الرئيسيةتقاريرالضفة في أتون حرب اقتصادية

الضفة في أتون حرب اقتصادية

عيد شاحب وشح السيولة يشل الحركة التجارية

نابلس- المحرر- دانية عبد الفتاح- على بعد بضعة أيام من عيد الأضحى المبارك، يقف الشاب (ب) درويش (31) عاما في أحد شوارع مدينة نابلس وهو ينظر بحسرة إلى ما يعرضه التجار من بضاعة لعيد الأضحى المبارك، فحاله الاقتصادي يمنعه من شراء ملابس لأطفاله الثلاثة هذا العيد.

يقول درويش الذي كان يعمل في محل للمفروشات داخل الخط الأخضر إن الأحوال قست عليه ولم يعد قادراً على الايفاء بالتزاماته تجاه أسرته بسبب حرمانه من التوجه لعمله منذ ثمانية شهور وتحديداً منذ أحداث 7 تشرين الاول الماضي، فبعد أن كانت اجرته يومياً 400 شيقل وأحياناً 600 شيقل لم يعد قادراً على توفير جزء ولو بسيط منها.

يضيف: “لا أعرف ماذا أقول لأطفالي، لكني بحق لست قادراً على الشراء، وأجواء العيد شاحبة بالفعل بسبب العدوان الإسرائيلي، لذا اضطرت زوجتي إلى إخراج ملابس قديمة وإعادة تهيئتها كي تقنع الأطفال بأنها اشترت لهم ملابس جديدة”، مشيراً إلى أنه بناته الثلاث اللواتي تتراوح أعمارهن بين 4-9 سنوات يعشن بظروف صحية صعبة، و”أحتاج شخصياً إلى عملية جراحية لم أستطع حتى الآن إجراءها بسبب عدم تمكنه من تأمين نسبة محددة من التأمين الصحي العام”.

ويتساءل: “ماذا تتوقعين من شخص يحلق على الصفر في البيت لأنه لا يملك أجرة الحلاق؟”.

درويش ليس إلا واحداً من 178 ألف عامل (حسب الجهاز المركزي للإحصاء) كانوا يعملون في “اسرائيل” والمستوطنات ولكنهم منعوا من التوجه الى أعمالهم بعد أحداث 7 تشرين الأول، والتي أعقبها شن حرب إسرائيلية على الضفة الغربية موازية لحرب الإبادة في قطاع غزة.

ورغم أن الأسواق في الضفة حُرمت من أهم روافد السيولة النقدية غير أنه لم يكن العامل الوحيد الذي خنق الاقتصاد الفلسطيني، فحكومة الاحتلال عمدت إلى اقتطاع أموال المقاصة الايراد الرئيسي لخزينة السلطة الوطنية والتي تشكل نحو 68% من إجمالي الايرادات ما حال دون صرف رواتب كاملة، وعمق من الأزمة المالية للسلطة ليحرم الأسواق عملياً من سيولة نقدية أخرى.

?mibextid=oFDknk&v=477921957945806&rdid=MM6jJoHdC3nwlIil

يقول الخبير الاقتصادي د. طارق الحاج: “الأسواق حرمت من نحو1.5 مليار شيقل شهريا كان يوفرها العاملون داخل الخط الأخضر، وهذه كانت تحرك الأسواق، يضاف إليها قرابة مليار شيقل تمثل فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب الشهرية التي تقدمها السلطة الوطنية لنحو 143 ألف موظف، إذ لم تعد السلطة قادرة على صرف هذه الرواتب كاملة، بل إنها مهددة بعدم تمكن صرف رواتب قريباً، في ظل اشتداد الأزمة واستنفادها لمصادر التمويل والاقتراض، في ظل استمرار الاحتلال باحتجاز أموال المقاصة والاقتطاع منها”.

وكانت الحكومة لجأت خلال شهري أيار ونيسان  الماضيين إلى صرف فقط 50 % من فاتورة الرواتب بعد استمرار الاحتلال في اقتطاع اموال المقاصة واحتجاز ما تبقى منها، ما دفع الحكومة إلى الاقتراض من بنوك ومؤسسات محلية، لكنها لم تعد قادرة على ذلك خلال الفترة المقبلة ما عمق الازمة المالية، ويجعل الموظفين يعيشون مستقبلاً قاتما.

