*عصابات تنهب المساعدات تنتشر في مناطق قريبة من تواجد جيش الاحتلال
*عمليات يتآمر فيها سائقو شاحنات وعمال في منظمات “إنسانية” والسرقات طالت “تكايا الطعام”
* البضائع التي يستوردها تجار يجري التنسيق مع “العصابات” لحمايتها من خلال دفع أتاوات
*مراقبون: الاحتلال يتحمل المسؤولية عن عمليات النهب ويتعمد سياسية التجويع
*منظمات دولية غير حكومية: الاحتلال “يسهل” عمل العصابات المسلحة
*بضائع ومتتجات تعرضت للنهب تباع في السوق السوداء “على عينك يا تاجر” بأسعار خيالية
غزة-المحرر-آلاء أبو رزق-أمام مشاهد المأساة الإنسانية في قطاع غزة بفعل حرب الإبادة، تبرز ظاهرة أخرى تسهم في عمليات تجويع مواطني غزة البالغ عددهم نحو 2.1، وسط حصار مطبق، فلم يعد هؤلاء يجدون قوت يومهم بسبب الدمار، وليس بسبب الفقر الذي ينهش ما تبقى من حياة فيهم فحسب، بل لأنهم باتوا يعتمدون على ما يصلهم من مساعدات إنسانية، هذه المساعدات باتت عرضة للنهب والسرقة من قبل عصابات يشير مراقبون إلى أنها مدعومة من الاحتلال كونها تنتشر في أماكن قريبة من تواجد جيشه في غزة، ما فاقم الوضع الإنساني سوءا.
يكشف هذا التحقيق النقاب عن تورط مجموعات نافذة في عمليات النهب، بل أن هذه المجموعات تجد حماية من الاحتلال، وسط شواهد كثيرة، لتصبح أداة لتجويع شعبها.
المساعدات الإنسانية..شريان حياة
تعد المساعدات الإنسانية هي شريان الحياة في قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع عملية إبادة وتهجير منذ أحداث 7 أكتوبر، المواطنون نزحوا عن بيوتهم وفقدوا مصدر أرزاقهم لا يجدون ما يبتاعونه من الأسواق في ظل منع الاحتلال لتوريد البضائع والمنتجات إلى أسواق القطاع إلا ضمن تنسيقات خاصة مع بعض التجار المتنفذين الذين يباعونها بأعلى الأسعار، فبات ما يصل من مساعدات هو ما يبقي المواطنين على البقاء.
يؤكد شهود عيان أن عصابات وقطاع طرق مدججون بالسلاح يستهدفون شاحنات المساعدات خلال توجهها إلى المخازن، حيث يقومون بتهديد الشاحنات تحت تهديد السلاح، ومن ثم تفريغ الشاحنة بالكامل.
يقول الصحفي (س.م) إن جيش الاحتلال يسمح أحياناً بإدخال عشرات الشاحنات إلى قطاع غزة وليس أكثر من ذلك ولا توجد إحصائية دقيقة حول، بينما يحتاج القطاع إلى أكثر من (600) شاحنة يومياً، مشيراً إلى أن الاحتلال يتحمل المسؤولية الأولى عن حالة المجاعة، كما أنه يسمح بعمليات النهب ليفاقم الوضع الإنساني سوءاً. ويضيف”تدخل جزء من هذه الشاحنات التي تحمل المساعدات، وبعضها يتعرض للسرقة، لكن الكارثة أن تعلن (الأونروا) عن سرقة(97) شاحنة مرة واحدة، وهذا يدلّ على مجموعات منظمة تحتاج إلى التنسيق من العمل والمخازن والسلاح والشاحنات، ولا يقوم به أفراد”.
ويضيف”أحيانا يحرقون صهاريج وقود ويمنعونها من الوصول، وفي بعض الأوقات يمنعون الشاحنات من القدوم من المعابر إلى خانيونس حيث يتواجد معظم النازحين”، مشيراً إلى أن أسباب سرقة المساعدات متداخلة، ومتعددة، بعضها عصابات منظمة، وبدرجة أقل أفراد يستولون على بعض الحمولات لتأمين قوت أطفالهم، لكن الاحتلال يظل المسؤول عن هذه الحالة كون أن كميات السلع التي تدخل قليلة جداً مقارنة مع احتياجات السكان، فتوفر سلع قليلة بأسعار عالية يدفع جهات مختلفة إلى التفكير بالسرقة، لكن لا يمكن إخفاء أن حالة الجوع تدفع أفراد إلى الهجوم على شاحنات من أجل تأمين احتياجات عائلاتها.
