الرئيسيةتقاريرحينما يتحول بيت العمر إلى ركام بقرار احتلالي

حينما يتحول بيت العمر إلى ركام بقرار احتلالي

*سياسة هدم المنازل في مناطق “ج” محاولة لتقييد الوجود الفلسطيني

 

سلفيت – الحياة الجديدة- قيس شقير- “كنت أسير نحو البيت ذات ليلة، وكان مضاءً بالكامل، شعرت بالفخر، فتلك كانت المرة الأولى التي انظر فيها للبيت من بعيد. لكن يوم الهدم كان كابوساً؛ جنود الاحتلال منعوني من الاقتراب، أخرجت فقط شاشة التلفاز وفرشة السرير، لم أستطع إنقاذ أي شيء آخر”.

يروي وليد قادوس (25) عاماً كيف تجمدت فرحته لحظة تلقيع إخطاراً من الاحتلال يعلمه بوقف البناء، ثم تلاشت تماماً يوم رأى منزله يُهدم أمام عينيه.

يقول قادوس “اشتريت قطعة الأرض بعد سنوات من العمل المتواصل في الداخل المحتل، كان بناء البيت حلماً، استغرق مني خمس سنوات، بتكلفة نصف مليون شيقل، انتهيت منه قبل ثمانية أشهر فقط”.

رغم الدمار، يحتفظ قادوس بإصرار لا يتزعزع على الصمود ويقول”لن أستسلم. سأبني بيتاً جديداً وأجمل، ولن أترك الاحتلال يسلبني حلمي”.

تعيش بلدة الزاوية بمحافظة سلفيت صراعاً يومياً مع قرارات الهدم التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في مناطق “ج” التي تشكل نحو(61) بالمئة من مساحة الضفة الغربية، حيث يُمنع المواطن الفلسطيني من البناء.

 تعتبر هذه السياسة أداة لتقييد الوجود الفلسطيني وتوسيع السيطرة الاستيطانية في الضفة.

 قرارات الهدم هذه لا تستهدف فقط الحجر، بل تمزق أحلام المواطنين وتثقل عليهم بأعباء اقتصادية وإنسانية قاسية.

 حلم الحياة معلق بإخطار هدم

يصف عايد أبو زر (29) عاماً كيف تحولت حياته إلى دوامة من القلق بعد استلامه إخطار الهدم. “قبل عامين بدأت في بناء منزلي، لم أنتهِ من تجهيزه بعد، وجاءني إخطار الهدم كالصاعقة”.

ويضيف”البيت هو مشروع حياتي، وقد أصبحت حياتي اليومية متوقفة، كل شيء معلق بقرار المحكمة”.

على الرغم من محاولاته لإيجاد مخرج قانوني، وجد أبو زر نفسه عالقاً في دوامة من الإجراءات المعقدة.

 ويتابع”بدأت بالتعاون مع البلدية ومؤسسة القدس وقدمنا الأوراق المطلوبة، ولكن المحكمة تطلب أوراقًا معقدة ومتشعبة. ننتظر الآن قرار المحكمة، ونشعر بالعجز في مواجهة هذه القوانين الجائرة”.

يعبر أبو زر عن خشيته أن تُهدم أحلامه بيد الاحتلال، مؤكداً أن الأراضي المتاحة للبناء قليلة للغاية، وأن فقدان هذا البيت سيكون خسارة لا يمكن تعويضها.

عبء اقتصادي يثقل كاهل المواطنين

يشرح قاسم أبو نبعة رئيس بلدية الزاوية، الآثار الاقتصادية والسياسية لقرارات الهدم على البلدة. قائلا “الاحتلال عزل نحو(60) دونماً من أراضينا ومنع البناء فيها، ما أوقف التوسع العمراني وأثر بشكل مباشر على قطاع البناء في البلدة”، مشيراً إلى أنه مع توقف البناء، ارتفعت البطالة وأصبح من الصعب مساعدة المتضررين مالياً.

يبذل رئيس البلدية جهوداً لتخفيف العبء عن السكان، من خلال إعفاءات على رسوم الماء والكهرباء، وتشكيل لجان لجمع التبرعات.

ويقول “نحن نفعل ما بوسعنا لكن مواردنا محدودة. أظهر المجتمع المحلي تضامنه، لكن الوضع الاقتصادي يجعل تقديم الدعم المادي مهمة صعبة”.

ويؤكد أبو نبعة أن الحل الأمثل هو تدخل المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال لتوسيع المخطط الهيكلي والسماح بالتوسع العمراني في البلدة.

 الهدم أداة احتلالية للسيطرة

يوضح الخبير السياسي عصمت منصور أن سياسة الهدم تتجاوز مجرد القوانين؛منوهاً إلى أنها استراتيجية تمارسها الحكومات اليمينية الإسرائيلية منذ عقود، بهدف تقليص الوجود الفلسطيني في مناطق “ج”.

ويقول “لا توجد أسباب قانونية حقيقية للهدم، الاحتلال يستخدم حجة أن المنازل غير مرخصة رغم أنه يجعل من الترخيص عملية شبه مستحيلة”.

ويضيف أن الاحتلال يستخدم تقنيات مراقبة متطورة، مثل الطائرات والمنظمات الاستيطانية التي ترصد أي توسع فلسطيني كمنظمة “ريغافيم “، مؤكداً أن الهدف من هذه السياسات هو السيطرة الكاملة على الأرض وتعزيز المشروع الاستيطاني.

ويتابع” للأسف، المجتمع الدولي لا يتجاوز ردود الفعل الرمزية، فيظل الفلسطيني وحده في مواجهة هذا الظلم”.

تتصاعد المعاناة الحقيقية لأهالي بلدة الزاوية، الذين يُمنعون من البناء في أرضهم تحت غطاء قرارات قانونية جائرة.

قرارات هدف المنازل تحول أحلام المواطنين إلى كوابيس، وتلقي بهموم اقتصادية ونفسية ثقيلة على كاهلهم.

ووسط هذه السياسية الاحتلالية، تبقى بلدة الزاوية مثالاً للصمود الفلسطيني، حيث يستمر أهلها بالتمسك بأرضهم وأحلامهم رغم العوائق، متطلعين لمستقبل يعم فيه السلام والعدل على أرضهم، لكنهم يأملون في الوقت نفسه بوقفة جادة من مختلف المؤسسات المحلية والدولية لدعم صمودهم.