*جامعو “تبرعات” يقدمون شهاداتهم حول الأموال التي جمعوها..بعضهم دخل “دائرة الشك” وآخرون يدافعون عن حملاتهم
*ادخال الأموال إلى غزة يصطدم بجملة عقبات في مقدمتها استغلال الحاجة لفرض “اقتطاعات” مرتفعة
*ناشطون يتحدثون عن تجاربهم في جمع المساعدات: من حق الناس أن تساؤلنا
*مواطنون تحت وقع الحاجة في غزة يلجأون إلى طلب المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعضهم يُهاجم بتهمة “التسول”
*الشرطة تؤكد: رصدنا حملات مشبوهة باسم مشاهير بهدف الاحتيال مستغلة الوضع الإنساني والاقتصادي القائم
*” التنمية الاجتماعية”: على المتبرع أن يتأكد من ضوابط وشروط لضمان سلامة حملات التبرع لقطاع غزة
*”سلطة النقد: رقابة مشددة على الحوالات التي تجري عبر البنوك لضمان الممارسات الفضلى في مجال الامتثال المصرفي
*”الأوقاف”: رقابة مشددة لضمان نزاهة حملات التبرعات وإيصال المساعدات
إعداد الطلبة: عزات محمد، ويقين خليل، وحنين بسام، وسفانا السعدي، وأحلام شبيطة، وحسن أبو العمرين، وحلا أبو ربيع، وصلاح كلاب، ويوسف يعقوب
إشراف: أ. أيهم أبوغوش
مع تأزم الوضع الإنساني في قطاع غزة نتيجة حرب الإبادة التي تشن على شعبنا، تزايدت حملات جمع التبرعات لإغاثة المنكوبين والنازحين، اختلط فيها “المشبوه” مع الحملات الراغبة في ايصال المساعدات لمستحقيها. يكشف هذا التحقيق النقاب عن “حملات مشبوهة” يستغل القائمون عليها الحالة الإنسانية في قطاع غزة لجمع أموال لصالحهم، وآخرون دخلوا في “دائرة الشك” لانخراطهم في حملات لجمع التبرعات، فيما أبرز ناشطون معلومات حول طبيعة حملاتهم التي أكدوا أنها تتم بشفافية. كل ذلك يجري بينما يجد مواطنون غزيون أنفسهم مضطرين لاستخدام مواقع التواصل لطلب المساعدة، بينما لا يعرف الراغبين بتقديم يد العون ما الذي يفعلوه تجاه هذا الوضع الذي يزداد سوءاً لكنه بات ضبابياً يصعب التفريق فيه بين “حملات الخير”والحملات “المشبوهة”.
حملات مثيرة للجدل
في عام 2018، انتقل الشاب الفلسطيني (ص.ع) إلى العاصمة الروسية موسكو، لدراسة الصيدلة في إحدى الجامعات الروسية، وبعد استقراره في موسكو لسنوات، سافر إلى جمهورية داغستان عندما علم بوجود فلسطينيين نزحوا من جحيم الحرب في غزة، بدأ بنشاطات “خيرية” عبر منصة “إنستغرام”، بهدف جمع التبرعات لدعم الفلسطينيين النازحين إلى داغستان.
نظّم (ص.ع) رحلة ليلية إلى البحر، بدأ المشاركون فيها بركوب حافلتين إلى مسجد “جمعة” الشهير في داغستان لأداء صلاة العشاء، ومن ثم توجهوا إلى البحر خلال الرحلة، جلب (ص.ع) سيارة مليئة بالمواد الغذائية مثل “المرتديلا”، والخبز، والتفاح، والعصير، وبدأ بتقديم العشاء للفلسطينيين في وسط الشارع، ما أثار استياء البعض لشعورهم بالذل، خاصة مع تصوير زميلاته الداغستانيات لهم أثناء تناول الطعام.
في اليوم التالي قدم (ص.ع) اعتذاراً ونظم حفل شواء في مطعم مركز الإقامة، بالرغم من ذلك، رفض (ص.ع) مشاركة حسابه على “إنستغرام” مع المتابعين.
بعد بحث مستمر لمدة خمسة أيام، تمكن أحد المستفيدين من العثور على حسابه، واكتشف مبالغ كبيرة من التبرعات التي تصله عبر تطبيق “سبير بانك”.
