الرئيسيةتحقيقاتالبحث بـ800 شيقل والعلامة بـ"ببلاش"!

البحث بـ800 شيقل والعلامة بـ”ببلاش”!

*مشاريع تخرج وأبحاث علمية تُباع على قارعة الطريق

*مكتبات للخدمات الجامعية وموظفو وأساتذة جامعات “متورطون” في بيع “أبحاث علمية” وحل أنشطة طلابية وامتحانات إلكترونية مقابل مبالغ مالية

*تعاقدات من الباطن: الطالب يتفق مع المكتب وأساتذة ينفذون الواجبات والأبحاث من خلف ستار

*صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات طلابية تروج للظاهرة على “عينك يا تاجر”

*محام يؤكد: ما يثبت أنه سرقة علمية جريمة بموجب القانون ويحاسب عليها جزائياً ولكن هناك ثغرات في النصوص

*قانون من أيام الانتداب البريطاني هو الحكم في الفصل بقضايا “الإنتاج الفكري والأدبي”

*أكاديميون يقرون بانتشار الظاهرة ويحذرون من المس بمخرجات التعليم الجامعي ويراهنون على “ضمير المشرف”

*تحري معدة التحقيق يُثبت تورط مكاتب محددة وأصابع الاتهام موجهة نحو أسماء بعينها

*التعليم الإلكتروني بيئة خصبة عززت من “فوضى التعليم” وأضرت بجودته ومخرجاته

*”التعليم العالي والبحث العلمي”: لسنا مسؤولين عن هذه المكاتب

 

 

 

تحقيق: براءة النطاح

إشراف: أ. أيهم أبوغوش

 

تستفسر طالبة في جروب خاص بطلبة احدى الجامعات الفلسطينية الكبرى من زملائها عن أسماء مكاتب تقوم بحل أنشطة طلابية، ما هي لحظات حتى قدم زميل لها قائمة بأسماء ستة مكاتب للخدمات الجامعية، ويخبرها “اختاري مين ما بدك”.

يكشف هذا التحقيق النقاب عن مكاتب جامعية بعضها معروف ولها مبان تنتشر بجانب مقرات جامعات فلسطينية مرموقة وعلى الشوارع المؤدية إليها وتحديداً في مدن نابلس ورام الله وطولكرم وبيت لحم  والخليل ونابلس، وأخرى تتخفى خلف شاشات إلكترونية من خلال إنشاء  صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن تظهر أماكن عملها، من خلال اعتماد وسائل الدفع الإكتروني والتواصل عن بعد. “إنه بزنس” على مستوى،  يحصل فيه الطالب على علامات مرتفعة دون عناء مقابل دفع مبالغ مالية تستفيد منها مكاتب جامعية، ومن خلفهم أساتذة جامعيون يعملون خلف الكواليس! أرهقتهم ظروف المعيشة أو الطمع، أمام طلبة يبحثون عن شهادات لا علم، وفي جامعات بدأت تقدم خدمات للباحثين عن الشهادات لا لمرتادي المعرفة والعلم، في زمن برز فيه التعليم الإلكتروني كأسلوب بديل، لكنه سرعان ما تنكشف عيوبه أمام  فوضى تضرب بالتعليم العالي وتضر بمخرجاته.

طلبة جامعيون: الظاهرة منتشرة

تواصلت معدة التحقيق مع عدد من الطلبة في جامعات فلسطينية مختلفة، وأكدوا لها أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كثيف ومعروف مؤخرا، إذ يلجأ طلبة إلى مكاتب للخدمات الجامعة من أجل إعداد مشاريع تخرج وحل أنشطة، لا بل أن هذه المكاتب تعدّ رسائل ماجستير وعلى “عينك يا تاجر”.

