الرئيسيةتحقيقاتتزييف العملة في فلسطين... حالات محدودة لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة

تزييف العملة في فلسطين… حالات محدودة لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة

*فئة الـ200 شيقل و100 دولار أكثر ورقتين عرضة للتزييف

* مواطنون يشتكون من تلقيهم عملات مزيفة وآخرون يتحدثون عن رفض بائعين ومقدمي خدمات التعامل مع أوراق نقدية محددة

*الشرطة: قضايا تزييف العملة في فلسطين محدودة مقارنة مع جرائم أخرى

* تعليمات من سلطة النقد للبنوك والصرافين بتوفير ماكينات لعد وفحص العملات بالاعتماد على السمات والمواصفات الأمنية

 *”الاقتصاد الوطني”: انتشار عملات مزيفة على نطاق واسع من شأنه هز الثقة بالأسواق ورفع مستويات التضخم

 

رام الله-المحرر– براءة ابراهيم

 إشراف: أ. أيهم أبوغوش

 يسرد السائق شريف أبو فخيدة قصة تلقيه أموالاً مزيفة من قبل زبائن دون أن يعرف مصدرها، قائلا” قمت بجمع مبالغ من أهالي طلبة مدارس أقوم بنقلهم، وحينما ذهبت للبنك اكتشفت أن هناك ورقتين من فئة 200 شيقل مزورة”.

ويضيف “لا أحمل المسؤولية إلى الأهالي، فغالباً تلقوها دون معرفة مصدرها”، مشيراً إلى أن تلك الحادثة جعلته أكثر حرصاً على فحص الأوراق النقدية عند تلقيها من الزبائن خاصة من فئة 200 شيقل”.

وطالب أبو فخيدة الجهات المسؤولة بمتابعة هذا الموضوع كونه يلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني ويخسر المواطنين جزءاً من أموالهم.

واشتكى كثير من المواطنين خاصة خلال الأشهر الأخيرة من تلقيهم بعض الأوراق النقدية المزورة خاصة في عملة الشيقل دون معرفة مصدرها، الأمر الذي دفع سلطة النقد إلى إصدار تعليمات للمصارف والصرافين تهدف للحد من مخاطر تداول العملات المزورة والمزيفة.

ويؤكد عبد الكريم المسودة موظف في محل تجاري بمدينة رام الله أنهم واجهوا أكثر من حالات تم الكشف فيها عن عملات مزيفة.

ويشير إلى أنهم أصبحوا أكثر حيطة وحذراً من خلال التعرف على علامات تكشف العملة المزيفة من الحقيقية، قائلاً إنه يمكن الكشف عن ذلك من خلال اللمس. ويضيف “هناك حالات تزييف متقنة يصعب معها التعرف إن كانت أصلية أم لا،  لكن لابدّ للورقة المزيفة أن تحتوي على علامات تفرقها عن الأصلية”.

من جهته، يقول عبد الرحمن ابو عجاج موظف في محطة محروقات إنه تمر عليهم حالات تزييف ويتم استخدام قلم للخط على الورقة النقدية ويتبين من خلالها الحقيقي من المزيف.

وينوه إلى أن الموظف غالباً يتكبد خسائر إذا ما تم اكتشاف أن العملة مزيفة، لذلك يكونون أكثر حرصاً على تفحص الورقة النقدية بشكل دقيق حتى لا يتم الخصم من راتبه.

وتقول المواطنة  ظريفة الخليلي إن زوجها تعرض لعملية “نصب” بقيمة  200 شيقل،  ولم يكتشف أنها مزيفة إلا حينما توجه لايداعها في البنك، منوهة إلى ضرورة التصدي لحالات تمرير عملة مزيفة في السوق كونها تلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وبجيب المواطن.

عدم الشعور بالأمان في التعامل مع فئة الـ200 شيقل

كثير من المواطنين الذين أجريت معهم لقاءات أكدوا أنهم واجهوا مواقف طلب فيها البائع أو مقدم خدمة تلقي عملة ليس من فئة الـ200 شيقل خوفاً من أن تكون مزيفة.