خلال عيد الفطر، زار (ص.ع) مركز الإقامة ليعيد الأطفال هناك. وفي الفترة بين عيدي الفطر والأضحى، جمع مبالغ طائلة. ما أثار شكوك اللجنة الفلسطينية المكونة من عشرة أعضاء التي تشرف على المساعدات وتنظيم الأنشطة في المركز. تحدثت اللجنة مع (ص.ع) وهددته بالشرطة إذا لم يوقف جمع التبرعات بشكل غير منظم.
كان (ص.ع) يخطط لجلب خراف لعيد الأضحى وذبحها للفلسطينيين، لكن اللجنة رفضت هذه الخطوة. نتيجة لذلك، اختفى (ص.ع) بعد التهديد، وأعلن على “إنستغرام” أنه لن يجمع أي أموال للفلسطينيين في داغستان بعد ذلك.
تقمص شخصية متبرع
في محاولة لفهم نشاطاته بشكل أعمق، تقمص أحد الأشخاص شخصية متبرع وتواصل مع (ص.ع) في المحادثة، ذكر (ص.ع) أن مركز الإقامة يوفر كل ما يحتاجه الفلسطينيون، وأنه يجمع التبرعات لمساعدة طلبة الجامعات الفلسطينيين في داغستان. وعندما طلب المتبرع قائمة بأسماء الطلاب وأرقامهم، قال (ص.ع) إنه فقط هو وصديقه (ل.ك) يستحقان التبرعات، على الرغم من أنه يدرس الطب في موسكو وليس في داغستان.
أبدى المتبرع استعداده للتبرع بمبلغ 8000 روبل (حوالي 100 دولار) لكل طالب، فأعرب (ص.ع) عن إعجابه وطلب إرسال التبرعات على الفور. لكن المتبرع أجّل التحويل ليوم الاثنين بسبب إغلاق الشركة يوم الأحد.
جامع تبرعات يدخل “دائرة الشك”
في مقابلة حصرية، عبّر الدكتور (ص.ع)، الذي يعمل كصيدلي ومدرس لغة عربية، عن استيائه من التحديات التي واجهته أثناء جمع التبرعات للنازحين الفلسطينيين في داغستان. وأوضح الدكتور (ص.ع) قائلاً: “واجهت مشاكل عديدة أثناء جمع التبرعات، والنازحين الفلسطينيين المتواجدين في داغستان لا يشكرونني على ما أقدمه لهم”.
وأضاف: “أنا مستاء جداً من الأشخاص الذين قالوا عني كلمة سوء، وبعد انتهاء الحرب سأحاسبهم. سافرت إلى روسيا – موسكو لإكمال مسيرتي التعليمية، ولم أعرف مقدار المبالغ التي وصلتني. كل فعالية أريد أن أقدمها أجمع لها مبلغاً وأقوم بتنفيذ تلك الفعاليات، والمبالغ قليلة جداً”.
وأوضح الدكتور (ص.ع) أن المتبرعين يرسلون له البضائع وهو يقوم بتوصيلها إلى النازحين، ومنهم من يرسل النقود عبر سبيربانك (تطبيق إرسال الأموال في روسيا). وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انخفاضاً في التبرعات المالية بسبب خوف المتبرعين من التفتيش الروسي الذي يستهدف التحويلات المالية للأشخاص الذين لا تربطهم صلة قرابة بالمرسل.
وقال الدكتور (ص.ع): “تم التبرع بثلاث خراف عشية عيد الأضحى المبارك، ولكن النازحين رفضوا استلامها هذه ظناً منهم بأنني جمعت أكثر من ذلك. قمت بشواء اللحوم وتوزيعها على الطلاب الفقراء من المسلمين العرب”.
وأكد الدكتور (ص.ع) أنه أوقف جميع حملات جمع التبرعات بسبب الشتائم والإساءة التي تلقاها، قائلاً: “كنت أتبرع من جيبي أحياناً. كنت أساعد أبناء بلدي وأقدم لهم المساعدات، ولكنهم ألحقوا بي الشتائم لي ولأهلي، ومشاعري مجروحة من تصرفاتهم”.
وفيما يتعلق بالتبرعات، شدد الدكتور (ص.ع) على أنه لم يضع أي مال من هذه التبرعات في جيبه. وأضاف: “أنا أدرس في الجامعة ويوجد علي ديون تقدر بـ ٧٠٠ دولار”. ويضيف” بعت جهاز الحاسوب الخاص بي لتوفير احتياجاتي، لكن ذلك لم يكن كافياً”.
