نابلس-المحرر-بيان جمعة-“أكيد تأثرت نفسياً واقتصاديا لأني فقدت الأمان الوظيفي، وصرت قلقلة بسبب قلة فرص العمل في هذا البلد”، هكذا عبّرت إلهام صبري من مدينة جنين على إثر فصلها التعسفي من العمل.وأضافت إلهام التي كانت تعمل في مؤسسة اقتصادية خاصة: ” لقد تضرر قطاع الاقراض فعلا بسبب الحرب، وذلك لتعثر العملاء أمام سداد قروضهم، فقررت المؤسسة تخفيف الأجور بما فيها أجري الذي كان منخفضا جدا ولا يتلاءم مع مهاراتي وخبراتي في السوق”، مشيرة إلى أن الحرب كانت فرصة مؤسفة لهذه الشركات لتخفيض المصاريف من خلال تسريح عاملين.
وشددت إلهام قائلة: “لا يجب أن نسمح للشركات باستغلالنا وأخذ حقوقنا كاملة”.
ويبدي العديد من العاملين في القطاع الخاص مخاوفهم من قيم شركاتهم ومؤسساتهم سواء كانت الشركات كبرى ام صغرى بتسريحهم من أعمالهم بدعوى “إعادة هيكلة” بسبب تداعيات العدوان وما ألحقه من خسائر اقتصادية للعديد من المنشأت الاقتصادية.
وكان وزير العمل نصري أبو جيش ذكر في تصريحات صحفية إلى أن وزارة العمل تلقت عشرات الطلبات من شركات كبرى وشركات متناهية الصغر لإعادة الهيكلة وتسريح الموظفين، بحجة تقليل المصاريف التشغيلية.
وأكد أبو جيش على أن الوزارة منعت قبول العديد من هذه الطلبات، “بسبب الظرف الفلسطيني الذي لا يسمح بإعادة الهيكلة وتسريح الموظفين” إلا في حالة توفر إثبات تعرّض هذه الشركات للخسائر وأنها أصبحت غير قادرة على العمل. وطالب قانونيون وزارة العمل بدراسة طلبات الشركات من حيث ميزانيتها وخطة عملها على مدار 3 سنوات وعملها أثناء الحرب وخطة النفقات، في سبيل الحفاظ على القوى العاملة في القطاع الخاص بقدر ما أمكن.
سارة يوسف من طولكرم تحدثت عن تجربتها مع الفصل التعسفي خلال فترة فيروس كورونا وقالت: ” أتذكر أن الوضع الراهن يشبه جدا ما حدث فترة كورونا، فعملت بموقع إخباري إلكتروني لسنتين وهو مدعوم من جهة أجنبية ومع انعدام فرص العمل خلال تلك الفترة بسبب التخوف من تفشي المرض، تم فصلي بحجة عدم توفر الأجر للشهور القادمة رغم تأكدي من توفر ميزانية طوارئ لكن كانت موجة عامة طالت عدة صحفيين منهم مخضرمين في المجال”.
وتعتقد سارة أن بعض المؤسسات في القطاع الخاص تنتهز فرصة الأزمات التي يمر بها الشعب الفلسطيني لتقليل مصاريفها التشغيلية بفصل موظفيها وعدم احترام حقوقها واحتياجاته.وأشارت: “لم آخذ حقوقي كافة، وحتى الآن أشعر بالسوء لمجرد التفكير بهذه التجربة التي أثرت علي جدا خاصة وأنني كنت معيلة لأسرتي”.
يؤكد رئيس اتحاد النقابات العمالية الجديدة في طولكرم محمد بليدي عن تلقيه يوميا شكاوى بخصوص خفض الأجور أو الفصل المفاجئ من العمل.ويقول: ” نتعامل مع قضية فصل عاملين من مصنع باطون بحجة عدم قدرة المصنع على توفير رواتب لهما ، رغم أن عمل المصنع لم يتوقف منذ بدء العدوان وتأكدنا من توظيف عاملين بدلا عنهما بأجر أقل”، مشيراً إلى حالات أخرى يتعامل معها ومنها فصل 65 عاملا من مصنع داخل الخط الأخضر، مضيفا أن هناك ما يزيد عن 200 ألف عامل في الداخل المحتل توقفوا عن العمل بسبب العدوان.
