الرئيسيةتحقيقاتنقص الأخصائيين يُفاقم معاناة مرضى الكلى في الضفة

نقص الأخصائيين يُفاقم معاناة مرضى الكلى في الضفة

*أطباء عامون بدلاً من الأخصائيين لتعويض النقص!

*أزمة صرف الرواتب تدفع أخصائيين إلى الهجرة من القطاع العام نحو الخاص

*تخصص مرضى الكلى يستغرق 14 سنة دراسية ويُعد من أصعب التخصصات في الطب

*مرضى يشكون من تراجع الخدمات الصحية في أريحا …ومدير المستشفى يتجنب اللقاء الصحفي

*”الصحة”: عمليات غسيل الكلى تجري بإشراف طاقم طبي متخصص ومتكامل

 

إعداد الطلبة: رؤى أبو شهاب ونور يوسف وصبحة عسكر ونانسي نجوم

تعاني المستشفيات في الضفة الغربية من نقص في الكوادر الطبية في أقسام الكلى، الأمر الذي دفع مرضى إلى الشكوى من سوء الرعاية الطبية والإهمال الذي يتعرضون له في هذه الأقسام، وسط هجرة من قبل الأخصائيين نحو القطاع الخاص، في ظل تأخر صرف رواتب موظفي القطاع العام.

إهمال يتسبب بفشل كلوي بنسبة 100%

تعرض المريض “ج.ع ”  لتدهور حاد في حالته الصحية بعد إجراء طبي خاطئ أدى إلى تفاقم حالته. في البداية كانت نسبة الفشل الكلوي 30%، لكنها ارتفعت إلى 100%، بالإضافة إلى ظهور مضاعفات خطيرة في وظائف الكبد.

تفاصيل الواقعة تكشف أن المريض كان يعاني من التهاب في ذراعه بسبب حقن غير صحيح، ما اضطر الأطباء لنقل الشنط إلى صدره، واستمر غسيل الكلى لمدة 4 أشهر. وفي يوم ما ارتفعت حرارته بشدة، فتم نقله إلى المستشفى حيث تم إعطاؤه مسكنات دون إجراء فحوصات دقيقة، وفي اليوم التالي ساءت حالته وتم نقله  بسرعة إلى مستشفى خاص في رام الله، الأطباء هناك كشفوا أنه يعاني من التهاب في الصدر استمر لمدة 15 يومًا دون أن يدري، وأكدوا أن البكتيريا أصابت أكثر من عضو في جسمه.

ابنة المريض “ج.ع”  أكدت أن الأطباء أشاروا إلى أن العلاج المبكر كان ممكنًا، وأن التأخير في التشخيص أدى إلى تدهور الحالة بشكل كبير.

شكاوى من تدهور الخدمات الصحية 

يشكو مواطنون من أريحا من نقص حاد في الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية، حيث يضطر العديد من المرضى للتوجه إلى عيادات الأطباء الخاصة لإجراء الفحوصات وتلقي العلاج. ويشير مواطنون إلى أن المستشفيات الحكومية في المنطقة، لا تقدم خدمات طبية كافية.

 اعتبار صوافطة مريضة عانت بسبب  هذه الظروف، تقول: “لم أعد أذهب إلى المستشفى الحكومي في أريحا منذ سنتين، تعرضت لعدة مشاكل صحية كادت أن تؤدي إلى وفاتي بسبب نقص الرعاية الصحية المناسبة”.

وتضيف صوافطة: “تم نقلي إلى المستشفى التركي في طوباس حيث تلقيت رعاية أفضل، فَفي مستشفى أريحا، عدد الممرضين غير كافٍ، حيث يعمل اثنان أو ثلاثة فقط على رعاية 14 حالة في المناوبة الأولى و10 حالات في المناوبة الثانية، ما يؤدي إلى تقصير كبير في الرعاية”.

وتؤكد صوافطة أنها تعرضت لعدة مشاكل صحية، منها التهاب في الدم، بسبب عدم تلقي العلاج المناسب في مستشفى أريحا. هذا الوضع أجبرها على التوجه إلى المستشفى التركي بحثًا عن رعاية صحية أفضل.

يقول مصطفى براهمة ( الذي بدأ غسيل الكلى منذ 3 سنوات) بأنه طيلة هذه الفترة لم يتم الوفاء بالوعود التي تلقاها لتحسين الخدمات في قسم غسيل الكلى.

ويوضح أن الفحوصات الشاملة تُجرى بتاريخ 30 من كل الشهر، لكن قراءة نتائجها تحتاج إلى أخصائي، ما دفعهم للمطالبة مرارًا وتكرارًا من المحافظ ومدير المستشفى بتوفير أخصائي دائم في القسم.