وتابع قائلاً: “أنا موجود حالياً في مدينة أخرى تدعى “أستراخان” عند صديقي التونسي ولا أستطيع العودة إلى مدينتي لعدم امتلاكي للمال”.
ايصال المساعدات إلى غزة..تحديات ونجاحات
يقول الناشط الفلسطيني حمزة المصري الذي يقوم على حملة لجمع التبرعات إلى قطاع غزة بأن الأموال جمعت لقطاع غزة بشكل عام، وليس بشكل شخصي. لذلك، من المهم توضيح كيفية دخول الأموال إلى غزة، حيث تواجه هذه العملية تحديات كبيرة. مثلاً، من يمتلك حساب “باي بال” يجب أن يكون أوروبيًا وليس تركيًا، وكذلك الحسابات الأخرى التي تُستخدم لجمع الأموال.
وأوضح بأن الأموال المحولة من “باي بال” تحتاج تحويلها إلى بنك أوروبي، ثم تُرسل إلى قطاع غزة عن طريق العملات الرقمية أو عبر وسائل أخرى مثل “الويسترن يونيون”، والتي لا تتوفر دائماً.
أما بالنسبة للتحديات التي تواجهه خلال عملية جمع وتوزيع الأموال في غزة، فيشير المصري إلى أنها تتمثل أولاً، في بعض التجار في غزة الذين يتحكمون برؤوس الأموال.
فعلى سبيل المثال، إذا تم إرسال ألف دولار إلى غزة، تصل في النهاية كألفين وتسعمائة شيقل، بينما يجب أن تكون القيمة ثلاثة آلاف وسبعمائة شيقل تقريباً، وهذا يؤثر بشكل كبير على الأسعار والسلع المتوفرة في القطاع.
وتابع المصري “من المؤسف أن هناك حالات استغلال لهذه الأموال، حيث يستغل البعض الفرصة لجمع الأموال باسم المساعدات، ويعطون الناس جزءًا بسيطًا جدًا منها بينما يحتفظون بالباقي لأنفسهم”.
حملات وهمية
ويضيف المصري “للأسف، هذا الاستغلال يحدث في مختلف الأماكن بما في ذلك الدول الأوروبية وفي ندونيسيا، إذ يوجد أشخاص يدعون أنهم يقدمون المساعدات، ولكن في الواقع يقومون بجمع الأموال لأغراض شخصية. على سبيل المثال، هناك من يطلبون تصوير توزيع المساعدات مقابل إعطاء جزء صغير منها للمتضررين. وبعد التحقيق، تبين أن معظم هذه المبادرات كانت وهمية، واستغلها بعض الأشخاص لجمع الأموال دون أن تصل إلى المحتاجين فعليًا.
رغم كل هذه التحديات، أشار المصري إلى أنه تمكن من جمع حوالي 36 ألف دولار، وتم توفير 332 خيمة بقيمة تتراوح بين 320 إلى 400 دولار لكل خيمة، بالإضافة إلى بناء 320 دورة مياه بتكلفة تقريبية 700 شيقل لكل دورة مياه، منوهاً إلى أنه هذه الأموال جمعت من الأصدقاء والمحبين خارج قطاع غزة الذين يثقون في المنظمات والأفراد والذين يعملون في المجال الإنساني حيث ساعدت العملات الرقمية مثل عملة “البيتكوين” في تسهيل هذه العمليات.
أما بالنسبة لاختيار المستفيدين، فيوضح المصري أنه يكون من الأشخاص الذين يعملون بالميدان، فمثلا اليوم نختار منطقة وغداً نختار منطقة أخرى، وبالنسبة للخيام كان يوجد تسجيل مسبق، ولكن لم نستطع السيطرة فأصبحنا نسلم كل مخيم خمسين خيمة وعدد المستفيدين المقدر من الذين استفادوا من الطعام والخيام والتوزيعات النقدية يتجاوز عددهم 200 ألف تقريباً لأن التوزيع كان شبه يومي، وكانت الأولوية لتوزيع الطعام وعمل التكيات.