يقول الطالب (أ.ع) إن الطلبة يعرفون جيداً أين يتوجهون حينما يريدون إعداد مشاريع تخرج أوحل أنشطة طلابية، وكل مكتب له تسعيرة خاصة، وهناك تنافس بينها، مشيراً إلى أن بعض إدارات الجامعات تعرف ذلك، لكنها لا تحرك ساكناً تجاه منع الظاهرة.

يضيف” (أ.ع) أن طالبة في الجامعة التي يدرس بها خشيت من ترسب في احد المواد، فتوجهت إلى مسؤول أكاديمي من الجامعة لتدعوه إلى التدخل لدى مدرس المساق خشية من الرسوب، فما كان من هذا المسؤول إلا أن اقترح عليها بنفسه التوجه إلى مكتب خدمات من أجل إعداد بحث وتلافي الرسوب في المادة!

فضيحة مدوية

يوثق التحقيق شهادة تفيد بأن مسوؤلاً إدارياً في جامعة كبرى اقترح على طالبة ماجستير في الجامعة أن يكون شريكاً لها في مكتب للخدمات الجامعية مقابل أن يقوم هو بتحويل الطلبة إليها لتقوم بإعداد الأبحاث.

يقول (أ.س) رئيس مجلس الطلبة في جامعة فلسطينية إن الظاهرة باتت معروفة ومتداولة بين الطلبة، وإدارات بعض الجامعات على علم بها، مشيراً إلى أن هذا الأمر ليس صحيا بكل تأكيد، لكنه ليس من مسؤولية مجالس الطلبة.ويؤكد ان التعليم الإلكتروني المتبع في ظل الظروف الحالية او إبان جائحة كورونا تسبب بالإضرار بالعملية التعليمية وخلق بيئة خصبة لانتشار هذه الظاهرة.

عمليات التحري التي قامت بها معدة التحقيق قادتها إلى قائمة طويلة من مكاتب الجامعات في عدة مدن(تحتفظ بالأسماء والعناوين)، منها ما هو متواجد مكانياً قرب الجامعات نفسها، وبعضها يتعامل عبر صفحات التواصل الاجتماعي ويتم التحويل حول دفعات إلكترونية، لكن الأهم هو ورود أسماء بعينها لأساتذة جامعيين وموظفين في مكتبات تابعةمباشرة لجامعات يقومون بعمليات تنفيذ أبحاث مقابل الحصول على أموال.

الاحتكاك المباشر مع مكاتب الخدمات

لجأت معدة التحقيق ومشرفها إلى التواصل مباشرة مع العناوين التي تم حصرها في عملية التحري، تارة تم التواصل بصفة طالبة أو ولي أمر طالبة يبحثان عن عقد اتفاق لإعداد مشروع تخرج، وتارة من خلال كشف النقاب عن إجراءات سير التحقيق وطلب إجراء لقاءات لغرض النشر الصحفي.

تمكنت معدة التحقيق من توثيق محادثات تفيد موافقة عدد من هذه المكاتب  لإعداد مشاريع تخرج، مقابل الحصول على مبلغ مالي. لدى التواصل مع مكتب (أبحاث ق) استفسرت (الباحثة) حول نية تنفيذ بحث لدى المكتب، فكان الرد بأن استفسر المتحدث عن عنوان البحث المراد تنفيذه، فاقترحت معدة تحقيق عنواناً افتراضياً، فكان رد المكتب” كل البحث بـ800 شيقل، نصف المبلغ بعد الانتهاء من الفصل الأول، والباقي بعد تسليم كامل البحث”، يشمل ذلك تحضير عرض البحث على شرائح “بور بوينت”.

كما أبدت مكاتب أخرى تم التواصل معها استعدادها لإنجاز المطلوب مقابل مبلغ مالي، وحينما كشفت عن هويتهها وهدفها امتعنت تلك المكاتب عن الرد رغم توجيه طلبات خطية لإجراء لقاءات صحفية، باستثناء مكتب للخدمات في مدينة رام الله الذي تجاوب في الحديث رافضاً الكشف عن اسمه.(معروف لدى معدة التحقيق).

