* أساليب احتلالية غير قانونية للاستيلاء على آلاف الدونمات في مناطق (ج)
*محام: حوالي 400 ألف دونم في أنحاء مختلفة من الضفة سُربت إلى جمعيات استيطانية عن طريق التزوير
*الوكالات الدورية ثغرة يتسلل من خلالها الاحتلال عبر ضعيفي النفوس
متهمون بقضايا تسريب: وقعنا على أوراق بـ”العبرية”دون معرفة التفاصيل وتلقينا أموالاً أقل بكثير مما عرض علينا!
*ملفات معقدة وتحديات جسام تواجهها أجهزة الأمن الفلسطينية لوقف صفقات مشبوهة ومنع التسريب
تحقيق: عبير الصيفي
إشراف: أ. أيهم أبوغوش
في السابع والعشرين من كانون الأول عام 2021 وصلت سلسلة من الشكاوى المرفوعة من أهالي بلدة نعلين بمحافظة رام الله والبيرة إلى الجهات الرسمية في السلطة الوطنية مفادها أن الاحتلال حاز على أراضيهم مدعياً شراءها.
معدة التحقيق انطلقت بسلسلة من التساؤلات المعقدة حول حجم الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لصالح الاحتلال، والتكتيكات المستخدمة في هذا الاستيلاء، وهوية الأفراد الذين تورطوا في هذه العمليات المشبوهة. ولتحقيق هذه الأهداف، قامت معدة التحقيق بإجراء مقابلة استثنائية مع أحد الأشخاص المتورطين في تلك العمليات، والمحتجز لدى أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي كشف فيها عن تفاصيل صادمة. يكشف التحقيق عن العديد من التساؤلات: كيف تتم عمليات تسريب الأراضي؟ وما الأساليب التي يتبعها الاحتلال لاتمام بعض الصفقات؟ وما الدور الذي تلعبه أجهزة الأمن الفلسطينية للتصدي لمحاولات التسريب ومحاسبة المتورطين فيها؟
متهم يكشف تفاصيل مهمة
تبيَّن خلال هذا التحقيق أن عمليات تسريب الأراضي في بلدة نعلين بمحافظة رام الله والبيرة جرت عبر تفاوض مع مقيمين يقطنون خارج البلدة، حيث يستغل الاحتلال الظروف المالية لبعض الورثة لتحقيق أهدافه.
يكشف المتهم(م.س) والمحتجز لدى أحد الأجهزة الأمنية عن تفاصيل قصته مع تسريب قطعة أرض تعود لوالده في نعلين تبلغ مساحتها 66 دونماً. ويشير إلى أن عملية التسريب استندت إلى وعود مالية كبيرة من قبل مستوطن يُدعى “شلومو”. وأكد المتهم أنه تم التلاعب بعمليات التوقيع والوكالات بشكل ماكر، إذ اضطر لتوقيع وثائق باللغة العبرية دون أن يكون على دراية بمحتواها الحقيقي(على حسب قوله).وفي النهاية تلقى مبلغاً
من المال أقل بكثير مما عرض عليه من قبل.
تُعتبر هذه القضية فصلاً جديدًا في سجل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، حيث تكشف التحقيقات عن ممارسات محكومة بالتدابير الاستعمارية، ما يستدعي دعوة فورية لاتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذه العمليات وضمان حقوق المواطنين في أراضيهم.
يقول المتهم (م.ن): “في إحدى المرات أثناء تواجدي في العمل داخل الخط الأخضر، طلب اسرائيلي مني توقيع الورثة المتواجدين في المنزل على وكالات، حيث حضر المحامي العربي إلى المنزل وجمع تواقيع والدتي وشقيقتي وجميع إخوتي، دون أن يكونوا على دراية بمضمون التوقيع”.
وأفاد بأنه عرض عليه أوراق باللغة العبرية، وأخبر والدته وإخوته أن تلك الورقة تمثل وكالة للمحامي بهدف استرداد أرضهم في نعلين، دون أن يعلموا تحديدًا ما يتعلق بها رغم عدم فهمهم للمحتوى، ووقعوا عليها.
ويشير إلى أنه تم اعتقاله بسبب عدة أوامر حبس صادرة بسبب الديون. ويضيف: “تم اتهامي أول مرة بحيازة سلاح عندما عدت من الأردن، وقد تم القبض علي بواسطة الأجهزة الأمنية، وخلال التحقيق، اعترفت بتورطي في بيع وتسريب الأراضي”.
