الرئيسيةتحقيقاتالأزمة المالية للسلطة الوطنية..تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: خزينة مثقلة بالديون

الأزمة المالية للسلطة الوطنية..تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: خزينة مثقلة بالديون

*500% نسبة التراجع في المساعدات الخارجية بين عامي 2013 و2023

*حجم القرصنة الاسرائيلية على أموال المقاصة زاد عن 6 مليارات شيقل

 *الايرادات زادت بنسبة 46% خلال عشر سنوات لكن حجم زيادة النفقات التهم نسبة النمو

* فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب تضخمت بنسبة 37% خلال 10 سنوات رغم تراجع المساعدات والاقتطاعات الاسرائيلية

*اتهامات بـ”سوء في إدارة المال العام” …ومسؤولون حاليون وسابقون يرفضون التعقيب

 

إعداد الطلبة:  مؤيد دبس  ومحمود قنديل ويحيى الطويل

إشراف الأستاذ: أيهم أبو غوش 

  حينما تسلمت الحكومة الفلسطينية الـ19 برئاسة الدكتور محمد مصطفى مهامها في شهر آذار الماضي، أعلنت أنها ورثت وضعاً مالياً ثقيلاً وصلت معها حجم المديونية العامة إلى 11 مليار دولار، فسارع مسؤولون سابقون إلى نفي أن تكون حجم المديونية قد وصلت إلى هذا المبلغ، مستندين إلى قانون الدين العام الذي يعرف المديونية بأنها تنحصر فيما حصلت عليه الحكومة من قروض داخلية وخارجية، أي دون الـ5 مليارات دولار.

وأياً كان الخلاف حول حجم الدين العام فإن الحقيقة المرة تتمثل بأن الخزينة العامة للسلطة الوطنية باتت مفرغة، بل إن الحكومة باتت عاجزة عن الايفاء بمختلف التزاماتها، وخاصة تراكم مستحقات الموظفين وديون القطاع الخاص وصندوق التقاعد، ما جعل الحكومة مكبلة مالياً وسط هامش مالي يتقلص يوماً بعد يوم.

الأزمة المالية المتفاقمة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي أزمة متراكمة ومتشعبة نتيجة أربعة أسباب رئيسية: الأول هو تراجع المساعدات الاجنبية للخزينة العامة، وثانيها الاقتطاعات الاسرائيلية من أموال المقاصة، وثالثها نمو النفقات وبخاصة في فاتورة الرواتب والأجور، والرابعة هي تراجع قيمة عائدات الضرائب بعد أحداث 7 أكتوبر.

تراجع المساعدات

منذ تأسيس السلطة الوطنية عام 1994، بنيت ايرادات الخزينة العامة الفلسطينية على ثلاثة روافد أساسية وهي: الضرائب غير المباشرة والتي تعرف اصطلاحاً بضريبة المقاصة التي تمثل مجموعة من الضرائب على السلع المباشرة التي يستوردها الفلسطينيون من الخارج ومن اسرائيل، وكانت تمثل 50% من الايرادات، والرافد الثاني الضرائب المباشرة والرسوم التي تجبيها السلطة الفلسطينية مثل ضريبة الدخل وكانت تشكل 30% من حجم الايرادات، والرافد الثالث المساعدات الخارجية وكانت تمثل 20% من الايرادات، وتتراوح قيمتها السنوية بنحو مليار دولار سنوياً.

منذ عام 2013، بدأت المساعدات المقدمة للسلطة الوطنية تتراجع رويداً رويداً، إذ تظهر البيانات المتوفرة لدى وزارة المالية في عام 2013 إلى أن حجم المساعدات وصل إلى 5.1 مليار شيقل منها 4 مليارات شيقل دعم مباشر للخزينة العامة، بينما وصلت المساعدات في عام 2023  إلى نحو 1.5 مليار شيقل بينها 824 مليون شيقل للخزينة العامة، أي أن نسبة التراجع في المساعدات وصلت إلى نحو 500% خلال 10 سنوات، ما يعني من الناحية العملية تراجع أحد الروافد الأساسية للخزينة العامة.

وأوضح الائتلاف من أجل النزاهة “أمان” في تقارير له إلى أن أحد أسباب الأزمة المالية  هو الابتزاز المالي والسياسي التي تمارسه الدول المانحة على السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي قلص هذه المساعدات إلى مستوى غير مسبوق خلال الأعوام الأخيرة.

