتتأملها مع حكاياتها.

عندما تتجول بنظراتك في المكان، ترى تلك الرفوف تعلوها قطع مميزة من الاكسسوارات المليئة بالقصص والروايات التي تعود للأزمنة المختلفة مثل أسطوانات الموسيقى، والمطبوعات الأدبية بعدة لغات منها: الفرنسية، والإنجليزية.

 أوراق المطبوعات عَفّى عليها الزمن، مضى على بعضها مئةعام. وزوايا أخرى لـ “راديوهات” وأشرطة وكاميرات قديمة، معلقات ومطرزات، وأواني نحاسية.

بدأ محمد منذ نعومة أظفاره، اقتناء “الأنتيك” الذي يؤمن بأن له قيمة ولو كانت رمزية، لتجد غرفته متحفاً صغيراً تحول لاحقا ليصبح دكاناً من (الأنتيك).

النسبة الأكبر من مرتادي متجر الأنتيك هم من الصحفيين الأجانب والسيّاح، يشترون منه ما يعجبهم ويلتقطون بعض الصور التذكارية، كما لو أنه كتاب تجمعت فيه روايات وقصص كثيرة نقلت في كل قطعة من داخل المحل.

 بينما كانت القطع القديمة هي من أولى القطع التي ذهبت بمحمد إلى عالم الأنتيك، وبتشجيع من أصدقائه قرر أن يفتتح محلاً صغيراً من القطع المميزة التي جمعها منذ طفولته، حيث كان على يقين بأن الجميع يود الحصول على قطع فريدة ذات تاريخ وحضارة ليس لها مثيل. ودَّ حقاً أن يكون شغفه ومستقبله مبنيان على شيء أَحبه.

 منذ ثلاث سنوات، افتتح أبو حبيس مشروعه الأول في بلدة حوارة قضاء نابلس، وتعرض لمضايقات شديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان العائق الكبير لجميع أصحاب المحال التجارية في تلك المنطقة، ما اضطر لإغلاق مصدر رزقه هناك ونقله إلى أزقة نابلس القديمة. ولم يترك الشغف والحب للأنتيك بتاتاً.

 واصل حلمه وطموحه في قلب المدينة الدمشقية، وافتتح متجره المتواضع رغم أنف الاحتلال، ليبرز الثقافات الأخرى ويزيد جمال المدينة بركن له طابع أجنبي يحمل بين طياته رموزاً ودلالات ثقافية. قائلاً “من بين الساعات التي كنت محتفظاً بها وأعتبرها من النوادر ولا يمكن لي أن أفرط فيها خمس ساعات (رولكس)، وثلاث ساعات (أوميغا) مزينة بصورة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -طيب الله ثراه- وكانت عندي أيضاً ساعة (باتريك) فيليس، وساعة (موفادو) من الذهب”.

ويضيف “من حسن حظي أن الساعات كنت أحتفظ بها في (التجوري) وعندما قررت بيع الساعات التي أمتلكها نسيت تلك الساعات، وبعد البيعة كنت أفتش التجوري وإذا بي أجد الساعات الثلاث منهم (رولكس) في صندوق كبير الحجم، من الجلد والساعة من الذهب مائة في المائة، والساعة الثانية (أوميغا) مزينة بصورة”.

 الشاب طارق بحشة شاب في السادس والعشرين من عمره، هو أحد العاملين مع أبو حبيس، سكان مدينة طولكرم –دير الغصون-، تخرج بتخصص الجرافيك والتصميم الداخلي، اهتمامه بتفاصيل الأنتيك وزواياه جعله يعمل في هذا المجال، ويرى أن الأنتيك عبارة عن قطع متجسدة بروح فنية لا تقدر بثمن، فكل قطعة تحمل معها قصة ترويها.

طريقة بيع القطع الأثرية، لها حكاية أخرى؛ فهناك عملية متكاملة تحدث بين البائع والمشتري. في المنازل والقصور التي تقتني النثريات، يعاين المندوبون القطع الأصلية من المزيفة، ويميزونها بأصالتها وجودتها أينما كانت؛ فمصدر الأنتيك غير محصور بمنطقة معينة، وإنما منتشرة في جميع أنحاء البلاد. من الناس من يأتون لزيارة المحل ليعرض ما لديه من مقتنيات بداعي السفر أو التغيير والتجديد لأثاث منزله.

هواة التحف وقطع الأنتيك لديهم نظرة خاصة حول رموزها ومعانيها، ويهتمون لشرائها كما يهتم الآخرون باقتناء النظارات والحقائب، لديهم حب عميق بتزيين منازلهم أو قصورهم بمثل هذه التحف الفنية، التي من المحتمل أن يبلغ عمرها أكثر من300 عام؛ لا بد من الاحتفاظ بها والمحافظة عليها من خلالا لترميم والعناية الدائمة.

 كثيرون من الناس يقصدون محل محمد الأثري، ليقتنوا قطعة فريدة واحدة على الأقل؛ فهم يهتمون لوجودها تُزين الجدار والأرضية كلوحة فنية، أو ربما تكتفي بعض السيدات والآنسات بشراء اكسسوارات بسيطة المنظر زاهية الألوان لتزين شعرهنبها، وذلك لكونه لافتاً بشكل عجيب ويضع لمسة سحرية فنيةليس كأي اكسسوار عادي.

 تحدث محمد  كثيراً وكثيراً عن حبه للأنتيك، وذكرياته القديمة معه، فهو تراث عريق لا بد للأجيال القادمة أن تحافظ عليه وتهتم به، فكل قطعة فنية لها قصة من ذلك الزمان ورواية من تاريخ العالم، وتتجلى أمنية محمد الوحيدة بأن يكون الأنتيك درساً في منهاجنا الفلسطيني  للأجيال المتوالية، فان لم نعطِا لأنتيك حباً واهتماماً، سيصبح أثراً منسياً على مر الأجيال والحضارات، ويبقى ذكرى تدق في عالم النسيان.