*تراجع مبيعات المحال التجارية إلى 25% فقط من حجمها الطبيعي
*تقديرات بأن حجم الخسائر الشهرية للمدينة تصل إلى نحو 18 مليون دولار
جنين-المحرر-معتصم أبو الهيجاء- يفتتح الخمسيني نجيب خماسية محله التجاري صباحاً ويبدأ بترتيب الخضراوات والفاكهة الطازجة التي وصلته للمحل، يقف بداخله آملاً بيعها كلها أو حتى نصفها، وما يلبث أن يفتتحه حتى تداهم قوات الاحتلال المدينة فيغلق محله قبل أن يبيع شيئاً من بضاعته لتلحق به خسائر فادحة نتيجة تضرر الخضراوات لتكدسها.
يقول خمايسة: “تعرضت مدينة جنين لعدة اجتياحات إسرائيلية قبل أحداث 7 تشرين الأول، وبعد إعلان اسرائيل الحرب على قطاع غزة، أغلق الاحتلال جميع المعابر، ما تسبب بتراجع القوة الشرائية بسبب ارتباط اقتصاد المدينة بمتسوقي فلسطينيّ الداخل”، مشيراً إلى أن مبيعات التجار تراجعت بنسبة حوالي 90% الأمر الذي يثقل حالهم كون أن عليهم التزاماً يتعلق بتسديد شيكات ثمن بضائع، بالإضافة إلى ما يدفعونه من تكاليف ضريبية.
ويضيف” كل يوم نتفاجأ باقتحامات احتلالية متكررة، وهذا أدى إلى تعطيل حركة البيع والشراء، ما تسبب لنا بخسائر جسيمة خاصة أن الخضّراوات تتسم بسرعة تعرضها للتلف، وهذا زاد وضع التجار سوءاً”.
حال خمايسة هو واقع يعيشه معظم تجار مدينة جنين اليوم التي يمر اقتصادها بوضع هو الأسوأ منذ سنوات طويلة، نتيجة عدة عوامل اقتصادية سلبية جعلت اقتصاد المدينة يتهاوى على وقع الاجتياجات الاحتلالية المتكررة للمدينة، والحصار المفروض عليها من خلال حواجز عدة تمنع فلسطينيي الداخل من الوصول إليها وضخ سيولة كانت تحرك عجلة الاقتصاد في المدينة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية العامة المتمثلة بمنع قرابة 200 ألف عامل من الضفة من التوجه لأعمالهم داخل الخط الأخضر، وكذلك قرصنة الاحتلال على أموال المقاصة الأمر الذي لم يمكن السلطة الوطنية من صرف رواتب موظفي القطاع العام عن شهري تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين.
تاجر يجلس أمام محله التجاري بانتظار من يُقبل لشراء بضاعته، ويكسب قوته يومه، وآخر يبيع الفُتات بأسعار زهيدة بعد أن كان يبيع الكثير في أحد الأيام التي سبقت اقتحامات الاحتلال المتكررة للمدينة التي عُرفت منذ زمن باقتصادها القوي وبضائعها الجيدة، وها هي اليوم تضم نحو 4700 منشأة اقتصادية تواجه ظروفاً صعبة.
التاجر فراس جلاّد (58) عاماً يُعلق على الوضع الاقتصادي قائلاً: “شهدت الحركة التجارية تراجعاً كبيراً، فالبيع والشراء في أسواق المدينة لا يتجاوز 20% مقارنة مع الأوقات الطبيعية”، منوهاً إلى أن توجه المواطنين نحو تقليل الإنفاق وحصره على الأساسيات في ظل المعطيات الحالية فاقم الوضع التجاري في المدينة سوءاً.
ويبدي جلاد تخوفه من استمرار هذا الوضع لمدة أشهر ما يؤدي إلى إغلاق العديد من المحال التجارية.
بدوره، يقول محمد زكارنة (30) عاماً والذي يعمل جزاراً “يشهّد الاقتصاد المحلي تدهوراً بسبب العدوان الإسرائيلي الواسع بعد أحداث 7 تشرين الأول، وكذلك تكرار مشهد اجتياحات المدينة المستمرة بوتيرة عالية”، مقدراً أن مبيعاته من اللحوم ورغم أنها تعد سلعة أساسية غير أنها تراجعت مؤخراً بنسبة 60% ما يؤكد تراجع كبير في القوة الشرائية لدى المواطنين.
وتقدر إحصائية صادرة عن مكتب الرباعية الدولية بأنّ إجمالي عدد الزيارات للمدينة يبلغ حوالي 3 ملايين زيارة في السنة بمعدل إنفاق الفرد للزيارة الواحدة 100 دولار، حيث قُدّرت إجمالي حجم الإيرادات منها نحو 3 مليارات شيقل قبل إغلاق الحواجز في عام 2020.
