*محللون: امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو لا يعني تغييراً جذرياً في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية
نابلس-المحرر-مرام دويكات- في اليوم المئة والواحد وسبعين للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة واليوم الخامس عشر من رمضان، تبنى مجلس الأمن الدولي قراراً بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وفي خطوة “غير معهودة” امتنعت الولايات المتحدة وحدها عن التصويت، فيما صوت الأعضاء الأربعة عشر الآخرون لصالح القرار.
قدمت مشروع القرار الدول العشر غير دائمة العضوية بمجلس الأمن، ومنها الجزائر العضو العربي الوحيد بالمجلس، وأعقب التصويت تصفيقاً من أعضاء المجلس الذي لم يتمكن مرات عديدة على مدى الشهور الماضية من اعتماد قرار بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
ويطالب القرار بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان” الذي بدأ قبل أسبوعين، على أن “يؤدي الى وقف دائم لإطلاق النار”.
كما يدعو النص إلى الإفراج الفوري وغير المشروع عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية”، ويطالب الطرفين بالامتثال بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي بشأن جميع الأشخاص المحتجزين.
ويشدد القرار على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة بأكمله وتعزيز حمايتهم. ويكرر تأكيد مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع.
ورداً على القرار، قال ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي إن بنيامين نتنياهو ألغى زيارة وفد إسرائيلي لواشنطن بعد امتناعها عن التصويت على القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي.
ورحبت الرئاسة الفلسطينية بقرار مجلس الأمن الدولي، داعية إلى تطبيقه بشكل فوري حفاظاً على أرواح الأبرياء من أبناء شعبنا.
وقالت الرئاسة إن على مجلس الأمن الدولي ضمان تنفيذ هذا القرار الهام الذي حظي بإجماع دولي .
وأكدت الرئاسة أن هذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح نحو وقف كامل للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من كامل قطاع غزة، ووقف الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون الإرهابيون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والبدء بمسار سياسي قائم على الشرعية الدولية والقانون الدولي لإنهاء الاحتلال وتجسيد دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهتها، رحّبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وطالبت المجلس بالضغط على الاحتلال للالتزام بتطبيقه “ووقف حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني”.
يرى المحلل السياسي الدكتور قصي حامد أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة متأصلة ومتجذرة ولا يعني امتناع واشنطن عن التصويت ضد قرار وقف الحرب على غزة انحرافاً عن المسار التاريخي للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويشير حامد إلى أن العلاقة بين الطرفين إستراتيجية وعضوية، ولا يعني الامتناع الأمريكي عن استخدام الفيتو ميلاً للطرف الفلسطيني، بل هو تجسيد لاختلاف إدارة بايدن مع سياسات نتنياهو وليس اختلافاً على الأهداف الاستراتيجية.
ويضيف “هناك اعتراض لدى الولايات المتحدة على أدوات نتنياهو وسياسته وتأثير ذلك على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهناك خشية لدى بايدن بأن يقود نتنياهو المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من الانقسام في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية والسياسية”، منوهاً إلى أن استمرار الحرب على غزة يتعارض مع مصالح بايدن الانتخابية ولاسيما أن مؤشرات فوزه في الانتخابات الامريكية القادمة تتراجع بتواتر سريع وحجم التأييد له داخل الحزب الديموقراطي يتآكل.
وتابع “سبق وأن اتخذت الأمم المتحدةومجلس الأمن قرارات مماثلة ولم تملك الأدوات لتنفيذها، ولذلك لا نتوقع أن يكون هناك خطوة عملية مباشرة من الأمم المتحدة لإجبار اسرائيل على وقف الحرب على قطاع غزة خلال شهر رمضان”، مؤكداً أن إجبار إسرائيل على وقف العدوان يحتاج إلى إرادة دولية متبوعة بعقوبات تُفرض عليها، ومن غير المرجح أن تقوم الأمم المتحدة بذلك.
ويقول حامد “على الرغم من أنه قرار مهم على الصعيد السياسي، إلا أنه لا يدعو إلى وقف دائم للحرب، وهو ما يجعل هذا القرار منقوصاً ولا يلبي طموحات وقف مستدام لإطلاق النار في غزة”.
من جهته، يعتقد الصحفي المختص بالشؤون الإسرائيلية خلدون البرغوثي أن نتنياهو بعيد جداً عن وقف الحرب، مشيراً إلى أنه في حال توقفت الحرب على غزة سيذهب نتنياهو الى حرب على لبنان لتبقى اسرائيل في حالة الطوارئ حتى لا تفتح أبواب المحاسبة والمساءلة عن أعماله من فساد ومخالفات في أحداث السابع من أكتوبر.