وأشار المصري إلى كل من يشارك فى جمع التبرعات لمساعدة النازحين في غزة يضع نفسه فى موضع المساءلة والمحاسبة طالما أنها تصدر للناس وجمع التبرعات باسم أهلنا فى غزة، مؤكداً أنه من حق الناس أن يسألوه عن كيفية استخدام تلك الأموال التى جمعها باسمهم.
وأكد المصري أن الشفافية والمصداقية في توزيع المساعدات هي الأساس لضمان وصولها إلى المستحقين. ويقول”بينما هناك من يسعى للاستفادة الشخصية، هناك أيضًا العديد من الجهود المخلصة التي تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة”.
من جهته، أوضح الناشط أكرم من شمال غزة أن فريقه يواصل تقديم مساعدات إنسانية متنوعة لأهالي غزة بفضل التبرعات الفردية التي لا تتجاوز(10) آلاف دولار شهريًا. تشمل المساعدات الطرود الغذائية، وتوزيع الأموال، وسلال الخضار، وتعبئة المياه للنازحين.حيث يتم اختيار المستفيدين عبر إدارة مراكز الإيواء، حسب الاحتياجات الخاصة بكل حالة.
يوسف من غزة: بين أمل الهجرة ومعاناة الحصار
يوسف، شاب من غزة، لجأ إلى منصة جمع التبرعات عبر الإنترنت (GoFundMe) لدعم عائلته وتلبية احتياجاتهم الأساسية بعد انقطاع راتبه بسبب الحرب. إصابته منعته من العمل، وحتى الآن جمع حوالي 20 دولارًا فقط. كان يأمل في السفر مع عائلته، لكن إغلاق المعابر حال دون ذلك.
قبل اللجوء إلى منصة التبرعات، تلقى يوسف مساعدات من جمعيات خيرية مثل جمعية “السلام الخيرية” و”أصدقاء المريض”. رحلته للعلاج في الضفة الغربية كانت ممكنة بفضل مناشدة نشرها على “فيسبوك” ووصلت للرئيس محمود عباس، ما مكنه من السفر للعلاج والعودة إلى غزة قبل الحرب.
يوسف يأمل في الهجرة من غزة للعيش بكرامة وحرية، حيث يعاني من الاكتئاب نتيجة الظروف التي عاشها. قصته تعكس معاناة الكثيرين في غزة الباحثين عن وسائل للبقاء على قيد الحياة في ظل الظروف الصعبة.
نداء إنساني: غزة تحت وطأة الفقر والحرمان
في لفتة محزنة ومؤلمة، خرجت امرأة من غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تناشد العالم لتقديم المساعدة. تحدثت تلك المرأة بمرارة عن المعاناة التي تعيشها بعد استشهاد زوجها وأطفالها الأربعة، وطالبت من لديه القدرة على مساعدتها ألا يتأخر. لكن بدلاً من التعاطف والدعم، تعرضت لانتقادات من بعض الناس الذين وصفوها بأنها “متسولة” واتهموها بأنها تفتقر للكرامة وتستغل الحرب لجمع التبرعات.
تدخل شاب من غزة رداً على تلك التعليقات، معرباً عن دعمه واحترامه لتلك المرأة، قائلاً: “يا إخوان، المرأة التي هاجمتموها فقدت كل شيء. أنا شخص كنت أتبرع للفقراء، والآن أعيش في خيمة بلا ماء أو أدنى مقومات للحياة. الوضع في غزة لا يمكن تصوره، ونحن نعاني منذ عشرة شهور”.
هذا الشاب لم يكن يبالغ في وصفه للمعاناة التي يعيشها أهل غزة، بل أكد على ضرورة التفهم والتعاطف مع هذه الحالات. فاليوم المعاناة في غزة، وغداً قد تكون في أي مكان آخر، وعلينا أن نكون مستعدين لتقديم العون والدعم لمن يحتاجه.
دعم وتعاون لمواجهة التحديات الإنسانية في غزة
في ظل التحديات الإنسانية في غزة، تبرز مؤسسة “بيتنا” الشبابي بدورها الحيوي في تقديم المساعدات للفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك النازحين، والعائلات الفقيرة، والأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء والأطفال، والجرحى. تعتمد المؤسسة على تبرعات الأفراد، والمنح، والشراكات، وبرامج الإيرادات الذاتية لتمويل أنشطتها.