يقول منسق شبكة الصحفيين الاقتصاديين أيهم أبوغوش بأنه ذهب إلى دائرة حكومية في مدينة البيرة لإتمام دفع رسوم لمعاملة خاصة، ففوجئ بأن العاملين في الصندوق علقوا يافطة أمام الجمهور تفيد بأنهم لا يتعاملون بعملة الـ200 شيقل والـ100 دولار.

ويضيف”حينما استفسرت عن السبب لم يرد الموظف سوى بأنها تعليمات”، مشيراً إلى أنه لا يمكن لجهات رسمية وقف التعامل مع فئات من عملات تشرعها سلطة النقد الجهة المخولة بمتابعة السياسة النقدية في فلسطين، بينما ترفض مؤسسات سواء كانت حكومية أم خاصة التعامل معها.

ويتابع” حتى وإن كانت هناك عملات مزيفة،  فيجب نشر التوعية حول ذلك، وأن يكون لدى كل مؤسسة تتعامل مع الجمهور مالياً آلة متخصصة للكشف عن العملات المزيفة، بالإضافة إلى إخضاع العاملين فيها لدورات متخصصة للكشف عن هذه الحالات”.

ويؤكد أبوغوش بأنه ينبغي أن يكون هناك مصارحة من قبل سلطة النقد مع الجمهور حول حقيقة وجود أوراق نقدية مزيفة ومدى حجمها وكميتها، فإن كان حجم الكميات المتداولة محدوداً يجب توضيح ذلك وبث الطمأنينة للأسواق، وإن كانت هناك عبارة عن ظاهرة واسعة لابدّ من اصدار تعليمات واضحة بخصوص التداول على هذه العملات، فلا يجوز للبنوك التعامل معها وتقديمها للجمهور في وقت ترفض فيه دوائر رسمية التعامل معها”.

وتابع “حسب معرفتي فإن سلطة النقد تتعامل بوعي في هذا الموضوع، وضمن تعليمات واضحة، لم تصل معها إلى وقف التداول على فئات معينة من العملات، وهو أمر يجب على كل المؤسسات والأفراد الالتزام به”، متسائلاً” كيف أحصل على عملة صادرة من البنك وترفض دائرة حكومية على سبيل المثال قبولها؟!”.

تعليمات من سلطة النقد للحد من مخاطر تداول العملات المزيفة

وكانت سلطة النقد أصدرت في شهر أيلول من العام المنصرم تعليمات للمصارف والصرافين تهدف للحد من مخاطر تداول العملات المزورة والمزيفة. وتتضمن التعليمات مطالبة البنوك والصرافين بتوفير ماكينات لعد وفحص العملات بالاعتماد على السمات والمواصفات الأمنية، وبالتالي تحديد وكشف العملات غير المطابقة للمواصفات والمزورة أو المزيفة.

كما طالبت سلطة النقد نشر هذه الماكينات في كافة فروع المصارف والصرافين وتحديث هذه الماكينات باستمرار بما يمكنها من التعرف على العملات غير السليمة واكتشاف وتمييز العملات المشتبه بتزويرها وتزييفها.

 وشددت سلطة النقد على أن استخدام الجمهور للقنوات الإلكترونية والخدمات المالية الإلكترونية يعتبر بديلاً آمناً وأقل مخاطرة من التعامل مع النقد الورقي، ويقلل خطر التعامل بالعملات المزورة والمزيفة.وتسعى سلطة النقد ضمن إستراتيجيتها المعتمدة بعنوان التحول الرقمي إلى تعزيز استخدام وسائل الدفع الحديث في العمليات المالية والتجارية وخفض استخدام النقد الورقي.

وفي هذا الإطار قالت سلطة النقد إنها شارفت على الانتهاء من تشغيل نظام عرض وسداد الفواتير (إي سداد) الذي سيوفر للجمهور خدمة تسديد الفواتير من خلال الحسابات المصرفية والبطاقات بشكل آلي ومن خلال التطبيقات البنكية للمصارف المرخصة، وسيتم إطلاق النظام بشكل رسمي قبل نهاية هذا العام.