ويرجع الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة أسباب تراجع المساعدات الأجنبية إلى حدوث تغييرات في أولويات الأجندة الدولية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت الاتحاد الأوروبي لدفع أموال طائلة  لأوكرانيا واختلاق الأعذار لعدم تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى محاولة فرض شروط سياساتية وأجندته على السلطة الفلسطينية.

كما أوقفت الولايات المتحدة عام 2018 الدعم الأمريكي للخزينة العامة الفلسطينية بشكل كامل بعد إصدار قانون يدعى (تايلر فورس) بعد مقتل مواطن أمريكي في فلسطين في ذلك العام سمي القانون على اسمه كعقاب للسلطة الفلسطينية.

يقول  الوزير السابق، شوقي العيسة والذي شغل منصب وزير في ثلاث وزارات (التنمية الاجتماعية وشؤون الأسرى والزراعة إن من أهم أسباب الأزمة المالية الخارجية  تتمثل كون السلطة الوطنية قائمة تحت ظل احتلال لا يحترم أية اتفاقات ولا قوانين دولية، فذلك بحد ذاته سبب رئيسي لتقويض أي فرص للتنمية والازدهار والتطوير، إضافة إلى الابتزاز المالي والسياسي الذي تمارسه الدول المانحة وتحديداً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مقابل المساعدات، وهذه السياسة تأتي ضمن خطة ممنهجة لتقويض حل الدولتين.

A Palestinian man counts stacks of banknotes at a currency exchange counter in the West Bank city of Ramallah on October 5, 2021. – Palestinian businesses flush with too much Israeli cash, much of it brought in by the tens of thousands of Palestinians who work inside Israel or Jewish settlements in the West Bank, but experts say the buildup of hard currency risks stifling the Palestian financial system. (Photo by ABBAS MOMANI / AFP) (Photo by ABBAS MOMANI/AFP via Getty Images)

زيادة في قيمة الضرائب تتآكل بسبب تضخم الرواتب

سجل الأداء المالي للسلطة الوطنية خلال السنوات العشر الأخيرة تحسناً ملحوظاً في قيمة الايرادات المحلية وتحديداً في قيمة ضريبة المقاصة التي باتت تشكل 65% من حجم الايرادات، لتسد جزءاً من الثغرة التي أحدثها تراجع المساعدات الأجنبية.

إذ  بلغ إجمالي الايرادات على أساس نقدي في نهاية العام 2013  نحو  8.63 مليار شيقل، بينما بلغ إجمالي الايرادات في نهاية العام 2023 مبلغ 15.98 مليار شيقل وذلك ارتفاع بمعدل 46%، إذ ارتفعت قيمة ضريبة المقاصة وحدها بنسبة 39% صعوداً من نحو 6 مليارات شيقل في عام 2013 إلى 10 مليارات شيقل في عام 2023، ولكن السؤال طالما أن  حجم الإيرادات ارتفع فلماذا هذه الأزمة؟

تظهر البيانات المالية أن حجم النفقات خلال السنوات العشر الأخيرة ارتفعت بمعدل 27% على أساس التزام، صعوداً من 13.35 مليار شيقل في عام 2013 إلى 18.34 مليار شقل في عام 2023. ويتمثل جلّ الارتفاع في تضخم فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب بنسبة 37% خلال 10 سنوات، ارتفاعا من نحو 700 مليون شيقل في عام 2013 إلى نحو 1.1 مليار شيقل في عام 2023.

يقول الخبير الاقتصادي د. مؤيد عفانة: “إن الأزمة المالية ليست وليدة اللحظة، بل هي أزمه بنيوية هيكلية تقع مسؤوليتها على عاتق عدة حكومات، بدءاً بحكومة سلام فياض وصولاً إلى حكومة محمد مصطفى”.

وأوضح عفانة أن ارتفاع الإيرادات خلال السنوات العشر الأخيرة أمر طبيعي يعود لزيادة العدد السكاني وازدياد الثقافة الاستهلاكية، وتوفر السيولة في الأسواق قبل السابع من أكتوبر.

