الرئيسيةتقاريرطفولة تحت الأنقاض

طفولة تحت الأنقاض

غزة-رام الله-المحرر- صلاح كلاب– يصف المواطن سامح مناع (45) عاماً المقيم في غزة حياته وأسرته بأنها أشبه بالمستحيل.

يقول “أطفالي يساعدونني في إشعال النيران في الصباح لطهى الطعام أو يذهبون لشراء الخبز والوقوف لساعات طويلة في طابور الانتظار آملين أن يحصلوا على  قليل من الخبز ليقتاتوا به، أو يلتهون باللعب مع أصدقائهم ليتناسوا قليلاً ما يعانون من خوف ورعب بسبب العدوان المستمر”.

سامح أب لأربعة أطفال أكبرهم دعاء ذات الأعوام الست يعيش قليلاً ورعباً دائمين على أطفاله قائلا”منذ اليوم الأول للعدوان وأنا أقوم  بتقديم الدعم النفسي لأطفالي،  باحتضانهم خلال القصف، وأظل بجانبهم وأمنعهم من مشاهدة القصف والعدوان القاسية التي لا تحتمل، وتتسبب برعبهم وإيذائهم نفسياً، لأن الأطفال هي أكثر فئة تتأثر نفسياً في الحروب”.

ويروي سامح قصة نزوحه من منطقة تل الهوى بمدينة غزة إلى جنوب القطاع ليقيم وأسرته في خيمة أعدت خصيصاً للنازحين، مشيراً إلى أنه وزوجته وأطفاله الأربعة يعيشون بين الألم والأمل هرباً من الموت الذي يحيط بهم من كل جانب.

ويضيف “أوجدت أدوات ترفيهية بديلة لأطفالي تتضمن ألعاباً بسيطة مثل: بناء فرن طينة وقش، وشد الحبل، ومسابقات ثقافية”، منوهاً إلى أنه يجمع أطفاله مع أطفال النازحين في المكان لكسر الجمود، ولمساعدة الأطفال على تجاوز الصدمة باتباع أساليب التفريغ النفسي.

ويدعو سامح إلى ضرورة وقف العدوان لعلاج الأطفال مما أصابهم من مشاكل نفسية مثل التبول اللاإرادي والكوابيس التي نجمت عن أصوات الصواريخ والانفجارات المستمرة التي لا تتوقف.

ويعاني الأطفال في قطاع غزة من آثار نفسية سيئة بسبب معايشتهم لظروف الحرب من قصف ومجازر.

أكثر من (75) يوماً والاحتلال يواصله عدوانه الهمجي على قطاع غزة مرتكباً المجازر المتواصلة ولا يفرق بين طفل وامرأة ورجل، مستهدفاً المستشفيات والمساجد والمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) دافعاً المواطنين إلى النزوح وترك منازلهم.

وحسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان تجاوزت حصيلة  الأطفال الشهداء خلال هذه الحرب (10) آلاف  طفل ورضيع عدا عن وجود آلاف من الأطفال تحت الانقاض ما يرجح ارتفاع العدد أعلى من ذلك.

وأشارت منظمة (اليونيسف) إلى أن أكثر من  (80) ألف طفل في غزة أي ثلاثة أرباع إجمالي عدد الأطفال في القطاع بحاجة الى الدعم الصحي النفسي والاجتماعي.

وحسب احصائيات (اليونيسف) عبر موقعها الرسمي فإن أكثر من مليون طفل فلسطيني يعيشون في الجحيم وأن غزة أصبحت مقبرة للأطفال الذين يعاني أغلبهم  من فقدان أحد والديهم أو كليهما أو فرداً من عائلاتهم وأصدقائهم وقلة الطعام، كما يعانون من شرب المياه الملوثة وأصوات القصف العنيف المتواصل والموت المحيط من كل جانب.

الآثارالنفسية التي خلفها العدوان بحق الأطفال أدت إلى ايجاد مراكز تدخل نفسي مباشر يشارك فيها متطوعون العائلات وأطفالهم على كيفية تجاوز الصعوبات النفسية والسلوكية والكشف عنها وعلاجها قبل أن تتفاقم.

تقول الأستاذة وفاء أبو جلالة أخصائية التخاطب والدعم النفسي صاحبة مركز الوفاء الذي أخذ على عاتقه مساعدة العوائل وأطفالهم على تخطي وتقليل حدة الصعوبات النفسية والسلوكية للأطفال الذين يتعرضون لها، بأنها عملت على تجهيز فريق مختص في هذا المجال رغم صعوبة الحضور والمخاطرة.

وتضيف أن الاضطرابات التي يعانى الأطفال متنوعة ومتداخلة منها  آثار ما بعد الصدمة من قصف وأصوات انفجارات إذ تظهر على الطفل أعراض كالخوف الشديد والكوابيس الليلية، مشيرة إلى أن خير علاج لها الدعم النفسي أي الإسعافات الأولية للطفل مباشرة يليها تقديم التفريغ النفسي العميق والدعم من خلال اللعب و”السيكو دراما” والرسم والموسيقى والجلسات الفردية والجماعية من حيث المضمون ومناسبته للصدمة التي تعرض لها الطفل، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي فور وقوع الحدث.

وتؤكد أن هذه التدخلات تسهم في بث الارتياح وتغيير نفسيات الأطفال، مشيرة إلى أن من أصعب  الحالات التي تعاملوا معها تمثلت بالأطفال الذين فقدوا ذويهم وأصيبوا ببتر أطراف وعدم قدرتهم على التعبير وفقدانهم لمصدر الحنان وشعورهم بغياب الأمن والأمان.

 وتضيف “هذه الفئة تحتاج إلى دعم نفسي أكبر نظراً لعدم اكتمال نضج الأطفال نفسياً واجتماعياً ومعرفيا ًووجدانياً، ما قد يؤدي إلى تشوه فكري وزلزلة قناعاتهم وهدمها، وتكوّن اتجاهات عدائية، والرغبة بالانتقام، وعدم ثقتهم بأي شيء، حتى في أنفسهم، وقد يقعون ضحية للخوف الشديد والكوابيس التي قد تحتوى صوراً مما عايشوه”.