وأفادت مصادر في سلطة النقد أنه لا يجوز لأي فرد أو أي جهة رفض التعامل مع فئة متداولة في السوق إلا بقرار رسمي وهو ما لم يصدر بالمطلق عن سلطة النقد، مبينة في الوقت ذاته أن انتشار عملات مزيفة موجود في كل الأوقات وفي كل المجتمعات، لكنها تظل حالات محدودة في فلسطين، ولا داعي لنشر الهلع والخوف، وأن الحل يكمن في نشر التوعية والالتزام بتعليمات سلطة النقد.

صراف: هناك مبالغة في قضية التزوير

يقول ( م.ع) الذي يعمل صرافاً في مدينة البيرة بأنه اشترى آلة متطورة في الفترة الأخيرة تكشف عن علامات العلامة المزورة وهي أكثر تطوراً من آلات سابقة. ويضيف “لجأت إلى شراء تلك الآلة مع الحديث عن انتشار عملات مزورة في السوق بكميات كبيرة”، منوهاً إلى أنه يكتشف كل فترة من خلال تعامله مع الزبائن بعض العملات المزيفة في مختلف العملات، لكنه أكد بأن حجم الظاهرة ليس كبيراً، كما أنه لم يواجه أن حاول أحد الأشخاص تمرير كميات كبيرة عند الصرف، لكن قد تمر ورقة أو ورقتان من بين عشرات الأوراق النقدية، وغالباً لا يكون الشخص الذي يود إتمام عملية الصرف يعلم بحقيقة هذه الأوراق المزورة ومصدرها.

وحسب معرفة هذا الصراف بأن حديث بعض العامة عن وجود كميات كبيرة مزورة من فئة 200 شيقل مصدرها تركيا، وتم تمريها عبر عصابات للضفة عار عن الصحة، مشيراً إلى أنه من خلال تعامله مع الزبائن واطلاعه على كثير من المعلومات المتوفرة حول هذا الموضوع فإنه جرى تضخيمه، مع تأكيده أن العملات المزورة موجودة على الدوام وفي كل الأوقات، لكن نطاق انتشارها في فلسطين مازال محدوداً. ويؤكد (م.ع) أن معظم حالات التزييف تتعلق بالورقة النقدية الأعلى مثل 200 شيقل و100 دولار، لكن التزييف في عملة الدينار محدود جداً.

الشرطة تؤكد التعامل مع عملات مزيفة في الفترة الأخيرة

يؤكد العقيد لؤي ازريقات المتحدث باسم جهاز الشرطة أنه تم التعامل مع حالات تزييف  عملة في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن بعض من يحاولون ادخال هذه العملة إلى السوق الفلسطينية يهدفون إلى الكسب غير المشروع، لكنه طمأن المواطنين في الوقت ذاته  بأن الحالات التي تم التعامل معها تظل محدودة وليست على نطاق واسع.

ويضيف “يتم التعامل مع هذه الحالات بشكل فوري، ويتم ضبط الشخص المتهم وايقافه من ثم يتم إرسال العملة إلى المختبر الجنائي لفحصها، والتأكد منها ويتم احالتها للنيابة العامة”، منوهاً إلى أن ضبط هذه الحالات تتم بطريقتين الأولى من خلال البحث والتحري، والثانية من خلال تلقي اتصال من أحد المواطنين يشكو فيها من تلقيه عملة مزيفة.

 وأصدرت الشرطة العديد من التعليمات للتنبيه حول كيفية كشف العملات المزيفة والتعامل معها وضرورة الحذر من تبادلها.

مصادر العملات المزيفة

يوضح ازريقات بأنه تبين للشرطة بأن مصدر العملات المزيفة يكون أكثر من مكان، بعضها يأتي من خارج فلسطين وبعضها من داخل الخط الأخضر، وقليل منها يزور محلياً.