أما عن ارتفاع حجم النفقات وبخاصة فاتورة الرواتب والأجور فعزاها عفانة إلى عدة عوامل تتلخص بـما يلي:

– مطالبات النقابات المختلفة بالعلاوات، فعلى سبيل المثال نتيجة لإضرابات الأطباء تم رفع رواتبهم بمعدل 20% والمعلمون 10%، أما المهندسون فحصلوا على علاوة بنسبة 120%.

– نظام الترقيات التلقائية في المؤسسات العسكرية، فهو بدوره أيضاً أنهك ميزانية السلطة بسبب كثرة الرتب العالية وما تتطلبه من رفع في معدلات الرواتب.

علماً أن غالبية هذه العلاوات تعتبر إلزامية على السلطة الفلسطينية بحكم القانون الفلسطيني.

–  تضخم أعداد الموظفين التي بلغت 180 ألف موظف.

قرصنة اسرائيلية على أموال المقاصة

منذ عام 2019، أقر الكنيست الاسرائيلي قانوناً يقضي باقتطاع مبالغ من ضريبة المقاصة تعادل قيمة ما تصرفه السلطة الوطنية من رواتب للأسرى والجرحى وأسر الشهداء والتي تصل إلى قرابة 52 مليون شيقل شهرياً.

 ومنذ 7 أكتوبر الماضي فرضت سلطات الاحتلال خصومات إضافية تصل إلى قرابة 230 مليون شيقل شهرياً وهي مخصصات رواتب موظفي السلطة الوطنية في قطاع غزة، ليزيد حجم القرصنة على أموال المقاصة من عمق الأزمة، خاصة أن حجم الاقتطاعات شهرياً وصل إلى قرابة 280 مليون شيقل أي بمعدل نحو 30% من حجم المقاصة في معدلاتها الطبيعية وهي نحو مليار شيقل شهرياً، لكنها بطبيعة الحال لم تعد تتجاوز قيمتها النهائية 700 مليون شيقل مع تراجع الدورة الاقتصادية بعد اندلاع الحرب بسبب تأثر عمليات الاستيراد نتيجة تراجع معدلات الاستهلاك الناجمة عن ارتفاع نسبة البطالة وتراجع مبيعات المنشآت. وبالمجمل فإن حجم القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية زاد عن 6 مليارات شيقل وهي توازي تقريباً مستحقات موظفي القطاع العام على الحكومة.

وأشار الائتلاف من أجل النزاهة “أمان” في عدة تقارير كان آخرها في كانون الأول عام 2023 إلى أن المسؤول الأول عن تفشي الأزمة المالية الفلسطينية هو الاحتلال الإسرائيلي من خلال قرصنة أموال المقاصة الفلسطينية، والحروب الهمجية المتتالية على قطاع غزة وآخرها حرب الإبادة الجماعية بعد السابع من أكتوبر، إضافة إلى الاجتياحات المتتالية لمدن الضفة الغربية وحصارها وتقطيع أوصالها والسيطرة على مفاصل اقتصادها بهدف تقويض السلطة الفلسطينية سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

من جهته، أشار الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي جعفر صدقة، إلى أن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية هيكلية ومستمرة منذ تأسيسها، ويرجع سببها الرئيسي إلى بروتوكول باريس الاقتصادي الذي منح إسرائيل سيطرة على جمع الجمارك العائدة للسلطة والتي تشكل 65% من إيراداتها.

دين ثقيل ولا أفق قريب للسداد

لم تعد السلطة الفلسطينية نتيجة هذا الأزمة قادرة على تسديد كامل التزاماتها منذ قرابة 4 سنوات، وإن كان الأمر قد تفاقم بشكل ملحوظ منذ أحداث 7 أكتوبر.