ويضيف براهمة أن الوعود التي تلقوها ظلت دون تنفيذ، مشيرًا إلى وجود نقص دائم في الأدوية الضرورية، ما يزيد من معاناة المرضى ويؤثر سلبًا على جودة الرعاية المقدمة لهم.

بدوره،  يؤكد  حسين قنديل  الذي يتلقى العلاج في مستشفى رام الله على أهمية تواجد طبيب أخصائي في قسم  غسيل الكلى، نظراً للمضاعفات التي قد تحدث أثناء عمليات الغسيل.

ويبين قنديل أن غياب الأخصائي قد يؤدي إلى تفاقم الحالات الصحية للمرضى، خاصة في ظل تدخل التمريض بشكل متكرر لحين وصول الطبيب العام.

ويشير إلى أن هذه المسألة قد تكررت أكثر من مرة، مما يبرز الحاجة لوجود أخصائي دائم في القسم لضمان تقديم الرعاية اللازمة في الوقت المناسب.

ورغم محاولات حثيثة لإجراء لقاء مع مدير مستشفى أريحا، لكن طلب معدي التحقيق لم يلق استجابة رغم توفر كتاب رسمي من الجامعة يشرح فيه أسباب طلب عقد اللقاء.

تشخيص خاطئ قد يتسبب بكارثة

يقول الدكتور مهند حسان أخصائي أمراض الكلى وضغط الدم في مستشفى النجاح،

إن الكثير من الحوادث الخطيرة تحدث نتيجة غياب الأخصائيين عن قسم الكلى،   والتي تتمثل في التشخيص الخاطئ للمريض من قبل الطبيب العام، الأمر الذي يؤدي إلى إعطاء المريض الدواء الخاطئ، فتتفاقم حالته الصحية.

    ويضيف أن المرضى يتعرضون للإهمال الطبي والتأخر في التشخيص بسبب عدم تفرغ الطبيب الأخصائي لمراقبة حالتهم الصحية، نتيجتة لأعداد المرضى الكبير والنقص في الأخصائيين.

كيف يُغطى النقص في أقسام الكلى؟

يؤكد الدكتور مهند حسان أن الأطباء العاملين في أقسام الكلى هم أطباء أخصائيون، ولكن يتم تعويض النقص في الأطباء الأخصائيين عن طريق تعيين أطباء عامين، حيث يتم تدريب الطبيب العام على يد الأخصائي عند تعيينه في قسم الكلى مع إشراف الطبيب الأخصائي عليه، مضيفا  أن الطبيب العام الذي يعمل في قسم الكلى لا يمتلك أي شهادات أو دورات في الكلى.

وعند سؤاله عن إمكانية الطبيب العام لتشخيص المرضى بشكل صحيح وبمستوى الطبيب الأخصائي عند غيابه قال “بإمكان الطبيب العام خدمة وتشخيص المرضى بشكل صحيح وبمستوى الأخصائي، وذلك لأنه يبقى هناك تواصل على مدار 24 ساعة بين قسم الكلى والأخصائي  في حال حدوث أي طارئ”.

ويضيف أنه في بعض الأحيان يضطر الأخصائي للعمل لساعات إضافية لتعويض النقص في الكوادر الطبية. وحتى إن عمل الطبيب بجدول دوام طبيعي، يكون عدد المرضى أكثر مما يستطيع الطبيب تحمله، فلا يكون هناك توزيع للأعباء بسبب النقص في الأطباء الأخصائيين.

هجرة باتجاه القطاع الخاص

يكمن  السبب الرئيسي في نقص أخصائيي الكلى في البلاد، بأن مدة الدراسة لهذا التخصص تصل إلى ما مجموعه أربعة عشر سنة دراسية، سبع سنوات لدراسة الطب العام وسبع أخرى لدراسة تخصص الكلى، حيث يعد هذا التخصص  من أصعب التخصصات في الطب.

ويقول الدكتور مهند حسان إن أسباب عزوف الأطباء عن العمل لدى المستشفيات الحكومية كثيرة، ومن أهمها الامتيازات التي تعطيها المستشفيات الخاصة للأطباء العاملين فيها، وأوضح أنه لا يوجد فرق كبير في متوسط الأجور بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي، الا أنه يوجد تأخير في صرف الرواتب في القطاع الحكومي على عكس القطاع الخاص.