ونوه إلى أن جزءاً من المشكلة يكمن في غياب الشفافية عن المؤسسات المسؤولة عن توزيع المساعدات على الأرض، بالإضافة إلى عدم وجود عدالة في التوزيع.
شاهد عيان، فضل عدم الشكف عن اسمه، أكد لـ”المحرر” أن الشاحنات التي تنقل بضائع عبر تجار نافذين لا تتعرض للسرقة، لأن هؤلاء التجار ينسقون مع العصابات من خلال دفع “أتاوات” مقابل السماح بادخال بضائعهم، وهؤلاء يقومون ببيعها في الأسواق بأسعار خيالية، تفوق قدرة المواطن العادي على توفيرها.
وأكد الشاهد أن بعض سائقي الشاحنات متآمرون مع العصابات، إذ يتم الاتفاق بينهم بالتوقف عند نقاط معينة ليتم إفراغ الحمولة.
وفي بعض الحالات يتعاون بعض العمال داخل المنظمات الإنسانية أو النقاط التي تخزن فيها المواد الإغاثية مع العصابات وقطاع الطرق، لتسهيل عمليات السرقات، وقد تشمل المواد المسروقة: الطعام، والأدوية ومستلزمات النظافة، وحتى الخام.
كما أن السرقات لا تقتصر على الشاحنات فقط بل طالت تكايا الطعام (المطابخ الخيرية) التي تنشئ لغرض توفير الطعام والشراب للنازحين، في ظل ظروف الحرب الصعبة.
ويؤكد شهود عيان أنه مع تزياد المحتاجين وقلة الموارد، بدأت بعض العصابات والفئات المستفيدة تستغل الوضع لمصلحتها الشخصية، حيث يتم سرقة الطعام من التكايا وبيعه في الأسواق أو توزيعه على أفراد لا يستحقونها.
تقارير دولية: جيش الاحتلال يسهل عمل العصابات
كشفت تقارير صادرة عن منظمات دولية وإغاثية أن جيش الاحتلال ربما “يغض الطرف وقد يسهل” عمل عصابات مسلحة لسرقة شاحنات المساعدات في مناطق سيطرته في قطاع غزة وهو ما قد يعد “جزءاً من سياسة تجويع سكان غزة”.
وبينما ينفى جيش الاحتلال هذه الاتهامات بـ”التساهل والسماح بعمليات نهب المساعدات في غزة”، فإنه يزعم أيضا في بيان إنه “ينفذ إجراءات ضد لصوص المساعدات، مع التركيز على استهداف الإرهابيين”.
وسبق أن أفادت تسع وعشرون منظمة دولية غير حكومية، في تقرير، بأن جيش الاحتلال “يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية، التي تتبع حركة حماس وتحاول تأمين المساعدات”.
ويشير التقرير إلى أن جيش الاحتلال لا يمنع نهب شاحنات المساعدات ولا يمنع العصابات المسلحة من ابتزاز المال من المنظمات الإنسانية.
المسروقات تباع في الأسواق
مواطنون يؤكدون أنهم يشترون من الأسواق بضائع ومنتجات نهبت من شاحنات المساعدات، تصل إلى العديد من المحال التجارية، إذ تقوم العصابات بتهريبها إلى عدد من التجار مقابل مبالغ مالية باهظة في ظل نقص المعروض.
ويؤكد(م.ل) أن استهداف الشاحنات يكون حينما تقترب من المخازن، حيث تقوم العصابات بتوقيف الشاحنات تحت تهديد الشاحنات ومن ثم تفريغها بالكامل، ثم يصار لاحقاً إلى بيعها عبر مرحلتين، الأولى يقوم اللصوص ببيع المساعدات بسعر منخفض مقارنة مع سعرها الأصلي، والثانية يقوم تجار ببيعها في الأسواق بأسعار خيالية بعد شرائها من اللصوص، أي أن المساعدات لا تذهب إلى مستحقيها بل تذهب إلى السوق السوداء.
وسجلت معدة التحقيق أرقاماً خيالية لأسعار بعض المنتجات التي تباع في الأسواق بعد سرقتها، فمنها كيس الطحين وصل إلى 500 شيقل، وكيلو السكر بـ50 شيقلا، وكيلو البصل بـ 70 شيقلا، وعلبة الشامبو بـ 150 شيقلاً، والصابون بـ30 شيقلا.
فوضى وعدم قدرة على السيطرة
وسط حالة الدمار الذي تسببت به الحرب، فإن الحكومة في قطاع غزة، تجد نفسها غير قادرة على ضبط حالة الفوضى، بل أن الخلافات العائلية تعمقت في ظل توجيه اتهامات من قبل عائلات لغيرها بالتورط في عمليات نهب المساعدات.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جلب أفراد إلى الأسواق وإطلاق النار على أرجلهم بعد اتهامهم بالمشاركة في عمليات نهب.