تفاصيل هذه الالتزامات المترتبة على الحكومة استناداً إلى البيانات الرسمية، بالإضافة إلى متابعين لتفاصيل الموازنة العامة والتي يتضح من خلالها أن مجموع الديون المتراكمة على الحكومة لا تقل بأي حال من الأحوال عن (9) مليارات دولار، وهي على النحو الآتي:

أولا: ديون متراكمة لصالح صندوق هيئة التقاعد والمعاشات: هذه الديون متراكمة ومعقدة ومتداخلة وحتى قيمتها محل جدل وخلاف كبيرين، لكن الحكومة تقر بثلاثة مليارات دولار(الرقم قد يكون أكبر من ذلك)، وهي ديون ناجمة عن ثلاثة مسارات مختلفة، الأول عدم تحويل الحكومة (لفترات متقطعة) لمساهمة الموظف في صندوق التقاعد والبالغة نحو  10%.(كانت تدفع بطريقة غير منتظمة ولم تسدد بالكامل)، والثاني مساهمة الحكومة في صندوق التقاعد والبالغة 12% من نسبة الراتب (أيضاً تدفع على فترات متقطعة وبطريقة غير منتظمة ولم تسدد بالكامل)، والمسار الثالث أموال اقترضتها الحكومة منذ  فترات طويلة وعلى عدة دفعات من صندوق هيئة التقاعد والمعاشات على شكل قروض لم تسدد بالكامل أيضاً.

البيانات المتوفرة لدى صندوق هيئة التقاعد والمعاشات تشير إلى أن عدد المتقاعدين الذين يتلقون رواتب تقاعدية بلغ الـ 70 ألف متقاعد، بفاتورة مقدارها  200 مليون شيقل شهرياً.

وكمؤشر على عمق الأزمة في هذا الموضوع بلغت قيمة المساهمات الاجتماعية المخصصة في الموازنة العامة في العام 2023 على أساس التزام 818 مليون شيقل، بينما سددت الحكومة نقداً 1.106 مليار شيقل أي بنسبة 129% من الالتزام، وهذا يشير إلى تدخل طارئ (رغم الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية)  نظراً للوضع المالي المتفاقم في هيئة صندوق التقاعد والمعاشات.

ثانيا: مستحقات الموظفين المتأخرة: تراكمت التزامات على الحكومة في بند الرواتب بمعدل 6 رواتب حتى نهاية نيسان الماضي، وبلغت قيمة التراكمات أكثر من مليار دولار حتى قبل شهرين، لكن المبلغ حسب تقديرات مراقبين تجاوز ذلك خلال الشهور الأخيرة.

ثالثاً: مستحقات القطاع الخاص: كي تضح الصورة أكثر نشير إلى أن النظام المالي في وزارة المالية يمر عبر ثلاثة مراحل: “ساين1″، و”ساين2” و”ساين3″، الأولى تتعلق بتقديم المعاملة المالية، والثانية يتم تجهيزها للمدقق المالي للصرف، والثالثة تكون جاهزة بشكلها النهائي للصرف.

الاختلاف حول المبلغ المستحق لصالح القطاع الخاص يتعلق باعتماد المبالغ حسب مرور المعاملات في مرحلتيها الثانية أو الثالثة، وكذلك يتعلق باعتماد أذونات دفع مؤجلة سواء استحقت أم لم تستحق، ولكن بالمحصلة تقر الحكومة بأن مستحقات القطاع الخاص لا تقل عن 1.3 مليار دولار حتى شهر نيسان الماضي.

بالمحصلة، فإنه باحتساب الدين العام حسب القانون، وباحتساب الاستحقاقات المترتبة على الحكومة فإن إجمالي الالتزامات المستحقة لن تقل بأي حال من الأحوال عن (9) مليارات دولار، فيما قالت الحكومة الحالية في بياناتها بأن قيمة الدين بلغت (11) مليار دولار.

الغريق يتمسك بقشة

مع وصول السلطة الفلسطينية إلى حافة الإفلاس، باشرت البحث عن “قشة” تتمسك بها، لذا جاء الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لتقديم منحة وقرض بقيمة 400 مليون يورو تقدم على ثلاثة دفعات خلال الفترة بين تموز وأيلول مقابل فرض شروط من الاتحاد الأوروبي سرب بعضها وأن لم تتضح الصورة كاملة.

 وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه قرر تقديم منحة بقيمة 400 مليون يورو للسلطة الفلسطينية، تصرف على ثلاث دفعات خلال الفترة من تموز حتى أيلول، بناء على التقدم المحرز في تنفيذ أجندة الإصلاحات التي ستجريها السلطة، بما يتوافق مع شروط الاتحاد الأوروبي لتقديمها.

ويقول شادي عثمان، الناطق باسم المفوضية الأوروبية في فلسطين إن هذه الإصلاحات تتعلق بتعزيز أنظمة الحوكمة والشفافية في الموازنات ومكافحة الفساد والترشيد من النفقات والتقليص من الحوالات الطبية للخارج والالتزام بسن التقاعد (60 عاما) وغيرها.

