نابلس-المحرر-عهد حجاج-مازالت أربعة صناديق للبريد أثرية ماثلة ليومنا هذا تروي تاريخ مدينة نابلس وعراقتها، فمنذ 100 عام وتحديداً في ظل الفترة العثمانية تم إنشاء نظام بريد رسمي في نابلس، حيث كان يتم نقل الرسائل والطرود بين مختلف البلدان التابعة للأمبراطورية العثمانية.
كان بريد نابلس يلعب دورًا هامًا في التواصل بين التجار والسكان المحليين، وكذلك مع العالم الخارجي.
هاني كلباني(33) عاماً يعمل نائب منسق اللجان الشعيبية في البلدة القديمة في نابلس يتحدث عن بداية التسلسل الزمني للبريد في فلسطين، قائلاً “كان البريد في فلسطين بدأ في عصر الحكم العثماني كخدمة بريدية منتظمة وذلك في عام 1840، حين افتتح أول مكتب عثماني في فلسطين حيث بدأ طابع البريد يأخذ شهرته في الوقت الذي بدأت فيه إدارة البريد العثمانية تطوير خدماتها، ففي عام 1849 تقريباً تم افتتاح تسعة مكاتب بريدية في كل من القدس، ونابلس، وغزة، ويافا، وبيت لحم، وطبريا، والخليل، وفي نهاية القرن التاسع عشر كان في فلسطين 22 مكتب بريد”.
وأوضح كلباني أنه في عام 1884 فتحت الطريق بين القدس ويافا ونابلس لتبادل الإرساليات الداخلية وكذلك دولياً نقل البريد من نابلس إلى حيفا وإلى دمشق وغيرها، وقامت بعض قنصليات الدول العظمى مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا بين عامي 1852-1870، بافتتاح مكاتب بريدية خاصة بخدمات بلادهم البريدية، واستخدموا طوابع بريد تخص إداراتهم.
وفي عام 1859، افتتح الوالي العثماني في مصر مكتب بريد فيها للتعامل مع مكتب بريد يافا، وكان هذا العهد هو بداية التبادل البريدي القوي بين مصر وفلسطين.
بينما عام 1899 كان البريد الصادر والوارد من فلسطين وإليها يمر عبر مركزين بريديين: البريد المتجه إلى أوروبا الشرقية، ويرسل عن طريق بريد بيروت ونابلس والقدس، والوارد من أوروبا الغربية كان يمر عبر طريق بورسعيد ثم حيفا ويافا .
يوضح كلباني أنه عند نهاية الحرب العالمية الأولى عام ، انتهى عصر الحكم العثماني، وبدأ عصر الاستعمار البريطاني؛ فأصبح البريد في فلسطين يدار بواسطة البريد الملكي البريطاني.
وأشار إلى أنه مع بداية الاستعمار البريطاني ظهر طابع بريد مخصص للخدمة العسكرية، وسمى بالطابع الأزرق، وكتب عليه رمز EEF اختصاراً لكلمة ” Egypt Expeditionary Force ، وطابع يحمل كلمة ” Paid “، و”خالص الأجرة “، وهذا الأخير صدر عن إدارة البريد الفلسطينية.
وفي عام 1918، أصبح للسلطات العسكرية 11 طابع بريد مخصصة لها ونافذة المفعول في فلسطين، ولبنان، وسوريا، وطبعت هذه الطوابع في لندن.
وفي عام 1920 ، أوصى المندوب السامي البريطاني في فلسطين بأن تبقى هذه الطوابع نافذة المفعول على أن يكتب عليها اسم فلسطين باللغات الثلاث (العربية، والعبرية، والإنجليزية) وتم طباعتها في مدينة القدس.
وأضاف انه في عام 1923 ، أصبحت فلسطين تحت حكم الاستعمار البريطاني رسمياً، وطلب من المدير العام للبريد البريطاني بأن يصمم أربعة نماذج من الطوابع البريدية تحمل صورة الصخرة المشرفة، وصورة لقلعة القدس، وصورة لمعبد “راحيل”، وأخرى لجامع طبريا، مبيناً أنه تم اعتماد طابع قبة الصخرة للمراسلات البريدية الداخلية والخارجية، أما البطاقات البريدية فاعتمد لها طابع قلعة القدس، وتم استخدام طابع جامع طبريا للمواد ذات الوزن الثقيل كالطرود. وبمناسبة انعقاد المعرض العربي في القدس عام 1934 تم عرضت الطوابع في هذه المناسبة ؛ ما عمل على تقوية الهوية العربية الفلسطينية.
وأوضح كلباني أنه كان يستخدم في مدينة نابلس نوعان للبريد، البريد التجاري والوزن الثقيل ويحمل طابع مسجد طبريا، والبريد الورقي المكتوب ويحمل طابع قبة الصخرة في القدس.
وفي مدينة نابلس كان هناك أربع أماكن لإستلام البريد عبر صناديق حديدية مثبتة في الحائط ليست بارتفاع عالٍ ليسهل على المواطنين وضع البريد المكتوب، وكان الأول عند مدخل بوابة نابلس الشرقية مابين مديرية التربية والتعليم حالياً ومقر حُكم الاستعمار البريطاني (المقاطعة حالياً). والثاني في منطقة السوق الشرقي قرب المسجد الصلاحي الكبير، والثالث أسفل مسجد النصر من الجهة الجنوبية قرب عين الست، والرابع عند مكتبة بلدية نابلس ومقهى الهموز حالياً، إذ تم وضع هذه الصناديق أواخر العشرنيات من القرن الماضي وتحديداً بعد زلزال ١٩٢٧.
ومثلت الصناديق الأربعة التي مازالت ماثلة في أماكنها حتى اليوم الوسيلة الوحيدة لإرسال الطرود البريدية واستقبالها زمن الاحتلال البريطاني الذي امتد لثمانية وعشرين عاماً.
يتحدث غسان العكر (67) عاماً وهو أحد سكان البلدة القديمة في نابلس الذي يبلغ عن تجربة عائلته في استخدام البريد. ويذكر العكر أنه كان يوجد أرقام للمحال التجارية يوضع كل الرقم في صندوق البريد.
وأضاف أنه رقم مخبزه كان (35) وعند وصول بريد ورقي يوضع داخله (35- شارع النصر – مخبز العكر) ، أي أنه هذا الرقم يختص لهذا المحل.
يتحدث الحاج فؤاد حلاوة (أبو عماد) البالغ من العمر (88) عاماً وهو أحد رموز البلدة القديمة في نابلس ويملك مطعماً بجانب جامع النصر في البلدة عن صناديق البريد، قائلا إنه كان يضع بعضاً من ظروف الرسائل داخل صندوق البريد ليتم إرسالهم إلى إخوانه فيجمهورية مصر العربية، فكان يأتي موظف البريد خلال 15-20 يوماً ليأخذ تلك الرسائل ويتم إرسالها إلى المستلم.
كان بريد نابلس القديم رمزًا للتواصل والاتصال بين أهالي المدينة والعالم الخارجي. ولعب دورًا هامًا في نقل الأخبار والأحداث، وساعد على تسهيل التجارة والأعمال. كما ساهم في نشر الثقافة والمعرفة، وربط نابلس بباقي أنحاء فلسطين والعالم العربي.مع مرور الزمن، تطورت خدمات البريد وأصبحت أكثر كفاءة. لكن بريد نابلس القديم سيظل رمزًا هامًا لتاريخ المدينة وتراثها.