أكد لـ”المحرر” أن الاحتلال اعتقل أكثر من (11) ألف مواطن منذ أحداث تشرين الأول
* شهادات من أسرى محررين تعرضوا لاعتداءات إجرامية تُشكل ملفات مكتملة لعرضها أمام القضاء الدولي
* النافذة الوحيدة التي يطل من خلالها الأسير على العالم هي المحامي
* قانون إعدام الأسرى “ثرثرة” دعاية وانتخابية أكثر من كون دوافعه عملية
رام الله–المحرر-بغداد كراجة-تشكل قضية الأسرى في سجون الاحتلال أحد أبرز محاور النضال الفلسطيني، فهي ليست قضية فردية بل تمثل شعبًا كاملاً، تاريخه وحاضره مليئان بالنضال والمقاومة المستمرة من أجل نيل الحرية والكرامة.
داخل الزنازين، يمارس الاحتلال أبشع أنواع الانتهاكات بحق الآلاف من الأسرى بمختلف المراحل العمرية، حيث يتعرضون للتعذيب والإهمال الطبي والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. وفي ظل الأحداث الأخيرة ورفع حالة الطوارئ لدولة الاحتلال، تزداد معاناة الأسرى، خاصة المرضى والأطفال والنساء،. “المحرر” تحاور رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس الذي يؤكد أن “إسرائيل” دولة مارقة وخارجة عن القانون وتمارس أبشع أنواع التعذيب بحق الأسرى وجهازها القضائي متورط في الجرائم المرتكبة. وفيما يلي نص الحوار:
وضع كارثي داخل السجون
* كيف تقيم هيئة شؤون الأسرى الوضع الحالي للأسرى الفلسطينيين بعد أحداث السابع من أكتوبر، خاصة أولئك الذين يتعرضون للتعذيب والتنكيل؟
على الدوام كانت الأوضاع في السجون صعبة، ودأبت إسرائيل على انتهاك حقوق الإنسان وانتهاك القوانين الدولية، ولكن بعد السابع من أكتوبر صار الوضع كارثيًا بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن إسرائيل عمليًا شنت حرباً انتقامية على الأسرى، وانقلبت على جميع التفاهمات وكل ما تمكن الأسرى من تحقيقه على مدار عقود من الزمن وصراع مرير وطويل. صادرت سلطات السجون كل ما أنجزه الأسرى، ثم بدأت بتنفيذ سياسات إجرامية تمثلت أولًا في الاعتداءات الوحشية (الضرب والتكسير)، وثانيًا التجويع (كميات الطعام القليلة)، وثالثًا الازدحام، إذ اعتقلت قوات الاحتلال حوالي أحد عشر ألف معتقلاً جديداً وزجت بهم في المساحات الموجودة نفسها، بالإضافة إلى الإهمال الطبي، وعدم توفر أغطية وملابس كافية، وعدم توفر المياه الساخنة للاستحمام، وعدم توفر مواد النظافة، الأمر الذي نتج عنه وضع كارثي على الصعيدين الصحي والنفسي.
دولة مارقة..ملفات لعرضها أمام القضاء الدولي
*ما الإجراءات القانونية التي تتخذها هيئة شؤون الأسرى للتغلب على القيود التي فرضتها قوانين الطوارئ الإسرائيلية والتي تمنع أسرى غزة من مقابلة محاميهم، وبالتالي تقيد حقهم في الدفاع القانوني؟
أولًا “إسرائيل” دولة مارقة وخارجة عن القانون. نحن نحكم هنا في الضفة الغربية وفي غزة أيضًا استنادًا إلى القانون العسكري، وهذا القانون فضاءات ومساحات العمل فيها ضيقة جدًا. والجهاز القضائي الإسرائيلي متورط بدرجة كبيرة في الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق الأسرى، لكننا نحاول أن نخفف من وطأة ما يتعرض له الأسرى من خلال تقديم التماسات للمحاكم وتوثيق الجرائم التي ترتكب بحقهم، وإثارة ذلك في محاكم تمديد أو محاكم تثبيت الاعتقال الإداري، أو في المحاكم التي تنظر في الملفات بحق الأسرى، من أجل أن يسجل على الأقل في وثائق الاحتلال أنه تم تقديم شكاوى. ثم نحاول أن نجمع شهادات من أسرى محررين تعرضوا لاعتداءات إجرامية لكي يكون لدينا ملفات مكتملة لعرضها أمام القضاء الدولي.