ورغم ذلك اتضح من ورقة مسربة حول المطالبات المقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى أن السلطة الفلسطينية تلتزم مقابلها بإعداد خطة لإصلاح التعليم وتحديث المناهج الدراسية الفلسطينية.

وأوضح عثمان أن هذا البند يأتي ضمن معايير خاصة تضعها الدول المانحة وفقاً للمعايير التعليمية المتفق عليها دولياً.

كما تضمنت الشروط التزام السلطة الفلسطينية بعدم تمويل أية كيانات غير معترف بها دولياً أو مصنفة ككيانات “إرهابية” بحسب معايير الاتحاد.

اتهامات بـ”سوء في إدارة المال”

رغم أن غالبية الأسباب في تفاقم الأزمة المالية يعود لأسباب خارجية، غير أن المختصين لا يتحفظون عن القول بوجود “سوء في إدارة المال العام”.

يوضح تقرير للائتلاف من أجل النزاهة “أمان” إن أحد الأسباب التي لا يمكن إغفالها للأزمة المالية المتفاقمة هو الفساد المالي والإداري من حيث المحسوبيات في التوظيف وهدر واستغلال المال العام من خلال ارتفاع النفقات غير الضرورية والفائض في فواتير الأجور بسبب فائض التوظيف في الداخل وفي السفارات الفلسطينية في الخارج، وزيادة النثريات والامتيازات التي يحظى بها بعض المسؤولين.

وسلطت تقارير الضوء إلى افتقار مؤسسات السلطة الفلسطينية للتخطيط المالي طويل الأمد، واعتماد الحكومة بشكل كبير على الحلول المؤقتة لسد العجز في الميزانية، وكذلك إلى افتقار سياسة الإنفاق الحكومي للتوازن، حيث يتم تخصيص مبالغ كبيرة لقطاعات غير إنتاجية، في الوقت الذي يتم فيه تهميش قطاعات حيوية كالتعليم والصحة الأمر الذي اعتبره “أمان” سوءاً في إدارة المال العام.

ويتفق الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة مع الآراء القائلة بأن هناك سوءاً  في إدارة المال العام  والمحسوبيات في التوظيف دون كفاءات، الأمر الذي أدى إلى هدر للمال العام.

كما يؤكد الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي جعفر صدقة أن هنالك عوامل داخلية للأزمة المالية كهدر المال العام والنفقات غير الضرورية إلا أن تأثيرها يعتبر محدوداً إذا ما قورن بالعوامل السياسية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

ويلفت العيسة إلى أن هنالك أيضاً مسببات داخلية للأزمة تستوجب الوقوف عندها، ويمكن تلخيصها بغياب التخطيط السليم والدراسات البناءة إلى جانب الفساد وسوء الإدارة، وهدر المال العام.

وأضاف العيسة”أن هيكلية السلطة منهكة بسبب (تخمة) التوظيف بغير كفاءة، ونتيجة لذلك فإن جميع الخطط الموضوعة لتخطي الأزمة من قبل العديد من الوزارات غير مقنعة وليست علمية وغير مدروسة، فهي موضوعة من قبل اشخاص غير أكفاء ولا يتم إشراك الخبراء فيها”.

وأشار العيسة إلى أن تعطيل المجلس التشريعي وتغييب المؤسسات الرقابية عن موازنات السلطة وإيراداتها ومصاريفها وغياب المساءلة والشفافية أدت إلى تفشي الفساد بشكل ملحوظ، فالمؤسسات الرقابية لا تؤدي واجباتها على أكمل وجه.

بدوره، أوضح عثمان أن مطالبات الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية بإجراء بعض الإصلاحات لا تعني اتهاماً بوجود فساد أو سوء إدارة بل هي تهدف أولاً لإنقاذ السلطة من الأزمة التي تعاني منها، ولتحديد معايير إدارية تتوافق مع تطلعات ورؤية الدول المانحة لمستقبل أفضل للسلطة الفلسطينية، كما أن الدول المانحة من حقها أن تحدد مصبات أموالها ومعرفة وجهاتها الحقيقة بما يخدم مصالحها ومصالح الشعب الفلسطيني.