يقول الموظف وسام عجاج: “نعيش في حالة من الركود الاقتصادي بسبب انخفاض السيولة، وهذا يضطرني للاستعانة، والعمل بسياسة الاكتفاء بالمواد الضرورية فقط”.

ويضيف: “نحن نعيش في ظروف يصعب فيها إدارة موازنة الأسرة ولا التخطيط للمستقبل، بسبب تعمق الأزمة المالية وعدم وضوح الرؤيا”، لافتاً إلى أن هذه الأحوال تلقي بظلالها عليه وعلى نفقات أسرته خاصة خلال العيد، خوفاً من اتخاذ قرارات غير محسوبة تؤدي إلى نفاد ما لديهم من سيولة خلال فترة وجيزة.

وحسب بيانات صادرة عن وزارة المالية والتخطيط فقد بلغ إجمالي المتأخرات المستحقة لموظفي القطاع العام حتى نهاية شهر نيسان الماضي إلى 1.18 مليار دولار، إذ لم يتلق موظفو القطاع العام رواتب كاملة منذ تشرين الثاني عام 2021، بسبب الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية لكنها تعمقت مؤخراً بسبب تداعيات الحرب والإجراءات الاحتلالية.

وأعلنت الحكومة الفلسطينية مؤخراً أن حجم المديونية العام عليها ارتفع ليصل إلى نحو 11 مليار دولار (قروض محلية وخارجية ومستحقات لصالح الموظفين والقطاع الخاص وصندوق هيئة التقاعد والمعاشات).

ويؤكد العديد من التجار أنه الحركة التجارية إبان عيد الأضحى المبارك تعاني من قلة المشترين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

ويقول التاجر سامر الطريفي (46) عاماً من مدينة رام الله صاحب محل ملابس إن الحركة التجارية في المدينة لا توحي بالمطلق أنها أجواء عيد، منوهاً إلى ان حركة المبيعات لا يمكن مقارنتها بالمطلق مع الحركة خلال الأعياد.

ويضيف: “من الواضح جداً أن الدورة الاقتصادية أصيبت بشلل كبير، لأسباب بات يعرفها الجميع، وهذا أثر بشكل واضح على الحركة التجارية”.

ويقول التاجر حسن عودة من مدينة نابلس وهو صاحب محل حواسيب وأجهزة اتصالات إن الحرب الحالية أثرت بشكل واضح على مبيعاته لتنخفض إلى نحو 50 % مقارنة مع الشهور التي سبقت العدوان، لافتاً إلى أن التجار يعانون من ارتفاع كلفة الاستيراد من ناحية، ومن تراجع دخول المواطنين من ناحية ثانية، فأصبحوا ينفقون على الضروريات والأساسيات.

ويتابع: “رغم أننا نشتري بضاعتنا نقداً، لكننا نضطر إلى البيع بالتقسيط، تماشياً مع ظروف الناس”.

يؤكد منسق شبكة الصحفيين الاقتصاديين أيهم أبوغوش أن الضفة الغربية تتعرض لحرب اقتصادية واسعة من قبل الاحتلال إلى جانب حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة.

ويضيف: “هذه الحرب تأخذ عدة أوجه، الأول يتمثل بحرمان العمال من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، والثاني هو حرمان الحكومة من السيولة النقدية من خلال اقتطاع أموال المقاصة ومصادرتها، والثالث هو تقطيع أواصل المدن والقرى الفلسطينية ما يعيق حركة التجارة ويرفع كلفة النقل، والرابع منع فلسطينيي 48 من التوجه للمدن الفلسطينية في الضفة”.

ويشير إلى أن هذه الظروف الاقتصادية التي تمر بها الضفة حالياً هي الأصعب منذ إنشاء السلطة الوطنية عام 1994.

وحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء فإن معدل البطالة في الضفة الغربية ارتفع إلى 32% في الربع الرابع من عام 2023 مقارنة مع 13% في الرابع الثالث من ذات العام، مع ترجيح الخبراء ترتفع هذه النسبة إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية الحالية قائمة.

وتوقع تقرير للبنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني بشكل أكبر في عام 2024 (بين 6.5% و9.6%)، بسبب استمرار ضبابية المشهد الاقتصادي وغياب الأفق.

*المادة تدريبية ضمن مساق “الوسائط المتعددة” لطلبة كلية الإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس