رام الله-المحرر-شيراز عرار- في الوقت الذي يتواصل فيه حدة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي دموية، وتزداد حدة حرب الإبادة بشاعة على قطاع غزة، تسعى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بجدية متزايدة لإيجاد حل دائم يضمن السلام والاستقرار في المنطقة، فعاد اللاعبون الدوليون ليضعوا مسألة الدولة الفلسطينية على أجنداتهم، لكن الرفض الإسرائيلي في ظل الجنوح نحو اليمين والتطرف يقف عائقاً رئيسياً أمام تنفيذ هذه الفكرة. مشاريع تسوية متعددة طرحت في السابق وهاهي تطل برأسها من جديد، ليطفو السؤال على السطح جدياً حول طبيعة الدولة الفلسطينية التي تطبخ على طاولة الساسة، فهل نحن على أبواب دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران أم1967 أن استخدام مصطلح “الدولة” ما هو إلا زينة لإخفاء حقيقة مخطط لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات منعزلة؟
يقول د. قصي حامد المختص في الشؤون السياسية “هناك ضبابية في الحديث عن فلسطين، وهناك فهم مختلف عند الأطراف التي تربطها علاقة في التوصل إلى حل سياسي مع إسرائيل لطبيعة الدولة الفلسطينية المقترحة”، منوها إلى أن “اسرائيل” تفهم الدولة الفلسطينية بطريقة مختلفة عن الفلسطيني، والفلسطيني يفهما بطريقة مختلفة عن الأمريكي، و كل طرف له اعتباره الخاص.
ويشير إلى أن “اسرائيل” لا تتحدث عن دولة فلسطينية حقيقية بل تتحدث عن كيان فلسطيني هو أعلى من سلطة وأقل من دولة، وبالتالي هي تفكر أن يكون لدى الفلسطينيين كيان يدير شؤونهم الداخلية، ويدير شؤونهم الحياتية اليومية، لكن لا حدود لهذا الكيان، ولا سلطات على الجو أو البحر أو الحدود، بل هو مربوط اقتصادياً وأمنياً بإسرائيل، وبالتالي موضوع الدولة بنظر إسرائيل لا يرتقي إلى كلمة دولة بالمعنى أو بالمفهوم التقليدي أو بالمعنى الحقيقي إنما بمعنى لا سيادة لهذه الدولة، وبالتالي هذا جزء من الفهم الإسرائيلي للدولة الفلسطينية للحل السياسي المطروح اسرائيلياً .
ويوضح د. حامد أن الفلسطينيين ينادون بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران ٦٧ تشمل الضفة و قطاع غزة والقدس الشرقية حسسب قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
ويبين د. حامد أن منظور الإدارة الأمريكية للدولة لا يبتعد عن المفهوم الاسرائيلي بما وهي تسعى إلى فرض حل ما يرضي الإسرائيليين ويفرض على الفلسطينيين، وبالتالي تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي بقي على مدار سنوات بؤرة توتر في المنطقة تهدد المصالح الأمريكية فيها، مبيناً أنها تراعي بموجب هذا الحل متطلبات إسرائيل الأمنية، والشرط الأساسي لهذه الدولة مبني على التزامات أمنية تجاه إسرائيل.
ويعتقد د. حامد أن الولايات المتحدة لم تقدم مبادرة سياسية تنصف الفلسطينيين بالحصول على دولة لأنها غير معنية بالمواجهة مع إسرائيل، معتقداً أن إدارة بايدن تحاول ترميم صورتها أمام الناخب الاميركي المتضامن مع الفلسطينيين، في محاولة لكسب ما يمكن من الأصوات للانتخابات الأمريكية القادمة.
ويقول”هذا الأمر متغير، بمعنى الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تبن على مبادرات من سبقها، فكل ادارة أمريكية تحاول أن تقدم مبادرة قريبة من المنور الاسرائيلي لحل الصراع او أنها تفضل إدارة الصراع بدلاً من حله”.
وأضاف د. حامد أن طريق التوصل لحل سياسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي مازال شائكاً ومعقداً، منوهاً إلى أن أي ضغط دولي قد يدفع نحو ايجاد حل للقضية الفلسطينية قد يحدث فقط من باب الشعور بالخطر على المصالح الغربية في الشرق الأوسط بعد السابع من اكتوبر، مشيراً الدول الفاعلة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي إلى قد تتوجه نحو طرح مبادرة أو جلب الأطراف إلى حوار سياسي ومفاوضات تطرح فيها مبادرات .
ويعتقد د. حامد أنه في ظل وجود اليمين الاسرائيلي على سدة الحكم في اسرائيل فإن الحلول تصعب ظل الفهم الإسرائيلي لمنطلقات الدولة الفلسطينية أو تلك الدولة، منوهاً إلى أن ذلك يجعل من فرص التوصل لحلول سياسية عادلة للقضية الفلسطينية ضئيلة جدا، ً منوهاً إلى ان الفلسطينيين ليسوا مؤهلين في ظل الظروف الحالية في ظل الانقسام للتعاطي مع اية مبادرات سياسي، لذا يجب إنهاء الانقسام اولاً لصياغة رؤية فلسطينية واضحة حول مفهوم الدولة الفلسطينية وكيفية طرحها على أجندة المجتمع الدولي.
ويوضح د. حامد أن الأمر ذاته ينطبق على الإسرائيليين، فهم متزمتون بموضوع الدولة الفلسطينية ولا ينظرون إلى حل القضية الفلسطينية على أساس دولة على حدود 4 حزيران 1967، بل ينظرون إلى الدولة بأنها عدد من الكنتونات المتصلة إلى حدٍ ما جغرافياً، وواحد من الحلول التي طرحتها إسرائيل أو تسعى لفرضها هي ما يسمى بنظام الإمارات، بمعني كل منطقة جغرافية تصبح إمارة تحكم بطريقة محلية من قبل السكان، وهذا يعيدنا إلى مشروع “روابط القرى” الذي قدم في السبعينات من القرن الماضي.
بدوره، يوضح عصمت منصور المختص في الشؤون الإسرائيلية أهمية إعادة النظر في القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على مكانتها في الساحة الدولية، وتأكيد الحاجة الملحة لحل شامل وعادل. ومع ذلك، عبر عن قلقه إزاء التوجه اليميني المتطرف الذي يزداد في إسرائيل، ما يعكس مستوى المعارضة للمساعي الدولية لتحقيق السلام.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر تيارات في إسرائيل تدعم فكرة الانفصال عن الفلسطينيين، لكنها لا توافق بعد على فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ما يزيد من تعقيد الموقف ويجعل الأمر يتطلب جهدًا إضافيًا ووقتًا طويلاً للتوصل إلى حلول مستدامة.
وفي هذا السياق، يشير منصور إلى أن الحلول التي تقترحها اسرائيل لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية وتحقيق الحرية والاستقلال، ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً ويضعف فرص التوصل إلى حل نهائي للصراع.
ومع ذلك تواجه هذه الاقتراحات تحديات كبيرة بما في ذلك المعارضة الإسرائيلية الشديدة وتصاعد التوترات في المنطقة، ورغم ذلك تظل قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية محورية لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتبقى هذه المواصفات موضع نقاش وتفاوض بين الأطراف المختلفة.