يقول (ع.ش) صاحب مكتب (ش) وهو مكتب مقابل مقر جامعة محلية” قبل جائحة كورونا كنا نعمل ثلاثة اشخاص في المكتب، ومنذ يوم الجائحة زاد الطب تضاعف العدد”،  مشيراً إلى أن من بين الخدمات التي يطلبها الطلبة تأدية امتحانات إلكترونية نيابة عنهم، مقابل مبالغ قد تصل إلى ألف شيقل، لكن المكتب حسب قوله رفض ذلك.

ويضيف”أصدقائي في المكاتب الأخرى يعملون على حل الامتحان الإلكترونية مقابل مبالغ مالية”، زاعماً  أن معظم من يعملون على حل أنشطة طلابية متواجدون في قطاع غزة ويخاطبون طلبة الجامعات في الضفة الغربية من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، وتتم عملية الدفع عبر حسابات بنكية ومن خلال الدفع الإلكتروني. يؤكد (ع.ش) أن مكتبه فقط يساعد الطلبة في إتمام عمليات التحليل الإحصائي الخاصة بالبحوث العلمية وبعض الامور الفنية، مشيراً إلى أن ذلك يتم بعلم وإشراف أساتذة المساقات الذين يرسلون طلبتهم إلى تلك المكاتب من أجل تنفيذ التحاليل التي لا يعرف الطلبة كيفية إجرائها.

ويضيف “الأساتذة يشرحون ما هو المطلوب في فصول مشروع التخرج دون تقديم الشرح الكافي للطلبة، لهذا يلجأون إلى المكتبات من أجل الأمور التفصيلية مثل الحصول على مصادر ومراجع ودراسات سابقة، ولهذا تقدم المكتبات خدمة المساعدة للطلبة في هذه الأمور من أجل إتمام مشاريعهم على الوجه الأمثل وليس إعداد مشاريع جاهزة للبيع، مع التأكيد على ضرورة أن يكون كل طالب ملماً بتفاصيل مشروعه ويستطيع مناقشته”.

تواصلت معدة التحقيق مع أربعة مكاتب أخرى في نابلس وقلقيلية والخليل وآخر مجهول مكان الإقامة، كلها تجاوبت حينما قدمت نفسها كطالبة ترغب في إعداد مشروع تخرج مقابل مبلغ مالي، بل أن هذه المكاتب قدمت لها عروض أسعار ودخلت في تفاصيل البحث المراد إنجازه. لكن حينما كشفت عن نيتها بإجراء تحقيق استقصائي لغرض النشر الصحفي رفضت هذه المكاتب الرد واكتفى بعضها بالقول”لا وقت لدينا للحديث”، وبعض القائمين عليها هددوا برفع دعاوى قضائية في حالة ذكر أسمائهم.(المحادثات موثقة).

محام: هناك نوعان من الخدمات

يقول المحامي علاء فريجات إن ظاهرة تقديم خدمات لبيع أبحاث وأوراق علمية موجودة في معظم الدول العربية بما فيها فلسطين، لافتاً إلى أن هذه المكتبات التي غالبا ما تكون متواجدة قرب الجامعات تقدم نوعين من الخدمات: الأولى تتمثل بأن الطالب يكون هو معد البحث ويقوم المكتب بمساعدة على اتمام الأمور الشكلية مثل أعمال الفهرسة والطباعة وترتيب البحث وبعض الصياغات والتدقيق اللغوي، وهذه لا مشكلة فيها لا قانونية ولا أخلاقية.

أما الخدمة الثانية، فتتمثل في قيام بعض المكاتب بتعاقدات من الباطن مع محاضرين في الجامعات لإعداد أبحاث وأوراق علمية للطلبة وأحيانا تأليف كتب، يدفع فيها الطالب أو شخصية عامة  مبلغاً مالياً للمكتب الذي يحصل على نسبة معينة ومعد البحث على نسبة أخرى.

