رام الله – المحرر – معاذ جهاد- يخوض الاحتلال الاسرائيلي منذ أحداث السابع من أكتوبر حرب إبادة على قطاع غزة خلفت أكثر من 42 ألف شهيد ومئة ألف جريح، حسب إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تستمر به هذه الحرب لتسرق الأضواء الإعلامية نظراً لشدتها وقسوتها، فإن الاحتلال يخوض حرباً موازية في الضفة الغربية، لكنها تجري في الظل، فالمستوطنون وقوات الاحتلال لم يتركوا الضفة بمنأى عن الاعتداءات المتواصلة، إذ تشير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الاحتلال والمستوطنين نفذوا 16663 اعتداء ضد المواطنين والممتلكات خلال عام من الحرب، فيما تشير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن عدد الشهداء وصل إلى 759 شهيداً في الضفة منذ أحداث السابع من أكتوبر، بينما ارتفع عدد الأسرى في السجون الإسرائيلية ليصل أكثر من 10100 أسير كما صرح نادي الأسير الفلسطيني.
ولم ينفك الاحتلال عن اجتياح المدن والمخيمات وتدمير بينتها التحتية، وحصار القرى والبلدات وفصلها عن امتدادها الجغرافي، فهل تأتي هذه الإجراءات الاحتلالية حقاً في إطار التدخلات الأمنية فقط وكردة فعل على أحداث السابع من أكتوبر؟ أم أنها خطوات سياسية مدروسة تعكس مخططات الاحتلال تجاه الضفة؟
كانتونات معزولة
يرى الدكتور هاني موسى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول خلق وقائع جديدة مستفيداً من الحرب الدائرة وتسليط الأضواء الإقليمية والعالمية على قطاع غزة، وبالتالي يحاول فرض أجندته في الضفة وعلى رأسها زيادة وتيرة الاستيطان وجعله أمراً واقعاً، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية يقودها مستوطنون يمينيون يؤمنون بأن الضفة هي جوهر المشروع الصهيوني ويجب حسم الصراع فيها.
ويعتقد موسى أن العمليات العسكرية في الضفة الغربية من اعتداءات ومداهمات ليلية وحواجز عسكرية هي “محاولة لإشباع رغبات اليمين الصهيوني المتطرف، وإضعاف السلطة الفلسطينية التي يعتبرها كياناً سياسياً يجمع الكل الفلسطيني وجب العمل على إنهائه”، منوهاً إلى أن الاحتلال يتعامل مع الضفة باعتبارها كانتونات معزولة عن بعضها.
وللوصول إلى هذا الواقع، يقول موسى إن إسرائيل اتجهت نحو إنشاء نوع من المليشيات الإستيطانية في الضفة على غرار “فتية التلال”، لجعلها دولة المستوطنين، لافتاً إلى أن ما يسعى إليه المستوطنون هو ضم مناطق “ج” التي تشكل نحو 61% من مساحة الضفة.
سياسة التوتر المتواتر
يقول إيهاب جبارين المختص بالشأن الإسرائيلي أن “الممارسات الإسرائيلية من اعتقالات ومداهمات ليلية وتعسف للمستوطنين هو امتداد للمارسات نفسها التي كانت حاضرة قبل السابع من أكتوبر”، مبيناً أن هذا يعبر عن مخطط حقيقي لإسرائيل تجاه الضفة الغربية.
فنتنياهو حسب وصف جبارين يريد إضعاف الفلسطيني كقوة سياسية وقومية على حد سواء، ومحاولة بسط نفوذ إسرائيل في الضفة بالكامل، أما “سموتريتش” و”بن غفير” فيرى جبارين أنهما لعبا دوراً مهما في حكومة نتنياهو، ” فالأول يضع مصير الفلسطيني بين ثلاثة خيارات: التهجير، أو القتل، أو الرضوخ للسيادة الإسرائيلية”.
ويوضح جبارين أن السيادة هنا حسب رؤية بن غفير” بأنها ليست مواطنة كاملة، وإنما مواطنة مع وقف التنفيذ، أشبه بالإقطاع المتمثل في سيد الأرض والعامل فيها”.
يؤكد جبارين أن الفكر الصهيوني لا يرى ولا يريد أن يرى بعداً قومياً للفلسطينيين، لذا فإن السياسات الإسرائيلية تهدف إلى ضم الضفة الغربية، وحصر الفلسطينيين في “كاتونات”، وإعادة إحياء مشروع روابط القرى، وتدمير أي فكر فلسطيني قومي، ويدلل جبارين على ذلك بأن إسرائيل لو لم تكن معنية بذلك لما قامت أول مستوطنة في عام 1968.
استيطان يتمدد
في تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، يوضح الوزير مؤيد شعبان رئيس الهيئة أن إسرائيل أقامت 12 منطقة عازلة حول المستعمرات، واستولت على 52 ألف دونم، منها 25 ألف دونم تحت مسمى “تعديل حدود محميات طبيعية”، و24 ألف دونم من خلال 7 أوامر إعلان أراضي دولة في محافظات القدس ونابلس ورام الله وبيت لحم، و1233 دونماً من خلال 52 أمراً لأغراض عسكرية إضافة إلى تهجير 28 تجمعاً بدوياً.
يوضح خليل تفكجي الخبير في شؤون الإستيطان أن “إسرائيل استغلت عدم وجود ضغط أمريكي كما كان سابقا لتجميد الإستيطان وظروف الحرب واتجاه الإعلام لقطاع غزة وجنوب لبنان لزيادة عدد المستوطنات ومساحات الإستيطان”.
ويطرح تفكجي أمثلة واضحة للمارسات الإسرائيلية في الضفة من إغلاقات عسكرية ومصادرة أراض لأسباب عسكرية مثل الكتل الإستيطانية الضخمة بين مناطق كردلة -طوباس، وكفر حارس- سلفيت لإقامة شوارع عسكرية للمستوطنات ولتسهيل حركة المستوطنين وجيش الاحتلال، وإقامة شوارع التفافية كان آخرها التفافي حوارة – زعترة، والتفافي “غوش هاتسيون”- بيت أمر باتجاه الخليل، إضافة إلى إقامة بؤر استيطانية رعوية وإخراج البدو منها مثل وجود بؤرتين استيطانيتين في طريق المعرجات – أريحا أدت إلى تهجير البدو من تلك المنطقة.
يوضح تفكجي أن هذه الممارسات هي “استراتيجية وبرامج واضحة تماماً، باستغلال الظروف الدولية لمصلحتها وأهم هذه البرامج هي خطة آلون1970، ثم خطة دروبلز 1979، الأمر العسكري رقم 50 للطرق الصادر عام 1983، ثم خطة “النجوم السبعة” لشارون 1995، ثم صفقة القرن لترامب التي شملت كل هذه البرامج في خارطة واحدة برؤية إسرائيلية وتوقيع أمريكي، مؤكداً أن هدف هذه البرامج هو وجود مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة”.
ومن الجدير ذكره أن “ماتتياهو دروبلز” الذي كان يشغل رئيس الوكالة الصهيونية عام1979 هو أول من تنبأ ووضع خطة لوجود مليون إسرائيلي في الضفة، إذ كتب “إن الغرض من توطين المناطق الواقعة بين وحول المراكز التي تحتلها الأقليات هو التقليل إلى حد أدنى من خطر قيام دولة عربية إضافية في هذه الأراضي كونها معزولة من قبل المستوطنات اليهودية، سيجد السكان الأقلية صعوبة في تشكيل مجتمع إقليمي وسياسي”.