من جهته، أكد د سامر أبو قرع، مدير عام الرقابة على قطاع الخدمات حرص ديوان  الرقابة المالية والإدارية على الكشف عن أية إساءة  للائتمان أو سوء إدارة للمال العام أو استغلال للمناصب، موضحاً أن الديوان يقوم بتحويل أي شبهات فساد يتم اكتشافها خلال عمليات التدقيق إلى هيئة مكافحة الفساد، التي تتولى متابعة إجراءات التحقيق اللازمة وتحويلها إلى الجهات القضائية.

وأضاف أن الحكومة الفلسطينية تبنت خطة الإصلاح المالي العام، وهو ما يعكس حرصها على تحسين إدارة المال العام وتعزيز الشفافية. وفي هذا السياق، لاحظ الديوان بعض الجوانب التي تحتاج إلى تحسين في الإجراءات الحكومية المتعلقة بالمال العام، ويأمل أن يتم تعزيز هذه الإجراءات لضمان أفضل معايير للشفافية.

من جهتها، أوضحت هيئة مكافحة الفساد أنها تباشر المتابعة والتحقيق في جميع القضايا التي تحال إليها من قبل ديوان الرقابة المالية والإدارية، ثم تحيلها إلى الجهات القضائية المختصة.

وأكدت الهيئة أنها تعمل ضمن مسارين، الأول إنفاذ القانون، والآخر التوعية وتدابير الوقاية من الفساد، والتثقيف بمخاطره استنادا إلى مبدأ أن الجميع شركاء في تعزيز قيم النزاهة وتدابير الوقاية ومكافحة الفساد.

مسؤولون وجهات رسمية يرفضون التعقيب

رغم محاولات حثيثة بذلها معدو التحقيق لإجراء لقاءات مع رئيس الوزراء السابق د. محمد اشتية، ووزير المالية السابق د. شكري بشارة، ومسؤولين من وزارة المالية مازالوا في مناصبهم، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل في ظل رفض من قبل تلك الجهات لإجراء لقاءات صحفية.

ما المطلوب؟

طالب “امان” بترشيد النفقات من خلال إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي بتقليص فاتورة الرواتب من خلال وقف الترقيات غير المبررة وتخفيض امتيازات كبار للمسؤولين، ونفقات السفارات في الخارج.

كما أكد ضرورة تعزيز الرقابة على الحوالات الطبية إلى الخارج من خلال العمل على تحسين القطاع الصحي المحلي.

ودعا إلى تعزيز أسس النزاهة ومكافحة الفساد والشفافية في الموازنة العامة من خلال إشراك المجتمع المدني والمؤسسات العامة خلال إصدارها بحسب القانون الفلسطيني.

وأكد “أمان” ضرورة تفعيل المجلس التشريعي وسن قوانين خاصة لجذب الاستثمار وإيجاد مصادر إيرادات بديلة بحيث تغطي العجز الناجم عن المصادر الحالية.

 الخلاصة:

-الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية عميقة وتراكمية.

-يتحمل الاحتلال الجزء الأكبر من المسؤولية عن الأزمة من خلال قرصنته لأموال المقاصة وإجراءاته التعسفية الأخرى التي تقوض الاستثمار والاقتصاد الفلسطيني بسكل ممنهج.

– تتحمل الدول المانحة المسؤولية عن الجزء الآخر من الأزمة من خلال محاولاتها فرض أجندتها الخاصة مقابل الدعم المالي.

-لا يمكن إغفال أن سوء إدارة المال العام من الأسباب التي قادت إلى تفاقم الأزمة.

-لابد من مراجعة الكثير من الخطوات المالية التي تقود إلى ترشيد في حجم النفقات وبخاصة التوظيف وتنقية فاتورة الرواتب وامتيازات المسؤولين ومصاريف السفارات في الخارج وتقليصها إلى أدنى حد ممكن.

-لابد من تعزيز أسس ومبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة المجتمعية عبر تعزيز دور الصحافة الاستقصائية وتفعيل دور الهيئات الرقابية.

-على السلطة الوطنية الفلسطينية إيجاد ركائز اقتصادية بديلة ومتينة تمكنها من تقليل اعتمادها المالي على دول أجنبية ذات أجندة خاصة.