تُطلق المؤسسة حملات تبرع طارئة لتلبية الاحتياجات الفورية في حالات الأزمات. ورغم وجود التحديات مثل استمرار القصف وانقطاع التيار الكهربائي، تلتزم المؤسسة بالشفافية والمساءلة لضمان وصول التبرعات لمستحقيها.
بالتعاون مع منظمات مثل “الأونروا” والصليب الأحمر، تسعى مؤسسة “بيتنا الشبابي” لتوسيع نطاق مساعداتها وتعزيز المشاريع التنموية، تمكين الشباب، ودعم المرأة.
استجابة لحالات صعبة
“أ.ق”، مواطنة في الضفة تبلغ من العمر(35) عامًا، تلقت طلبًا ملحًا للمساعدة من أسر متضررة فقدت منازلها، ووجدت أفرادها مشردين في الشوارع والمدارس دون أي وسائل للراحة الأساسية. وفي استجابة سريعة لهذا النداء الإنساني، قررت المرأة التبرع بمبلغ مالي وتسليمه إلى شخص في رام الله عبر تاجر.
وتحدثت “أ.ق” عن تجربتها، قائلة: “لم أواجه صعوبة في إرسال المساعدة إلى الشخص في رام الله، وتم التأكد من وصول المبلغ بعد يومين بفضل الله. توكلت على الله وأخبرت الشخص المستلم أننا نقدم المساعدة بنية الإحسان، ولم أتعاون مع منظمات خيرية بل اخترت التواصل مع أشخاص أعرفهم شخصيًا”.
وأوضحت “أ.ق” موقفها من التعامل مع المنظمات الخيرية قائلة: “أنا لست من المؤمنين بقدرة المنظمات على تسليم المساعدات بشكل فعّال للمستحقين، بل أرى أن التواصل المباشر مع الأشخاص المحتاجين يضمن وصول المساعدات بشكل آمن.
وأضافت”بمجرد وصول المبلغ إلى غزة، تلقيت تأكيدًا مباشرًا من المستفيد الذي أكد وصول الدعم بنجاح”، مشيرة إلى أنها تبرعت مرة واحدة فقط، ولم تكن تتوقع أن يتم توزيع الدعم على أكثر من عائلة واحدة.
وتعبر “أ.ق” عن تجربتها الشخصية وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الأسر المتضررة في الحصول على المساعدات الضرورية، مؤكدة على أهمية التواصل المباشر لضمان وصول الدعم لمن يستحقه.
تحديات لوجستية .. وإجراءات أمنية
( خ.أ)، مواطنة تجاوزت الخمسين عاماً، تسلط الضوء على تجاربها في تقديم المساعدات المالية لأسر غزة المتضررة، ومواجهة التحديات التي تعترض سبيلها.
تروي (خ.أ) قصتها مع تقديم التبرعات، مشيرة إلى أنها أودعت عدة مبالغ في حساب أخيها الموظف بعد جمعها من شقيق لها في كندا، ومن عدة أقارب وأصدقاء.
وتنوه إلى أنها بدأت تستخدم خدمات “ويسترن يونيون” للتحويلات المالية، ومع ذلك، واجهت صعوبات في تحويل الأموال إلى أشخاص آخرين غير شقيقها، منوهة إلى أن الجهات المختصة لم تكن تقبل بذلك بل تشترط أن يكون من أقارب الدرجة الأولى، مع وجود محددات هو سقف المبالغ المحددة.
وتضيف”حينما كنا نريد أن نحول مبالغ مالية كبيرة، كانت الجهات المختصة تتصل بالأجهزة الأمنية للحصول على إذن. وبعد التأكد من صلة القرابة بيني وبين المستلم، كانوا يعطوننا الموافقة، ومع ذلك، كان التحويل بمبالغ كبيرة محظوراً، ما أضاف مزيداً من التعقيدات”.
وتوضح أنها اصطدمت وقت عيد الأضحى بعقبات لوجستية تمثلت بغلاء الأضاحي ما حال دون شراء الكميات اللازمة كون أن مبلغا قيمته 1400 دولار كان يكفي فقط لشراء أضحية واحدة، بسبب الغلاء الذي ترافق مع نقص العرض، لذا تم العدول عن فكرة شراء الأضاحي بتقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر المحتاجة.
وتضيف أنها تعرضت إلى استجواب من البنك حول مصدر مال تم تحويله لها من قبل شقيقها في كندا، وكذلك سبب التحويل إلى غزة رغم أنها لم تكن سوى مبالغ صغيرة. وتتابع “أخبروني أنه إذا استمريت في تحويل تلك الأموال إلى غزة على هذا النحو سأتعرض للمساءلة”.
