تحذيرات من خطورة سيطرة الاحتلال على إرشيفات المؤسسات الإعلامية والثفافية
رام الله-المحرر- أحمد السيد- يلعب الأرشيف دوراً مهماً في حفظ حقوق الأشخاص والهيئات، فهو ييسر عمل الرقابة والتقييم، باعتباره مصدرا للبحث العلمي والتاريخي، إلى جانب كونه ركيزة من ركائز الهوية الوطنية.
وقد اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(اليونسكو) عام 2005 السابع والعشرين من تشرين الأول من كل عام، يوماً عالمياً للتراث السمعي البصري لزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الوثائق الصوتية والسمعية البصرية المسجلة.
يبرز إلى الواجهة في هذا السياق أرشيف تلفزيون فلسطين الذي يحتوى على كثير من المواد التي تحفظ الذاكرة الفلسطينية، وتؤكد على الهوية الوطنية الرافضة للطمس والتهويد.
يقول الموظف في الأرشيف الإخباري لتلفزيون فلسطين سائد زبون: “إننا نقوم بأرشفة جميع نشرات الأخبار، والبرامج الحوارية وتقارير (VTR) أي المشاهد الموجودة ضمن النشرات أو البرامج أو التقارير الاخبارية، إضافة إلى الموجات المباشرة والتغطية المباشرة لفلسطين مباشر وبرامج قناة “مساوة”.
يضيف زبون : “على مدار العقود الماضية قمنا بأرشفة المواد المكونة من مسلسلات، وأفلام درامية ووثائقية، وأغانٍ، وتقارير، وأخبار، وأرشيف الانتفاضتين الأولى والثانية، وأرشيف الشهداء، وأرشيف الرئيس ياسر عرفات، وأرشيف نشاط السلطة الوطنية الفلسطينية، وإرشيف الثورة الفلسطينية”.
يتذكر زبون الصعوبات التي واجهتهم مع انطلاق بث الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إذ كانت تتم عملية أرشفة المواد الإعلامية قديماً على أشرطة الفيديو بأنواعها كافة، وكانت تؤرشف هذه الأشرطة “الكاسيت”، فيما تكتب أرقامها وأسماؤها على دفاتر خاصة بطريقة أرقام تسلسلية، الأمر الذي كان يتطلب وقتاً أطول وجهداً مضاعفاً.
أما فيما يخص الأرشيف الحديث اليوم، فيبيَّن زبون أنه يحتوي على مزايا أشمل وأكثر سهولة في التعامل، إذ يمكن مشاهدة المواد بشكل أدق في إطار تحديد مدة المادة، مشيراً إلى أن المعالجة تتم باستخدام برامج حديثة خاصة، وقد أضحت بفعل التقدم التكنولوجي الصورة أدق وضوحاً “HD”.
ويتابع زبون: “تتدفق المواد من مكاتب التلفزيون الداخلية والخارجية يومياً عن طريق نظام خاص بالتلفزيون أو عبر بريد إلكتروني، ويتم فحصها (صوتاً وصورة)، وأحياناً يتم استخدام برامج المونتاج لتعديل بعض العيوب الجمالية قبل البث للتأكد من صلاحيتها ومواءمتها للمعايير المستخدمة الخاصة بالهيئة”.
ويشمل التراث السمعي والبصري جميع التسجيلات الصوتية والمرئية الخاصة بالإذاعة والتلفزيون ومختلف وسائل الإعلام التي تحمل في طياتها حكايات عن أشكال حياة الأشخاص وثقافاتهم.
ولتوضيح الفرق بين أرشيف فلسطـين وباقي الأرشيفات الخاصة بالوزارات الفلسطينية، تبين رشا موسى مديرة الأرشيف البرامجي في تلفزيون فلسطين أن الأرشيف في التلفزيون حديث ومتقدم، لافتة إلى أن عمليات الأرشفة لا تتم على ورق، بل هي عملية توثيق كاملة للمادة الإعلامية المعالجة والتي ظهرت على الشاشة (صوت وصورة).
وتوضح موسى أن الذي أختلف على الأرشيف بين ماكان عليه قبل عدة سنوات وحديثاً هو كيفية حفظ المادة، بمعنى قديماً كانت تؤرشف جميع المواد البصرية على أشرطة (يوماتيك /بيتاكام) وأشرطة متعددة أخرى متعددة الجودة. وتُدخل المعلومات “Data ” الموجودة فيها يدوياً، بينما الآن اختلف الوضع وبات نظامنا رقمياً، ويوجد هوية لكل برنامج، بمعنى أنهُ تتوفر بطاقة تعريفية عنهُ تضم ( المخرج، واسم البرنامج، ولأي شركة إنتاج تابع) أي وصفاً واضحاً عنهُ يُمكن الوصول إليه بسهولة في أي وقت نحتاجه، ويتم أرشفتها وفقاً لمفاتيح “اختصارات كلامية” مثل أي نوع برنامج نضع عليه (BRG + under score ) واسمه والتسلسل الرقمي الخاص به.