ويضيف”من يقوم بتنفيذ الأبحاث المباعة ليسوا أشخاصًا عاديين، بل هم أساتذة جامعات وكليات لكنهم لا يرغبون بالمواجهة المباشرة مع الطلبة، بل يرسلونهم إلى مكتبات، وعمليات التعاقد تتم من الباطن”، مشيراً إلى أن هذه الخدمة مجرمة أخلاقياً وقانونياً وتدخل في سياق السرقة العلمية وخيانة الأمانة.

ويشير فريجات إلى أن ثبات الجرم في هذه القضايا ليس أمراً سهلاً، لأن الأطراف الثلاثة معنية بالدفاع عن مصالحها، فالطالب لا يرغب في الكشف بأنه أعد بحثاً اشتراه، والمكتب لا يريد التورط في قضية مخالفة للقانون، والأستاذ بكل تأكيد يود الحفاظ على مكانته ومنصبه، لكنه يرى بأن الدوريقف على كاهل إدارات الجامعات التي ينبغي لها الدفاع عن سمعتها وعن مخرجاتها التعليمية، ومحاسبة المتورطين في قضايا من هذا النوع بموجب أنظمتها الداخلية.

 ماذا يقول القانون؟

إن القانون المطبق في فلسطين إلى هذه اللحظة فيما يتعلق بحق حماية الإنتاج الفكري والأدبي هو القانون البريطاني رقم (46) لسنة 1911، والمعروف بقانون حقوق الطبع والتأليف، حيث صدر مرسوم ملكي بتاريخ (21) آذار 1924م يقضي بسريان أحكام هذا القانون على فلسطين، وطبق بمقتضى المنشور الصادر عن المندوب السامي بتاريخ 23 نيسان 1924م.

وقد نصت المادة الأولى بند(1) من هذا القانون على أن جميع حقوق الطبع والتأليف والأفكار الأدبية والتمثيلية والموسيقية والفنية، وفي كافة أنحاء ممتلكات بريطانيا محمية.

كما نص البند (2) من نفس المادة على مفهوم حق الطبع والتاليف وأنه يعني: الحق الذي يملكه الشخص وحده في إصدار الأثر، أو في إعادة إصدار أي جزء جوهري منه في شكل مادي مهما كان، وحق تمثيل الأثر أو تمثيل أي جزء جوهري منه علناً، أو إذا كان الأثر محاضرة فحق لقاء المحاضرة أو أي قسم جوهري منها.

ويعُد الشخص معتدياً على حق الطبع والتأليف المحفوظ في أي أثر، إذا فعل شيئاً حصر القانون حق القيام من صاحب ذلك الحق، بدون رضا صاحبه كما نصت على على ذلك المادة2 -1.

وإذا وقع تعد على حق الطبع والتأليف المحفوظ في أي أثر، فيحق لصاحب الحق أن يلجأ إلى كافة الطرق المقضاة التي تخوله أو قد يخوله إياها القانون، فما يتعلق بالتعدي على ذلك الحق، كاستثدار امر تحذيري، أو أمر بالمنع، أو الحصول على عطل وضرر، أو محاسبة المعتدي أو غير ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة (6) رقم (1).

وقد عد القانون التعدي على حقوق الآخرين الفكرية والأدبية جريمة تستحق عقوبة رادعة، ويمكن تقسيم عقوبة التعدي على حق المؤلف إلى قسمين: كما جاء في مواد القانون البريطاني المطبق في فلسطين وكذا الأردني والمصري:

أولا: عقوبة أصلية: وتشمل الحبس المقيد للحرية والغرامة المالية. فقد نصت المادة (3) من قانون الانتداب البريطاني على أنه: كل من ارتكب احدى الجرائم التالية على علم منه وهي:

1-أعد للبيع أو التأجير نسخة مقلدة من مؤلف، لا تزال حقوق طبعه محفوظة.