ويضيف أنه بإمكان الأطباء الأخصائيين في القطاع الحكومي فسخ عقودهم في أي وقت أرادوا ذلك والذهاب للعمل لدى  المستشفيات الخاصة ؛ بسبب عدم وضع وزارة الصحة  شروط جزائية على الأطباء في حال ترك وظائفهم.

يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة الصحة أنس الديك إن  مرضى الكلى  مُغطَّون بالتأمين الصحي  الحكومي، والخدمات التي تقدم كالعلاج تندرج ضمن نظام التأمين  الصحي الحكومي، حيث  يوجد في الضفة أربعة عشر مشفى معظم هذه المشافي  تقدم خدمة غسيل الكلى.

ويتوفر لدى هذه المشافي العيادات التشخيصية الخاصة بأمراض الكلى والمسالك البولية، إضافة الى أن وزارة الصحة تقوم بتوفير الأدوية اللازمة  لهؤلاء المرضى.

 

 وفي السنوات الأخيرة  قامت الوزارة بتوفير خدمة زراعة الكلى في مجمع فلسطين الطبي، حيث إن المرضى ينقسمون إلى قسمين: مرضى مزمنين بشكل عام يكون لديهم قصور في أداء الكلية، فهذا القصور يمكن متابعته في العيادة وعلاجه، أو مرضى يصلون إلى مرحلة غسيل الكلى.

ويوضح الديك أن عملية غسيل الكلى تجري من خلال أقسام غسيل الكلى في المستشفيات الحكومية تحت إشراف طاقم طبي متخصص ومتكامل، من أطباء وممرضين  وفنيين يلزمون  لهذه العملية.

 وتجرى هذه العملية من خلال جهاز مصمم من أجل تنقية الدم من الشوائب  كأنه كلية اصطناعية، ويصفي الدم من المواد السامة، فعند الإنسان الطبيعي  تقوم الكلى بتنقية الدم من السموم التي يخرجها الجسم من خلال البول.

في عملية غسيل الكلى  يتواجد طاقم طبي مشرف من قبل وزارة الصحة ويقوم بتقديم الخدمات الطبية اللازمة، فأحيانا  يحتاج المرضى بعد  الغسيل  إلى عناية  بسبب التعب الشديد، ويتلقون العناية اليومية والعلاج في قسم خاص.

وفي حال  وصول المريض الى مرحلة الفشل الكلوي، يتم توفير خدمة زراعة الكلية في مجمع فلسطين الطبي من خلال أطباء مختصين.

ويسمح النظام الفلسطيني بالحصول على الكلية من خلال التبرع، بشرط أن يكون المتبرع قريبا من الدرجة الأولى للمريض، أو عن طريق التبرع بكلية شخص متوفى بعد موافقة ولي أمره ، وأن أي طريقة أخرى غير ذلك تخالف النظام وتدخل في إطار تجارة أعضاء البشر.

وتعد نسبة نجاح عملية زراعة الكلى في مجمع فلسطين الطبي عالية جداً، إضافة إلى تقديم الخدمة الطبية بعد عملية  الزراعة من وزارة الصحة، فالمريض الذي يزرع الكلية بحاجة الى أدوية مستمرة وأحيانا تكون مدى الحياة،  فتقوم وزارة الصحة بتوفيرها عبر نظام التأمين الصحي الحكومي.

 وفي حال عدم توفر علاج طبي في داخل مشافي وزارة الصحة الفلسطينية،  تقوم الوزارة بتحويل وشراء الخدمة الطبية للمريض خارج مشافي وزارة الصحة  من القطاع الخاص .

 وكانت الإحصائيات المتوفرة لدى وزارة الصحة نشرتها سابقا الذين تلقوا خدمة غسيل الكلى في المستشفيات بالضفة بشكل منتظم عام 2020 بلغ 1573 مريضاً حيث بلغ إجمالي الغسلات لهؤلاء المرضى 209 ألف غسلة، فيما بلغ مجموع وحدات غسيل الكلى في الضفة الغربية 11 وحدة خلال عام 2019، منها 10 وحدات تابعة لوزارة الصحة، فيها 240 جهازاً للكلية الصناعية، بالإضافة إلى وحدة واحدة في مستشفى النجاح الوطني الجامعي في نابلس، فيها 45 جهازاً للكلية الصناعية، و5 وحدات في قطاع غزة فيها 102 جهازاً للكلية الصناعية.

وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة 10% من الأشخاص حول العالم مصابين بأمراض الكلى المزمنة، وما يقارب 850 مليون شخص حول العالم لديهم الأسباب المؤدية للإصابة بأمراض الكلى، وأن أمراض الكلى احتلت المرتبة 18 في قائمة الأمراض المسببة للوفاة.