وعن دور النقابة، أشار بليدي إلى أن نقابة العمال تَعمد إلى زيارة مواقع العمل التي يصدر عن موظفيها شكاوى بالفصل في محاولة لثنيهم عن ذلك، مؤكدا أنه يتم متابعة أرباب العمل قانونيا في حال التخاذل عن إعطاء الموظفين حقوقهم الكاملة، موضحا أن ما يعرقل سير الإجراءات من هذا النوع هو تعليق المحامين العمل تضامنا مع غزة.ودعا بليدي الحكومة إلى ضرورة فرض حالة طوارئ لاتخاذ إجراءات بخصوص من فقدوا وظائفهم خاصة الحاصلين على قروض بنكية.
ودعا المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس الحكومة إلى اعتماد خطط خطط بديلة لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي بسبب العدوان.ويقول أبو الروس أن الاقتصاد الفلسطيني يغلب عليه الطابع العائلي والمشاريع الصغيرة والتي تشكل نحو بنسبة 91% من إجمالي المشاريع وهذه المشاريع تضررتت بنسب مختلفة، لكن يجب وضع خطة وطنية لحماية العاملين ن خلال إجراءات كتلك الإجراءات التي تم اتخاذها إبان جائحة كورونا والتي تضمنت صرف نسبة من الرواتب للعاملين خلال فترة زمنية معينة.
ويبدي المراقبون خشيتهم من أن يفاقم تسريح عاملين من منشآت اقتصادية مختلفة الوضع الاقتصادي سوءا، وأن يرفع ذلك نسبة البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة مع منع قرابة 200 ألف عامل من التوجه لأعمالهم داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى تأخر صرف رواتب موظفي القطاع العام بسبب قرصة الاحتلال على اموال المقاصة، ما إلى تباطؤ اقتصادي كبير.
وأوضح أبو الروس أن السوق الفلسطيني تضرر بفعل منع العمال من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، حيث كان هؤلاء يساهمون في ضخ نحو 1.2 مليار إلى 1.4 مليار شيقل شهريا في الأسواق الفلسطينية، ما ؤيديإلى تحريك العجلة الاقتصادية، وبحرمان الفلسطينيين من هذه السيولة النقدية هذا لا يعني فقط تحويل هؤلاء العمال إلى صفوف البطالة، بل أيضا حرمان الأسواق من هذه السيولة وبالتالي سيؤدي إلى تباطؤ في الدورة الاقتصادية، مبينا أن بعض المنشآت قد تكون تضررت فعلا إلى درجة لا يمكنها توفير أجور العاملين فيها ما يطرها إلى تسريح عمال، وبعضها قد يستغل هذه الظروف للقيام بعمليات “إعادة هيكلة” لتقليل النفقات التشغيلية، الامر الذي يستدعي إجراءات حكومية واضحة تحمي العاملين والمنشآت على حد سواء.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء أشار إلى تكبد القطاع الخاص خسائر بالملايين تصل إلى 713 مليون دولار منذ بدء العدوان، مبينا أن قطاع التجارة الداخلية في الضفة الغربية وقطاع غزة الأكثر تضررا بإجمالي خسائر وصلت إلى 265 مليون دولار، يليه قطاع الصناعة نتيجة توقف العديد من المصانع عن العمل بإجمالي خسائر وصلت إلى 241 مليون دولار ثم يليه قطاع الخدمات والإنشاءات.
وحسب بيانات سابقة للجهاز فقد بلغ عدد العاملين في فلسطين بعد نهاية الربع الثاني من العام الجاري نحو 1.151 مليون عامل، في حين بلغ معدل البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) حوالي 25٪ في الفترة ذاتها، لكن لم تصدر بيانات رسمية حتى اللحظة تؤشر إلى تأثير العدوان الأخير على غزة والضفة على نسب البطالة وسط توقعات بأن النسب ستكون مرتفعة حتما في ظل المعطيات السياسية والميدانية والاقتصادية الحالية.