المحامي نافذة الأسير على العالم
*كيف تتعامل الهيئة مع التحديات التي فرضتها القيود على الزيارات ما يصعب التواصل بين الأسرى وعائلاتهم؟
يوجد لدينا قيدان في جريمة الإخفاء القسري المتعلقة بأسرى قطاع غزة. وبالنسبة لأسرى الضفة الغربية والقدس، وُضعت قيود في البداية على زيارة المحامين، ثم تمكنا بجهود كبيرة بالتعاون مع جميع المؤسسات من فتح المجال أمام المحامين للزيارة، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن وتيرة الزيارات ليست بالمستوى المطلوب بعد أن أصبحت النافذة الوحيدة التي يطل من خلالها الأسير على العالم هي المحامي.
نظرًا لوجود عدد كبير من الأسرى داخل السجون، تطالب العائلات بالاطمئنان على أبنائها، ولكن الزيارات لا تأتي حسب الرغبات. نحن لدينا رغبة في زيارة جميع الأسرى وطمأنة عائلاتهم، ولكن الوقت والأذونات التي يحصل عليها المحامون للزيارة ليست عالية، وبالتالي قام محامو الهيئة بزيارة ما يقارب ثلاثة آلاف أسير من أصل أحد عشر ألف أسير. بالنسبة لأسرى غزة، سمح لنا بزيارتهم بوتيرة منخفضة وقيود كثيرة.
تورط الجهاز القضائي في الجرائم
*ما الجهود التي تبذلها الهيئة للتصدي لسياسات الاعتقال الإداري المتكررة التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين؟
نتعامل مع محاكمهم من خلال تقديم الاستئناف وحضور جلسة التثبيت ونطلب إطلاق سراح الأسير. عادةً، هذه المحاكم تعمل بأمر المخابرات الإسرائيلية، فتثبت الحكم، ثم نستأنف ويرفض الاستئناف. بعد أن يصدر الحكم الثاني للفترة الثانية، نتوجه للمحكمة العليا الإسرائيلية، ولكن مؤسسات دولة الاحتلال، بما فيها ما يسمى بـ “الجهاز القضائي”، كلها متورطة في جريمة الاعتقال الإداري. يجب ألا نصدر لأنفسنا وهمًا بأن هناك جدوى من التوجه للقضاء الإسرائيلي.
دور المؤسسات الحقوقية الدولية
*كيف تقيم موقف المؤسسات الحقوقية الدولية من موضوع الانتهاكات التي تمارس بحق الأسرى؟ ولماذا لا يوجد تحرك ضاغط على الاحتلال لوقف انتهاكاته؟
يجب ألا نصنف المؤسسات الدولية وكأنها فريق واحد؛ فهي متنوعة، منها حقوقية مستقلة نقدر دورها، ولكن هذه المؤسسات ليس لديها أدوات للضغط سوى إصدار التقارير وأدوات ضغط قيمية وأخلاقية. ولكن المشكلة تكمن في المؤسسات التي بوسعها أن تمارس ضغطًا على إسرائيل ولم تفعل. بالنسبة لنا، نواصل العمل والضغط لعل ذلك في نهاية المطاف، بشكل تراكمي، يؤدي إلى المرغوب، وهو اتخاذ إجراءات من قبل الدول تستند إلى حقيقة أن إسرائيل تمارس جرائم بشكل ممنهج ومنظم ضد الأسرى.