وتبين أنها لجأت إلى بعض التطبيقات المتعلقة بالتحويلات المالية عبر الهواتف الخلوية، لكنها فوجئت لاحقاً بعد أيام من تفعيل الخدمة بقرار إلغائها من قبل الشركة، معتقدة أن هناك تعليمات بمنع تحويل الأموال إلى أهالي غزة، ما دفعها إلى إلغاء مشروع الدعم بالكامل.
ونوهت إلى أنه يوجد البعض يعتمد على تقديم المساعدات عن طريق مؤسسات، ويحتاج المرء إلى التأكد من مصداقيتها قبل التعامل معها، لكن البعض الآخر يفضل تقديم المساعدات عن طريق التواصل مباشرة مع أشخاص متضررين، كونهم يثقون بانها الطريقة الأكثر مصداقية لوصول المساعدات.
التحويلات عبر البنوك تحت الرقابة
في معرض ردها على الإجراءات المتخذة بخصوص آليات تنفيذ الحوالات المصرفية، أكدت سلطة النقد أن كل البنوك تخضع لرقابتها وأن الحوالات المالية التي تكون من خلال البنوك يمكن متابعتها إن كانت حملات مشبوهة أم لا.
وقالت سلطة النقد إن وحدة النظام المصرفي الفلسطيني تقوم بالرقابة على جميع الفروع المصرفية التي تخضع لنفس الإجراءات الرقابية والممارسات الدولية، ما يساهم في تسهيل الحوالات المالية ويعزز من مكانة النظام المصرفي الفلسطيني عالمياً.
وأوضحت سلطة النقد أن المصارف الفلسطينية ملتزمة بالممارسات الدولية الفضلى في مجال الامتثال المصرفي، ما ساهم في دمجها في النظام المصرفي الدولي وتسهيل حركة الأموال من فلسطين وإليها.
مخاوف التعرض للاحتيال
في ظل الجهود المستمرة لدعم سكان غزة، تبرز مخاوف واحتمالات التعرض للاحتيال. تقول (خ.أ)”على الرغم من أنني شخصيًا لم أسمع عن حالات نصب محددة، ولم أتفاعل كثيرًا مع الآخرين لأعرف تفاصيل دقيقة، فإن هذه المخاوف تبقى واردة”، مشيرة إلى أن أهلها حذروها مرارًا من وجود أشخاص قد يتلقون الأموال المخصصة للمساعدات ولا يوصلونها إلى مستحقيها.
الشرطة: رصدنا حملات تبرعات وهمية
من جانبها، أفادت الشرطة الفلسطينية على لسان المتحدث باسمها العقيد لؤي ارزيقات أن الشرطة رصدت العديد من الحملات المشبوهة تحمل اسماء امراء خليجيين وفنانين ومشهورين لجمع التبرعات لصالح غزة ولغيرها من حملات ذات عناوين مختلفة بهدف الاستفادة الشخصية والنصب والاحتيال وأخرى لأهداف مختلفة منها جمع معلومات الفئات المستهدفة من هذه الحملات.
وأكد ارزيقات أن دائرة الجرائم الالكترونية تتابع هذه القضايا وتعمل على ملاحقة الحملات المشبوهة وما يقدم لها من بلاغات للوصول إلى القائمين عليها واتخاذ المقتضى القانوني بحقهم.
ووجه الناطق باسم الشرطة رسالة للمواطنين بأخذ الحيطة والحذر وعدم الإدلاء بأية معلومات شخصية قد تستخدم للإضرار بهم . وأضاف أن الشرطة تقدم باستمرار النشرات والفيديوهات التوعوية بما يخص هذا الموضوع.
وفيما يخص الاجراءات القانونية، أشار ارزيقات إلى أنالتحقيقات تقدم للنيابة صاحبة الاختصاص ثم المحكمة لإصدار الأحكام.
ماذا يقول القانون؟
نص المشرع الفلسطيني في المادة (12) القرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) بشأن الجرائم الالكترونية بأنه:
- كل من حاز بغرض الاستخدام جهازاً أو برنامجاً أو أي بيانات إلكترونية معدة، أو كلمة سر، أو ترميز دخول او قدمها او انتجها او وزعها او استوردها او صدرها او روج لها وذلك بغرض اقتراف أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القرار بقانون يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن تلاته الالف دينار أردني ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً.