ويقول “كل الاحتمالات واردة بشأن دخول هذه العملة إلى الأسواق، إما عن طريق جلبها من الخارج أو من الداخل وهذه  تحت السيطرة الكاملة”، مشيراً إلى أن مصير العملات المزيفة التي يتم ضبها  يكون إما اتلافها أو التحفظ على المعدات وذلك حسب قرار النيابة العامة.

ويشير إلى أنه سبق للشرطة وأن رصدت  معملاً في بلدة فلسطينية استخدم لأغراض غير مشروعة، وبعد اصدار مذكرة تفتيش من النيابة العامة تحركت قوة من إدارة مكافحة المخدرات والمباحث العامة للمكان وتم القبض على شخصين. وأكد التحفظ على المشتبه بهما والتحرز على المضبوطات التي يجري فحصها للتأكد حول معلومات تخص آلية جلب الماكينة وأين تم توزيع عملات مزيفة. ويوضح أن كثيراً من الحالات بعد توقيف أشخاص متهمين يتبين عدم علمهم بهذا الأمر لذا يتم الافراج عنهم.

علمت معدة التحقيق من مصدر مطلع أن معظم الأشخاص الذين يتم ضبطهم وبحيازتهم عملات مزيفة لا يثبت تورطهم في هذه القضايا، كون أن عمليات الضبط تتعلق بعدد محدود من الأوراق، ففي حالات كثيرة تكون عبارة عن ورقة أو ورقتين بين عشرات الأوراق النقدية ما يصعب توجيه التهم لهم بأنهم يتاجرون بعملات مزيفة.

يطمئن ازريقات المواطنين أن عملية التزييف تحت السيطرة والعدد ليس كبيراً،  وخاصة خلال السنة الأخيرة مقارنة بقضايا أخرى، وهي لم ترتق إلى مستوى الظاهرة، ومع ذلك  وجب الحذر من التعامل معها.

آثار سلبية على الاقتصاد

بشكل عام موضوع العملات المزورة يترك آثاراً اقتصادية سلبية ويقلل من ثقة التعامل النقدي مع فئات محددة.

يقول رشاد يوسف مدير السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني إن انتشار ظاهرة العملات المزيفة في أي سوق يهز الثقة به ويقلل مستويات الاستثمار فيه، بالإضافة إلى أنه يعرض النظام المصرفي للخطر، كما أنه يسهم في زيادة مستويات التضخم من خلال زيادة المعروض النقدي الأمر الذي يمس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة.

كما أكد أن انتشار العملات المزيفة قد يتسبب بنشر الجريمة المنظمة في أي مجتمع من خلال تخصيص هذه الأموال لصالح عمليات غير مشروعة  مثل تجارة المخدرات أو دعم الارهاب.

ويبين أن التزوير الموجود في السوق الفلسطيني كون أن فلسطين ليس لديها عملة محلية ينحصر بالأساس على العملات المتداولة وبخاصة الشيقل والدولار، منوهاً إلى أنه كلما كانت الورقة النقدية التي جرى تزييفها أعلى قيمة فهذا يعني ضرراً اقتصادياً أكبر.

ويتفق رشاد مع ازريقات بأن حالات تزييف العملة في فلسطين تظل محدودة إذا ما قورنت بدول أخرى وهي تحت السيطرة ولم تترك أثراً ملحوظاً على الاقتصاد الوطني.

ويلفت إلى أنه رغم أن العملات المزيفة تعد سلبية بكل تفاصيلها، غير أنه يوجد لها تداعيات ايجابية منها تعزيز عمليات الدفع الإلكتروني وتقليل الاعتماد على التداول النقدي، منوهاً إلى أن النظام المالي في فلسطين مستقر إذ يوجد هناك تعليمات واضحة وإجراءات صارمة من قبل البنوك، فالنقود عبارة عن دورة تدخل إلى السوق والبنوك عبر أجهزة وآلات متطورة تكشف ذلك.

ويتابع “في الفترة الأخيرة حين تم الحديث عن عملة الـ 200، لم يدب الذعر بين الناس، فالتوقعات أن الكميات المزيفة الموجودة بالسوق الفلسطيني قليلة”.