مزيد من القمع بحق الأطفال
* في ظل تزايد اعتقال الأطفال، كيف تعمل الهيئة على حماية حقوقهم وتأمين وصولهم إلى التعليم خلال فترة الاعتقال؟
إسرائيل دولة منفلتة وغير ملتزمة بالقوانين. حيث لا تبحث إسرائيل عما يمكن أن تلتزم به. لا تبحث عن الضوابط والقواعد التي يحتكم إليها العالم في التعامل مع الطفل. عندما يسهدف الاحتلال طفلًا، تفعل ذلك بقصد، والجهاز القضائي يعلم ذلك. وبالتالي، فضاءات العمل من خلال القانون الإسرائيلي ضيقة، وهم منشغلون في تضييقها أكثر. حيث بين الحين والآخر يتم إصدار تشريعات تخص الأطفال لإتاحة المجال للمزيد من القمع والقهر عليهم.
قانون إعدام الأسرى
* ماذا تقول بخصوص قانون إعدام الأسرى الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية بعد أحداث 7 أكتوبر؟
هذه القضية تستخدمها الطبقة السياسية في إسرائيل من أجل الدعاية والاعتبارات الشعبوية والانتخابية أكثر من كونها اعتبارات عملية، لأن القانون الإسرائيلي يجيز حكم الإعدام، تحديدًا في القانون العسكري المنفذ في الضفة الغربية. ولكن هناك قيد بسيط وهو أن قرار الإعدام يجب أن يصدر بإجماع ثلاثة قضاة. وهذا القيد أعمق من أن المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل حتى الآن لم تقتنع أن عقوبة الإعدام عقوبة رادعة. لكن نجد الكثير من القادة السياسيين في إسرائيل يثرثرون في هذا الموضوع في وسائل الإعلام وكأنهم ليس لديهم قانون إعدام، مثل “بن غفير”، ليكسب الرأي العام، ويكسب المزيد من المؤيدين والناخبين على ظهر الأسرى. ولكن إسرائيل إذا رفعت الحظر وأعطت تعليمات للمحاكم العسكرية، ستصدر قرارات الإعدام.
*هل صدرت قرارات إعدام لبعض الأسرى في السنوات السابقة؟
نعم، صدرت قرارات إعدام، لكن في الاستئناف أُلغيت. ومحكمة الاستئناف تقرر الإلغاء لأنهم يعتقدون أن حكم الإعدام ليس رادعًا، لأنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية ولن يعود عليهم بأمان. فالأسرى الذين يعلمون أنهم سيصدر بحقهم حكم الإعدام سيقاتلون حتى الاستشهاد، وبالتالي يصبحون أكثر خطورة. لذلك، أمنياً، فكرة الإعدام لا تخدم منظومة الأمن الإسرائيلية.
الإهمال الطبي والموت البطيء
*كيف تعاملت هيئة شؤون الأسرى مع استشهاد عدد من الأسرى نتيجة الإهمال الطبي المتعمد؟ وما هي الخطوات المتخذة لضمان توفير الرعاية الصحية للأسرى؟
معظم من استشهدوا، طالبنا بالتحقيق والتشريح حول حالات استشهاهم. وشارك طبيب من منظمة “أطباء حقوق الإنسان” ووثقنا عملية التشريح التي أشارت معظمها إلى أن أغلبية الأسرى الشهداء فارقوا الحياة نتيجة الضرب أوالإهمال الطبي. فأصبحت لدينا وثائق دامغة تثبت أن إسرائيل مارست هذه الجرائم من خلال ما يسمى بـ”القضاء الإسرائيلي” ومركز التشريح العدلي لديهم مركز “أبو كبير”.وبالتالي، أصبحت لدينا وثائق تثبت أن إسرائيل مارست هذه الجرائم، ولكن لا يمكن الاستفادة منها إلا أمام القضاء الدولي، وهذا منبر مسيرته متعثرة كما يعلم الجميع.
الأسرى قضية تشهد على ظلم الاحتلال
*ما الرسالة التي توجهها للشعب الفلسطيني بشأن قضية الأسرى في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية؟
في ظل استمرار الانتهاكات، يبقى صوت الأسرى شاهدًا على ظلم الاحتلال، وأملهم في الحرية مرتبطًا بجهودنا الجماعية لإبقاء قضيتهم حية في كل المنابر والمحافل. لن ينتهي هذا النضال إلا بعودة الأسرى إلى بيوتهم وأحضان عائلاتهم، ليكونوا رمزًا حيًا لانتصار الحق على الظلم.