- كل من زور وسيلة تعامل إلكترونية بأي وسيلة كانت، أو صنع أو حاز بدون ترخيص أجهزة أو مواد تستخدم في إصدار أو تزوير بطاقة التعامل الإلكتروني، يعاقب بالعقوبة ذاتها المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة.
- كل من استخدم أو سهل استخدام وسيلة تعامل إلكترونية مزورة مع علمه بذلك أو قبل وسيلة تعامل إلكترونية غير سارية أو مزورة أو مسروقة مع علمه بذلك، يعاقب بالعقوبة ذاتها المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة.
- إذا تم ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في أحكام هذه المادة بقصد الحصول على أموال أو بيانات غيره أو ما تتيحه من خدمات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين.
- كل من استولى لنفسه أو لغيره على مال الغير بموجب الأحكام الواردة في هذه المادة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين.
“الأوقاف”: رقابة مشددة لضمان النزاهة
تؤكد وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التزامها بدورها الديني والوطني والإنساني في مساندة أبناء شعبها في مختلف الظروف. وتقول الوزارة في ردها على عدد من الاستفسارات إن حملات التبرعات التي تنظمها الوزارة شهادةً حيةً على روح التكافل والتعاون التي تسود المجتمع الفلسطيني، وحرصه على مساعدة المحتاجين في كل مكان.
وأكدت الوزارة على دورها في متابعة الحملات من خلال الأطر القانونية والتعاون مع المؤسسات ذات الاختصاص، وخاصة وزارة الداخلية لإيصال المساعدات مع وزارة التنمية الاجتماعية لضمان وصولها إلى مستحقيها بشكل عادل.ونوهت الوزارة إلى أنها تتخذ القرارات بشأن هذه الحملات بالتشاور بين المستوى السياسي وإدارة الوزارة، وتدير الوزارة الأموال عبر ذراع إغاثي يُحوِّلها للجهات المختصة، لمراقبة إيصال المساعدات وضمان نزاهتها.
وأكدت الوزارة أنها تشكل لجانًا لإدارة الحملات تتضمن وكيل الوزارة ومسؤولين من المالية والقانونية والزكاة والرقابة الداخلية التي تُعد تقارير ختامية تُنشر للرأي العام، لافتاً إلى أن الوزارة تخضع لرقابة ديوان الرقابة المالية والإدارية.
“التنمية الاجتماعية”: ضوابط وشروط لضمان سلامة حملات التبرع
حسب وزاره التنمية الاجتماعية الشروط الواجب توافرها لتنفيذ حملات التبرع لقطاع غزه يقع في الدرجة الأولى على المتبرع، فمن الضروري الحصول على سندات قبض رسمية والتأكد من انها تحمل ختم حسب الأصول.
تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على التحري عن قانونيه الجهات القائمة على هذه الحملات بالتعاون مع الجهات المختصة، بالإضافة الى متابعه عمليات ايصال التبرعات والمساعدات العينية أو المادية بالاتفاق مع الوزارات ذات الاختصاص وخاصة وزاره الداخلية الفلسطينية.
وبما يخص حملات التبرع المشبوهة أو غير القانونية تحال إلى الجهات المختصة لاتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة بحقها.
وتنصح وزارة التنمية الاجتماعية المواطنين الراغبين القيام بالتبرعات للتحقق قبل التبرع إلى جهة معينه، وذلك لضمان حقوق المواطنين من عمليات النصب والاحتيال.
خلاصة:
يظل موضوع جمع التبرعات إلى قطاع غزة موضوعاً مثيراً للجدل، فبينما تزداد الحاجة الإنسانية لإغاثة المنكوبين، فإن التوعية بضرورة اختيار الطريقة السليمة لتحويل المساعدات مسألة مهمة، كي لا يقع الراغبون في تقديم الخير في شرك من استغل الحالة القائمة للاحتيال، كما لا بدّ من الأخذ بتوصيات الجهات الرقابية والرسمية باتباع الإجراءات اللازمة عند اتخاذ قرار بتقديم يد العون، لضمان وصول المستحقات إلى المستفيدين عبر التأكد من قانونية ومصداقية الجهة التي تقوم بجمع التبرعات.