طلبت معدة التحقيق من الضابط المسؤول عن التحقيق في هذه القضية، التواصل مع زوجة ووالدة المتهم لاستكمال الصورة وفهم الإجراءات التي أدت إلى توقيعهم على تلك الأوراق، ما يسلط الضوء على تعقيدات وتفاصيل هذه العملية والظروف التي أدت إلى تورط الأسرة فيها.
ورثة لا يعرفون بأن لهم أرض!
تقول والدة المتهم إنهم جميعًا كانوا يعيشون في الأردن وقد انتقلوا إلى الضفة دون زيارة لقرية نعلين، حيث استقروا في محافظة أخرى. وأكدت أنها لم تكن على علم بوجود أرض أو حصص إرثية لهم في نعلين، ولم يحصلوا على أية مستندات تثبت وجود أملاك لهم هناك، منوهة إلى أنهم اكتشفوا وجود أرض لهم بعد اختطاف ابنها وابن عمه من قبل مجهولين. وروت قصة إطلاق النار على ابنها والتهديد الذي تلقوه، ما أثر بشكل كبير على حالته النفسية.(على حسب قولها).
بدورها، تقول زوجة المتهم أن زوجها اعتقل بتهمة “حيازة سلاح” ولم تكن على علم بتورطه في تسريب الأراضي. وأشارت إلى محاولاتها للتحقق من حقيقة التهم الموجهة لزوجها خلال زيارتها له في السجن، ولكنه كان يظهر بحالة تعب شديدة ولا يتحدث. وأفادت بأن الوصولات التي وقع عليها زوجها كانت مزورة باستثناء 3 منها.
وأكدت أن العائلة لم تكن على دراية بتلك التصرفات وأنهم لم يلتقوا بمحامين للتوقيع على أوراق بيع.
ونوهت شقيقة المتهم إلى أنهم لم يعيشوا في نعلين ولم يكن لديهم أية معلومات أو مستندات تثبت وجود أرض في تلك المنطقة.
تفاجأت عند علمها بتورط شقيقها في تسريب الأراضي، وأكدت أنهم لم يحضروا أي محامي للتوقيع على بيع أراضٍ في نعلين. وكشفت عن تفاصيل حول حادثة إطلاق النار التي تعرض لها شقيقها وتأثيرها السلبي على حالته النفسية.
إجراءات وقائية لمنع تسريب الأراضي
واستكمالاً للتحقيق حدثنا ضابط في الأجهزة الأمنية مسؤول عن الإجراءات الوقائية التي يستخدمونها لمنع هذه الظاهرة .
ويقول “إن السلطة الوطنية تحاول دوماً إجراء التعديلات القانونية بهدف حماية الأراضي من المصادرة والعمل على إلغاء الصفقات المشبوهة”، مشيراً إلى إقرارقوانين مشددة تجاه بيع الأراضي في الضفة لحملة الهوية الإسرائيلية من الفلسطينيين. كما شددت الرقابة على الأراضي في منطقة “ج” أو القريبة من الحدود أو المستوطنات.
تتعامل المحاكم الفلسطينية مع المتورطين في قضايات تسريب الأراضي بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعد إدانتهم بـ “محاولة اقتطاع جزء من الأراضي الفلسطينية، لضمها إلى دولة أجنبية، خلافاً لأحكام القرار بقانون رقم 20 لسنة 2014 المعدل للمادة (114) من قانون العقوبات فقد نصت المادة على أن يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل كل فلسطيني حاول بأعمال او تأجير أي جزء من الأراضي الفلسطينية الى دولة معادية.
وقد وضعت هذه القوانين، لردع بعض ا ضعاف النفوس المستعدين لبيع عقاراتهم، تحت ضغط الإغراءات المالية التي يعرضها الاحتلال الذي يقوم بدوره بتعجيز المواطن ومنعه من الوصول الى أرضه، وفرض الكثير من القوانين التي مكنت دولة الاحتلال من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي لأغراض استيطانية.