2-باع او أجر نسخاً مقلدة من مؤلف كهذا، أو عرضها، أو قدمها للبيع أو الأجرة بقصد التجارة.

ج-وزع نسخاً مقلدة من مؤلف كهذا بقصد التجارة، أو  لمدى يضر بحقوق صاحب الطبع والتأليف.

د-أو عرض علناً بقصد التجارة نسخاً مقلدة من مؤلف كهذا.

ه- استورد إلى فلسطين نسخاً مقلدة منمؤلف كهذا للبيع أو الأجرة.

يّعد ارتكب جرماً ويعاقب بغرامة قدرها (250) مئتان وخمسون ملاً عن كل نسخة جرى التصرف بها-خلافاً لهذه المادة- علىان لا تتجاوز الغرامة (50) جنيهاً في المعاملة الواحدة، وفي حال العود في الجريمة وارتكابها للمرة الثانية  أو ما يليها، يعاب إما بهذه الغرامة أو بالحبس لمدة شهرين.

أما القانون الأردني، فقد عالج حماية الإنتاج الفكري والأدبي بموجب قانون حماية حق المؤلف رقم (22) لسنة 1992م، الصادر في الجريدة الرسمية رقم (3821) بتاريخ 16-4-1992م، وقد نصت المادة (51) على أنه:

  • يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات (وقد عدلت هذه الفقرة بإلغاء مدة ثلاث سنوات والاستعاضة عنها بسنة واحدة، وذلك بموجب قانون رقم (23) سنة 2014م المعدل لقانون 1992م) وبغرامة لا تقل عن (1000) ألف دينار ولا تزيد عن (6000) ستة آلاف دينار أو بأدى هاتين العقوبتين.
  • كل من عرض للبيع أو التداول أو للايجار مصنفاً مقلداً أو نسخاً منه او أذاعه على الجمهور بأية طريقة كانت، أو استخدمه لتحقيق أي مصلحة، أو ادخله إلى المملكة أو أخرجه منها، مع علمه، أو إذا توافرت الأسباب والقرائن الكافية للعلم بأنه مقلد.

يؤكد فريجات أنه رغم وجود ثغرات في النصوص القانونية وغير كافية خاصة أن القانون المطبق في فلسطين هو قانون من أيام الإنتداب البريطاني غير أنها تجرم أصحاب المكاتب في حالة ثبوتها بإعداد أبحاث علمية وبيعها للطلبة، مشيراً إلى أنه في كلا الحالتين تكون مذنبة، الأولى إذا أعدت مثل هذه الأبحاث وباعتها، والثانية إذا روجت لهذه الخدمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أكاديميون يقرون بالظاهرة ويتبرأون منها

بدورها، فإن الجامعات إدارة وأكاديميين يقرون بانتشار ظاهرة لجوء طلبة إلى مكاتب لشراء أبحاث أو إعداد واجبات وأنشطة، لكنهم في الوقت ذاته يرون أن الجامعات يحكمها الأنظمة الأكاديمية والإدارية وهي الحكم في مخرجات أي أعمال تعليمية مقدمة، مشيرين إلى أن مكاتب الخدمات ليست تابعة لها ولا سيطرة للجامعات عليها.

يقول أ. د. حسني عوض نائب رئيس جامعة القدس المفتوحة  للشؤون الأكاديمية “انتشار هذه الظاهرة متوقعة في ظل الوضع الحالي ولجوء  الجامعات إلى التعليم الإلكتروني”، مشيراً إلى أن الحد من هذه الظاهرة بشكل نهائي أمرصعب، لكن تقع مسؤولية على كاهل المدرس من أجل متابعة أعمال طلبته ومواءمتها مع المعايير الأكاديمية، وتفعيل أنظمة الضبط والمراقبة.