من جهته، يؤكد مدير الغرفة التجارية في محافظة جنين محمد كميل أن عوامل خنق جنين اقتصادياً بدأت قبل إعلان الاحتلال الحرب على غزة وما رافقها من توسيع الاعتداءات في الضفة، مشيراً إلى أن المدينة مرت بأزمات مختلفة بدءاً من جائحة كورونا ومروراً بإغلاق الاحتلال لحاجز الجلمة لنحو (14) شهراً، ثم جاءت الاجتياحات المتكررة وإحكام محاصرة المدينة عبر عدة حواجز لتزيد الوضع سوءاً.
وأكدّ كميل أنّ التجار يواجهون تحديات جسيمة بسبب إغلاق الحواجز، مما أثّرَ بشكل كبير على حركة نقل البضّائع، وأجبرت الشركات على طرقٍ بديلة وطويلة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتكّبد التجّار خسائر مالية كبيرة.
ونوه إلى أن التجار يفكرون في التخلص من البضّائع الحالية بأقل الأسعار نظراً لحاجتهم إلى السيولة التي تمكنهم من تسديد التزاماتهم، ويتعذر عليهم دفع الشيكات لاستيراد بضائع جديدة بسبب ضعف القوة الشرائية، مشيراً كذلك إلى أنّ حجز الاحتلال للبضائع على الموانئ يسبب عبئا مالياً إضافياً بسبب إجراءات التفتيش الصّارمة التي تهدد بإتلاف البضائع، الأمر الذي يؤثر سلباً على التجّار ويزيد من تكاليف التخزين والنقل فيترتب عليه زيادة الأسعار وتقليل إقبال المستهلكين على الشراء.
وذكر كميل أن الاقتحامات الإسرائيلية والإضرابات المتكررة التي شهدتها المدينة في السابق وصولاً إلى شن حرب على غزة أثرت بشكل كبير على الحركة التجارية، مشيراً إلى أن إغلاق المعابر زاد من الأعباء الاقتصادية نتيجة إقفال الحواجز المؤدية إلى جنين فتراجع عدد الزائرين إلى ما يقارب 144 ألف زائر شهرياً خلال العام الجاري.
وقدر خسارة مدينة جنين في الشهر الواحد 16-18 مليون دولار نتيجةً لحرمان المدينة من متسوقي الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى تقلص معدل حجم المبيعات إلى 25%.
وأوضحَ كميل أنّ منع قرابة 200 ألف عامل من التوجه لأعمالهم داخل الخط الأخضر، حرم الأسواق من سيولة نقدية، وتسبب في زيادة المنافسة على فرصة العمل المحلية ذات الأجرة الأدنى ما يعني زيادة في معدلات البطالة وتراجعاَ في مستويات الدخول والقدرة الشرائية.
ونوه إلى أن نحو 99% من العاملين داخل المربع التجاري في المدينة هم من عمال المياومة، ما يعني أن كل يوم تعطيل حرمانهم من قوتهم اليومي.
وكان الجهاز المركزي للاحصاء أعلن أن عدد العاطلين عن العمل في فلسطين بلغ حوالي 379 ألفاً في الربع الثاني 2023؛ بواقع 245 ألفاً في قطاع غزة وحوالي 134 ألفاً في الضفة الغربية، لكن من المتوقع أن تظهر أية بيانات رسمية ستصدر قريباً أن نسبة البطالة قد ارتفعت في ظل المستجدات الحالية.
ووفقاً لرئيس بلدية جنين نضّال عبيدي فإن حجم الأضرار والخسائر التي نتجت بفعل الخراب الإسرائيلي للمدينة من تدميرٍ للبنية التحتية وشبكات المياه والكهرباء بلغ نحو 5 ملايين دولار وهي تفوق بشكلٍ كبير إمكانيات البلدية.
وأوضح أنّ التحّديات الناجمة عن الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة، وآثار الدمار الذي يخلفه جيش الاحتلال في مدينة جنين ومخيمها، تسبب في تدهور الوضع الاقتصادي لأهالي جنين، فهم يعانون من فقدان فرص العمل، وانخفاض الدخل وتراجع الاستثمارات، إذّ إنّ هذه الأضرار تسببت بتأثير سلبي على حياة اليومية للمواطنين، مضيفاً أن تأثيرها على البنيّة التحتية والخدمات الأساسية، يتطلب جهوداً لإعادة بناء الاقتصاد المحلي، وتعزيز استقرار المجتمع.