ملفات معقدة
يقول المحامي (م.ح ): “يعتبر هذا الملف من أصعب الملفات التي تمر على القضاء والأكثر تعقيداً، ونحن نواجه صعوبة في الدفاع عن الأشخاص المتهمين بهذه القضايا، والقليل من المحامين يقبل باستلام ملفات مثل هذه بحكم عاداتنا وتقاليدنا، وبحكم تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
وأكد أن من يقتطع جزءاً من أراضي دولته ويقوم ببيعها لصالح دول معادية يعتبر خائناً للوطن بموجب القانون ويرتكب إثماً شرعيا كبيراً، وهو نوع من أنواع العمالة، حيث “إن الدفاع عن مثل هؤلاء الأشخاص يعتبر خيانة أيضاً لديننا وبلدنا ووطننا فلسطين بحكم أننا تحت احتلال “.
وأضاف أن هناك بعض المحامين يقبلون الدفاع في هذه الملفات بالبحث عن ثغرات قد تنجي المتهم من التهم المنسوبة إليه، مشيراً إلى أنه في أوقات عديدة تم اسقاط تهم عن أشخاص قاموا بالبيع وتسريب الأراضي بحكم أن هناك خلل في الإجراءات.
ويتابع”هذا الملف معقد من الناحية القانونية إذ أن العمل فيه يجب أن يكون بدقة متناهية وعدم إغفال أي اجراء قانوني قد يتسبب بإفشال أو اسقاط الملف”، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تبذل جهدها من خلال معلومات استخبارية لاحباط مثل هذه الصفقات المشبوهة وإن كانت تواجه كثيراً من التحديات التي يفرضها الاحتلال في هذا المجال.
وينوه إلى أن الاحتلال يستخدم الوكالات الدورية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حيث يقوم كتاب العدل الإسرائيليون باستغلال الكثير من المواطنين وبالتعاون مع جمعيات استيطانية ومستثمرين اسرائيليين من خلال اغرائهم وشراء أراضيهم أو تزوير ملكيتهم للأراضي وهناك تواطؤ غير معلن من مؤسسات دولة الاحتلال . ويؤكد أنه على هذا الصعيد بيعت الآلاف من الدونمات للجمعيات الاستيطانية وكثير منها مزورة تقدر بنحو 400 الف دونم في أنحاء مختلفة من الضفة.
ويدلل على الاستيلاء على أراضي عن طريق التزوير مثل أرض تقع في منطقة الخليل بالقرب من قرية السموع، وأخرى بالقرب من بيت لحم ،وأراض في منطقة الجيب بمحافظة القدس، وكذلك في محافظة قلقيلية حيث تم بيع 4 قطع أراضي ببصمات مزورة.
ليس هذا فقط بل كانت تأخذ التواقيع والبصمات بالقوة حيث تعرض مواطن 87 عاماً لمحاولة اختطاف من قبل مجهولين، حيث قدم بلاغاً عند شرطة الاحتلال بأخذ بصماته عنوة، وأخرى في منطقة سلفيت بالقرب من قرية فرخة، وقد تم البناء على هذه الأراضي وإنشاء العديد من المستوطنات التي أصبحت تخضع لسيطرة القانون الإسرائيلي .
طوعت سلطات الاحتلال القوانين والأوامر العسكرية لمصادرة حوالي أكثر من 600000 دونم من الأراضي الفلسطينية، ولجأت للتزوير ومحاولة الشراء لاستملاك ما تبقى، وفي محاولة لتسهيل عمليات تسريب (بيع) لصالح الاستيطان قررت المحاكم الإسرائيلية منح الفلسطينيين “حجج حصر إرث” دون الرجوع إلى المحاكم الفلسطينية.
إن جزءاً من عمليات التسريب خصوصاً في المناطق المحتلة مثل القدس، تتم بسرية تامة بعيداً عن أعين الجهات الرسمية الفلسطينية، وبحماية من أجهزة الأمن الاحتلالية، ويتم كشف العمليات عادة بعد سنوات طويلة من تنفيذها.
واستخدم الاحتلال سماسرة فلسطينيين من أجل إتمام مثل هذه العمليات في الضفة إذ تعمل مع منظمات استيطانية على تنظيم عمليات شراء أراضي الفلسطينيين وعقاراتهم، وهو ما يشبه (تنظيماً سرياً).
يظل ملف تسريب الأراضي للاحتلال ومستوطنيه من الملفات المعقدة، وهو ما يستدعي تكاتف الجهود بين كافة الجهات الرسمية من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهيئة مكافحة الجدار والاستيطان، ومجلس القضاء الأعلى وسلطة الأراضي، وغيرها، من خلال تشكيل خلية عمل موحدة لتوحيد الجهود للتصدي لعمليات تسريب الأراضي ومحاسبة المتورطين فيها.