تعقب موسى “أن الإيجابية الوحيدة في هذا النمط أنهُ يسهل وصولنا للمادة أكثر من قبل، فمقارنة بالأشرطة سابقاً كان لا بد من تنزيل المادة ومن ثم عمل (Capture) وبعد ذلك تحصل عليها، أما الآن فلا داعي لكل هذه الخطوات، لأن الوصول للأرشيف يجري بسهولة تامة.
تؤكد موسى ” تلفزيون فلسطين يُعد المرجعية الأولى لكل المحافظات وأيضاً الخارج كالسفارات والقنصليات،” وفي كل المناسبات، والمزود الأول والرسمي والوحيد لجميع وسائل الإعلام التي تنقل بعض الأحداث الخاصة بدولة فلسطين”، منوهة إلى أن التلفزيون وعلى مدار عقود خلت وثق كل فعالية صغرت أم كبرت في الوطن ما جعله مرجعاَ أساسياً لكل من يرغب في الوصول إلى الأرشيف الفلسطيني.
يُذكر أن قوات الإحتلال الإسرائيلي فَجرت منبى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطيني في رام الله عام 2002 ، الأمر الذي أدى إلى فقدان جزء كبير من الأرشيف السمعي والبصري، ما تسبب بخسارة كبيرة تضاف إلى خسائر الوطن الكثيرة.
من جهتها، ترى الصحفية ميسم البرغوثي رئيسة قسم المونتاج وتسجيل البرامج الصوتية في شبكة أجيال الإذاعية أن أرشفة المواد والبرامج الإذاعية هي عبارة عن كنز تحتفظ به المؤسسة الإعلامية لصنيعها على مدار سنين عملها، ليشكل بدوره تاريخاً يتحدث عن إنجازات هذه المؤسسة، إذ عديد من البرامج المؤرشفة تم إعادة استخدامها إما لوجود المعلومات القيِّمة فيها، أو لجعل جمهور أكبر يستفيد منها، وأحيانا لأنها تواكب أحداث وفعاليات نمر بها.
وتتابع البرغوثي أن الأرشيف الإذاعي سابقاً كان يتم من خلال التسجيل على ـسطوانات مدمجة (CD) ومن ثم تحول إلى الأرشيف الرقمي ، مشيرة إلى أن كل مؤسسة تختار طريقة أرشفة سهلة ومناسبة لها، فإما أن يكون موضوع البرنامج هو المحدد لطريقة الأرشفة أو يكون من خلال سنوات الإنتاج ثم الشهر ومن ثم اليوم.
وتقول” في شبكة (أجيال) نقوم أيضا برفع البرامج على الموقع الألكتروني، وهي طريقة للارشفة أيضاً تتيح للجمهور الرجوع للبرامج وقتما أرادوا ذلك.
وفي ظل الاعتداءات التي ينتهجها الاحتلال على الصُعد كافة، والتي تطال التراث والإرث الفلسطيني من لباس وأطباق طعَام تراثية وشعبية وسرقة للثقافة الفلسطينية بهدف رسم هوية مصطعنة له وطمس الهوية الفلسطينية الأصلية وملامحها كافة، بيَّنت البرغوثي أن التوثيق الإعلامي وأرشفة التفاصيل الفلسطينية مهم جداً، فهو الإجراء الصحيح لإثبات حقنا ومحاولة منع تهويد وسرقة تراثنا.
تشير البرغوثي إلى أنها وفي سبيل الحفاظ على الهوية الفلسطينية تشارك في مبادرة (إلبس زيِّك مين زيك) والتي تشرف عليها جمعية الزي الفلسطيني، وهي مبادرة لتوثيق وأرشفة الزي الفلسطيني التراثي (الثوب) أرشفة صورية، من خلال عمل جلسات تصويرية للزي التراثي وتعريف الناس لأي منطقة يعود هذا الثوب.
تفيد البرغوثي أن الأرشيف قسم مهم جداً للمؤسسة، فهو يختص بحفظ وتوثيق جميع أعمال المؤسسة خلال السنوات وفق نظام تختاره، ويقف رافداً لها وقت الحاجة إليه.
تحذر البرغوثي من خطورة السيطرة على إرشيفات المؤسسات أو الوصول إليها، فهذا يمكن أن يعرضها للتخريب أو الإتلاف ما يعني تضييع ذاكرة قيمة زمانياً ومكانياً، داعيةً إلى إيجاد وسائل إضافية لنقل الإرشيف وحفظه على “سيرفرات الويب” وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تكون نسخة احتياطية لوقت الطوارئ، مشددة على اختيار موظفين أكفاء لإدارة أقسام الأرشيف داخل المؤسسات، يتحلون بالأمانة والدقة في العمل.
وهكذا، تكتسب الأراشيف الخاصة بالمؤسسات الإعلامية والثقافية الفلسطينية أهمية كبرى للحفاظ على الذاكرة، لذا وجب حفظها والعناية بها، فهي تشكل ذاكرتنا الحية والمتجددة، وهو أمر يستوجب حفظها من الضياع أو التخريب أو السيطرة عليها من قبل احتلال يرمي إلى نسف وجودنا وذاكرتنا.