ويضيف”من الصعب توقع متى ستنتهي هذه الحرب، وأرى أنه من الصعب تنفيذ قرار مجلس الأمن في ظل معارضة الحكومة الإسرائيلية له، بل إنها تتجهز لعملية عسكرية في رفح، وإن كان لغاية الآن لم تتضح معالم هذه العملية ولا موعدها”، لافتاً إلى مدى إمكانية تنفيذها مع ضمان عدم نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، ما يدل على عدم وجود توافق مع مصر التي ترفض سيطرة إسرائيل على معبر رفح.
ويتابع”نتنياهو يريد أن يبقي عملية رفح معلقة حتى يطيل أمد الحرب إلى أكثر فترة ممكنة”.
بدوره، يقول المحلل بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش إنه من الأفضل أن نميز بين العلاقات المؤسسية بين الولايات المتحدة واسرائيل، والتي تظل ثابتة وقوية واستثنائية في كل الظروف، وبين العلاقات بين القيادتين والرئيس الأميريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو .
ويضيف “مهما بلغ التنافر والتباغض بين القيادات فهذا لا يؤثر على الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، حتى في هذه الحرب”، منوهاً إلى أن تمرير واشنطن لقرار مجلس الأمن دون استخدام الفيتو يعدّ ضربة لحكومة نتنياهو واليمين المتطرف، ويعزز المحاولات الداخلية لعزلها والضغوط لإجراء انتخابات مبكرة.
وينوه إلى أن هذا الأمر مرتبط في نهاية المطاف بالحراك الداخلي الإسرائيلي وحتى الآن يستند نتنياهو إلى أغلبية مريحة، ولكن اتساع الاحتجاجات وشمولها قطاعات اجتماعية أوسع يمكن أن يدفع إلى تصدع الائتلاف، وربما انهياره القريب في ضوء أزمات متلاحقة مثل وجود خلافات عميقة حول قانون تجنيد اليهود المتدينين وغيره.
ويلفت أبوغوش إلى أن الحرب حسب نتنياهو مرتبطة بإنجاز انتصار ساحق على حماس يتمثل في القضاء على بنيتها العسكرية، وإعادة الأسرى، وإنهاء التهديد الذي تمثله غزة، مشيراً إلى أن كثيراً من الإسرائيليين يرون أن هذه أهداف غير قابلة للتحقيق أو أنها متناقضة.
ويقول”خطة نتنياهو التي أعلنها تتطلب العمل عشر سنوات لإعادة هندسة أوضاع غزة والتحكم بمستقبلها السياسي والأمني، وهناك قوى في الحكومة الإسرائيلية ترى أن الأمر لن يكتمل إلا بالعودة لاحتلال قطاع غزة والاستيطان فيه، وبالتالي تهجير الفلسطينيين، لكن هذا الخيار يبدو غير واقعي في ضوء الرفض الإقليمي والدولي، وقد يجر على اسرائيل مزيداً من العزلة والعقوبات الدولية”.
ويتابع”عملية رفح ما زالت معلقة لاعتبارين: الأول النواقص اللوجستية حيث إن اسرائيل بحاجة إلى تعبئة طاقات بشرية كبيرة لجيشها من أجل العملية وتدبير ممرات وملاذات آمنة للمواطنين، والإشراف على الممرات والتحكم في الحركة عبرها، والاعتبار الثاني معارضة واشنطن وطرحها بدائل كان يفترض بالوفد الوزاري أن يناقشها (وفد رون ديرمر تساحي هنغبي) لكن نتنياهو جمد زيارة الوفد”.
وينوه إلى أنه من البدائل الأميركية المطروحة تأجيل العملية إلى حين توفير الممرات الآمنة، والاكتفاء بعمليات موضعية محدودة وليس اجتياحاً كاملاً لرفح، والعمل على الجانب المصري لإقامة جدران وموانع لمنع التهريب، ولكن تصريحات نتنياهو المتكررة تؤكد أنه مصمم على اجتياح رفح، وهذا غير مرتبط ببنية الفصائل العسكرية كما يزعم، بل من أجل استكمال حصار غزة وتشديد الخناق عليها من أجل التحكم بمستقبلها السياسي والأمني وحتى الإداري والاجتماعي (الأونروا، والتعليم، وتنصيب هيئات مدنية بديلة لحماس).
وتشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة منذ نحو ستة أشهر أدت إلى استشهاد قرابة 33 ألف مواطن وإصابة 75 ألف آخرين، فيما اعتبر 10 آلاف في عداد المفقودين وسط تحذيرات منظمات دولية من المجاعة -ولا سيما في شمالي القطاع- جراء تقييد الاحتلال دخول المساعدات.
يذكر أن قرار مجلس الأمن الأخير الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة يندرج ضمن البند السادس أي أنه لا يقود إلى فرض عقوبات في حالة عدم تنفيذه، خلافاً للبند السابع الذي يلزم الأطراف بالتنفيذ ويعرضها لعقوبات في حالة عدم الالتزام.