وينوه إلى أن الجامعات ليست مسؤولة عن هذه المكاتب ولا سيطرة لها عليها، فهي حاصلة على تراخيص من الجهات لحكومية  وليست من الجامعات.

وحول الخطوات التي تتبعها  الجامعات  للحد من الظاهرة يقول أ. د.عوض “هناك إجراءات يتم اتباعها في الجامعات لضمان الامانةالعلمية تبدأ بفحص المادة نفسها عبر انظمة محوسبة لضمان عدم سرقتها”، لكن في حال تم إثبات أن العمل ليس من إنتاج الطالب يتم اتخاذ إجراءات عقابية بحقه قد تصل إلى حد إحالة الملف إلى الشرطة، والمسؤولية  تقع على الطالب كونه أن التعليم ذاتي، بينما تقع على كاهل المشرف متابعة هذه المخرجات ومواءمتها مع المعايير العلمية وأنها من إنتاج الطالب نفسه”.

ويضيف”هذه الظاهرة ليست محلية، فجامعة  من كبرى الجامعات عربياً أمامها 300-400 مكتب تقدم هذه الخدمات”، مشيراً إلى أن الطالب لا يمكن أن يتقدم بشكوى تدفع باتجاه محاسبة هذه المكاتب كونه مستفيد منها.

ويؤكد أن محاربة هذه الظاهرة منتشرة بالفعل، وهي تحتاج إلى تكاتف جميع الجهات الأكايدمية والرسمية لمحاربتها،  لافتاً إلى أن الرهان يبقى على “ضمير المشرف” ومتابعته للواجبات والأبحاث التي يقدمها الطلبة والتأكد من انها من إنتاجهم، بالإضافة إلى تفعيل أدوات الرقابة والضبط.

وحول إمكانية وجود تعاقدات من الباطن بين أكاديميين في الجامعات وهذه المكاتب لإعداد أبحاث علمية للطلبة، يقول أ. د. عوض” إذا ثبت ذلك بموجب أدلة وبعد تشكيل لجنة تحقيق، يتم تطبيق القانون والأنظمة الداخلية، ويمكن أن يتم تحويل هؤلاء الموظفين أو الأكاديميين إلى الشرطة للمساءلة القانونية”.

من جهته، يقول د. شادي أبوعياش الباحث والمحاضر في الجامعة العربية الأمريكية إن ظاهرة بيع مشاريع التخرج والرسائل الأكاديمية تعكس مشكلة أخلاقية وأكاديمية خطيرة.

ويرجع أسباب هذه الظاهرة إلى أسباب عدة منها الضغوط الأكاديمية الشديدة التي تتولد لدى الطالب لإنجاز الأبحاث والواجبات البحثية، والرغبة في تحقيق النجاح بأية وسيلة، بالإضافة إلى الرغبة في الحصول على الدرجات العالية ما قد يدفع طلبة إلى اللجوء لهذه الوسائل غير المشروعة وغير الأخلاقية.

ويضيف”هناك أسباب أخرى وراء انتشار هذه الظاهرة تتعلق بنقص الموارد البحثية أو الدعم للطللبة عبر برامج تدريبية تسعى لتطوير قدراتهم البحثية والكتابة الأكاديمية، وغياب التطوير الدائم لآليات الرقابة بشكل مستمر من قبل الجامعات”.

وحول إن كان التعليم الإلكتروني الذي اعتمدته الجامعات في ظل ظروف جائحة كورونا والفترة الحالية قد ساهم في نشر الظاهرة يقول د. عياش” من المحتمل أن يكون للتعليم الإلكتروني دور في تسهيل هذه الظاهرة، لأنه يوفر وصولاً أسهل إلى الخدمات التي تبيع الأعمال الأكاديمية، ويصعب الرقابة عليها مقارنة بالتعليم التقليدي”، منوهاً إلى أن ذلك  يمكن أن يؤثر سلباً على مخرجات التعليم الجامعي بتخريج طلبة غير مؤهلين بالفعل للممارسة المهنية، ما يؤدي إلى انخفاض في جودة الكوادر المتخرجة وتدني مستوى المهارات في سوق العمل، ما يمكن أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني.