يقول د. مروان الآغا عبر صفحته على الفيس بوك” مؤشر خطير هو عدم قدرة جهات رسمية على تأمين قواعد المساعدات من مواد غذائية وأدوية وخيام تدخل قطاع غزة لتغيث الجائعين والمرضى ومن ليس لهم مأوى، لتساعد الناس على الصمود والتحمل، فنجد هذه المسروقات بعبواتها وصناديق شحنها بشعارات المؤسسات الداعمة تعرض جهاراً نهاراً في الأسواق لتباع لأصحابها المواطنين أصحاب الحق فيها بأسعار خيالية”.
احدى العائلات في خانيونس أصدرت بياناً توجه فيه إنذاراً إلى عائلة أخرى وجاء فيه” إذا أردتم أن نرجع كما كنا في السابق عائلة واحدةعليكم بتسليم كل المذكورين الذين سيتم ذكرهم في البيان، الذين قاموا بالاعتداء والتهجم علينا وألحقوا بنا الضرر البليغ، ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد عائلتنا وقتل نفساً بغير حق من قرية الأيتام”، ثم طالب البيان النازحين بمغادرة البيان فوراً.
ومع انتشار الفوضى داخل قطاع غزة، وغياب الرقابة داخل القطاع، تشكلت حماية شعبية لحماية هذه المساعدات الإنسانية، وضبط الأسعار داخل الأسواق، ولكن الأمر باء بالفشل.
وقالت مصادر مقربة من حركة حماس إن مقاتلين من الحركة وفصائل أخرى في غزة شكلوا قوة مسلحة لمنع العصابات من نهب قوافل المساعدات في القطاع المحاصر، وذلك بعد زيادة كبيرة في نهب الإمدادات الشحيحة بالفعل.
وذكرت المصادر أن القوة الجديدة نفذت عمليات متكررة ونصبت كمائن للصوص وقتلت بعضهم في اشتباكات مسلحة، وذلك منذ تشكيلها هذا الشهر وسط غضب شعبي متزايد إزاء نهب المساعدات وارتفاع الأسعار.
وذكرت وزارة الداخلية في قطاع غزة، أن الأجهزة الأمنية في القطاع نفذت حملة أمنية في محافظة خان يونس استهدفت مجموعات وعصابات متخصصة في قطع الطرق وسرقة المساعدات.
مجاعة.. وأسعار غير مسبوقة
تصدح أصوات الغزيين ألما، وبطون تتلوى جوعاً وسط حالة انكسار، يجد فيها المواطن نفسه عاجزاً عن توفير رغيف خبز أو علبة حليب لأطفاله. تقول المواطنة الغزية فاطمة أبو شلبك” ما يحدث لنا من الاحتلال وقدر الله راضيين فيه، لكن ما يحدث لنا من تجارنا ومن أبناء شعبنا فهذا لا يطاق”، مضيفة” أن يداس علينا ونحن نصطف في طوابير طويلة من أجل كسرة خبز فهذا ثيقل علينا، نحن نموت جوعا، وانا اقولها بصراحة الخبز اتناوله منذ اربعة أيام”.
وتقول المواطنة ريم انشاصي” من يملك في هذا الوضع 500 شيقل ن أجل شراء كيس طحين؟!”، مضيفة” أطفالنا يموتون جوعاً، وعمليات نهب المساعدات تتواصل دون وجود عمليات ردع للمتورطين فيها”.
يقول المواطن محمد أبو دياب على صفحته عبر الفيس بوك” يا أخي خلينا (كقوى وطنية) نروح نقعد مع أبو شباب ونشوف حل معه في قصة المساعدات، اليوم أيضاً لم تدخل مساعدات ولا غاز طهي ولا محروقات بسبب إغلاق الطريق”، مشيراً إلى أن”أبو الشباب” هو مسؤول عصابة يسيطر على طريق معبر “كرم أبو سالم” ويقوم بسرقة الشاحنات، فقتل مسلحون شقيقاً له، فأغلق طريق المعبر ويمنع الشاحنات من العبور.
ويكتب الصحفي محمد الأسطل عبر صفحته على الفيسوك “أطفالنا يجوعون..أزمة نفاد الدقيق تتعمق جنوب قطاع غزة وسيل من المناشدات لتوفير الخبر أو الطحين بلا استجابات”.
وكان الجهاز المركزي للاحصاء أشار في بيان صحفي إلى نسبة ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في قطاع غزة وصلت إلى 359% بعد عام على حرب الإبادة.