ودعا د. عياش إلى عدة حلول لمكافحة الظاهرة، منها تعزيز الرقابة الجامعية وتفعيل دور الإشراف الأكاديمي بشكل أكبر، وتطبيق برامج فحص الانتحال الأكاديمي بشكل مكثف وفعال، وتطوير آليات لهذا الغرض بشكل دائم.

ومن بين الحلول أيضا –حسب د. عياش- تعزيز الوعي الأخلاقي بين الطلبة حول الأخلاق والنزاهة الأكاديمية، وتحسين الدعم الأكاديمي المقدم للطلبة، مثل توفير مراكز للكتابة الأكاديمية وورش عمل حول مهارات البحث داخل الجامعات بشكل أوسع.

ويضيف”يمكن للجامعات العمل، بالتعاون مع الحكومة والمجتمع على إقرار سياسات على المستوى الوطني تحدّ من عمل هذه المكاتب التي تقدم هذه الخدمات بشكل غير قانوني”.

الوزارة: لسنا مسؤولين عن تلك المكاتب

في تعقيب لها على ما ورد في التحقيق، أشارت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى أنها تضع شروطاً ومعايير للمكاتب التي تقدم خدمات تعليمية، مبينة أن هذه التراخيص ممنوحة لغرض تقديم خدمات محددة تتعلق بتوفير فرص ومنح تعليمية في الجامعات الخارجية فقط.

أما المكاتب التي تقدم خدمات مثل حل الواجبات الطلابية فهي ليست حاصلة على تراخيص من الوزارة ومراقبتها ليست من صلاحيات الوزارة.

وأقرت الوزارة بانتشار الظاهرة لكن المكاتب الضالعة فيها تظل خارج سيطرتها ومسؤوليتها(كما تقول)،  مشيرة إلى أنها تحذر من هذه الظاهرة الخطيرة وأن عملها “غير أخلاقي” إلا فيما يتعلق بتقديم خدمات فنية.

وقالت الوزارة إلى أنها تلقت حالة محددة من محاضر جامعي دون أن توضح طبيعة المعالجة ، لكنها لم تتلق أية شكاوى رسمية من الجامعات بخصوص هذه الظاهرة، مبينة أن هذه الظاهرة تظل مسؤولية الجامعات  التي يتبغي لها أن تطبق النظام  على المخرجات التعليمية لطلبتها.

مسؤولية من؟!

وحينما رجعت معدة التحقيق إلى عقد مقارنة بين قائمة المكاتب الجامعية الحاصلة على ترخيص من الوزارة لهذا العام وبين تلك التي أثبت التحقيق أنها ضالعة في عمليات سرقات علمية، تبين أن الأخيرة ليست حاصلة بالفعل على تراخيص من الوزارة، لكنها تظل من الناحية العملية هي المسؤولة عن هذه “الفوضى”، كونها الجهة التي تشرف على مخرجات التعليم الأساسي والتعليم العالي في فلسطين. يقول (أ.ر) باحث أكاديمي” هذا المنطق غريب، فمنح ترخيص مباشرة العمل لمكاتب خدمات عامة يكون من بلديات ومن وزارة الداخلية، وبعض المكاتب قد لا يكون مرخصاً أساساً،  لكن الجهة التي تشرف على التعليم في فلسطين هي وزارة التربية والتعليم العالي، وإن كانت تلك المكاتب تجاوزت حدودها في تقديم خدمات تمس جوهر المخرجات التعليمية، فالأولى لها أن تتحرك بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى لوقف هذه الظاهرة الخطيرة وليس الاكتفاء بالتخلي عن المسؤولية كون أن التراخيص ليست صادرة عنها”.