الرفاعي: المثقف الفلسطيني ظاهرة فردية تُقاوم وحيدة
*طرح في لقاء مع “المحرر” تكون فلسطين “ضيف شرف” دائم في كل معارض الكتب العربية
* الثقافة الفلسطينية لا تتوقف عند أسماء بعينها.. لكننا نفتقد إلى صانع نظرية في الأدب
* الشعوب معنا رغم وجود من يحاول اقصاءنا من المشاركة في الاحتفالات الثقافية والأدبية
* التكنولوجيا سحبت البساط من الفاعلين والمثقفين العضويين
رام الله-المحرر-معاذ جهاد- لطالما لعب المثقف دوراً مهماً في قضايا شعبه، إذ يحرك الشارع، ويؤججه، آخذاً دوراً مركزياً في النقاط الفاصلة، وموحداً صوت الشعب، فكان محمود درويش يخط مديح الظل العالي وسط بيروت بينما كانت تقصف، وكانت كتابات غسان كنفاني كافية لجعل صوته رصاصاً ليقتله “الموساد” بتفجير سيارته، خوفاً من كلماته.
وسط حرب ضروس يعيشها الفلسطيني، يتحدث جمعة الرفاعي المدير التنفيذي لاتحاد كتاب فلسطين لـ”المحرر” عن واقع الكاتب، والمثقف الفلسطيني، واصفاً إياه بأنه ظاهرة فردية تقاوم وحيدة، ولو أعطيناه الدعم الكافي لكان تأثيره أعمق، مشيراً للدور الذي يقوم به الاتحاد ومحاولاته لاستنهاض الطاقات، وتجميعها في نشر الرواية الفلسطينية أمام محاولات السطو والتزييف.
عن الكتابة في المعتقل، يرى الرفاعي أنها نتيجة طبيعية لمجتمع الأسرى الذي يقاوم سجانه بكل الطرق، وأن الكتابة هي تعبير عن الرفض، ولها تقاطعات مع الكتابة خارج المعتقل. وفيما يلي نص اللقاء:
مكانة الكاتب الفلسطيني ودوره
- لماذا خفّ توهج الكاتب الفلسطيني رغم أنه الأكثر تعبيراً عن قضية تُعدّ محور قضايا العرب؟
يمكن الانطلاق من قصيدة لمحمود درويش عندما قال “قصائدنا بلا لون، بلا طعم، بلا صوت، إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت، وإن لم يفهم “البسطا” معانيها، فأولى أن نذريها، ونخلد نحن للصمت”، وهذه رسالة للمثقف الفلسطيني في لحظة الاشتباك، ومن مقولة أخرى لبريشت “لن يقولوا كانت الأزمنة الرديئة، بل سيقولون لماذا سكت الشعراء؟”، ومن هاتين المقولتين نستطيع أن ننطلق إلى دور المثقف الفلسطيني، خاصة في لحظة الاشتباك والمواجهة.
المشكلة الكبرى أننا نتحدث عن نقلات نوعية أحدثتها التكنولوجيا التي سحبت البساط من الفاعلين والمؤثرين الثقافيين أو المثقفين العضويين الذين كان يتم دعمهم من الفصائل الفلسطينية، في المقابل سنجد الآن أن كل فلسطيني هو بمثابة مثقف، وليس فقط المثقف الذي يعطى الهالة من التنظيم أو من الحزب، فأصبح كل فلسطيني في عصرنا هو مثقف وهو صاحب رسالة، فنجيب أن مثقفينا وكتابنا موجودون، ليس بالتوهج نفسه، ولكنهم موجودون.
تحويل الرموز إلى مسائل فكرية
- المفكر الإسرائيلي “مردخاي كيدار” احتفل قبل فترة باغتيال حسن نصر الله بالنفخ بالبوق بعد أن ظل يُحرض علانية على المقاومة، فلماذا “لا ينفخ كتابنا في البوق” ولايقرعون جدار الخزان؟
دور المثقف الفلسطيني هو حماية مفردات المكان الفلسطيني، وإبقاء شعلة النضال والرفض لهذا الاحتلال، وهذه الوظيفة يحملها المثقف، لأن وقوعه في دائرة التطبيع والقبول لهذا الاحتلال، سيكون له امتداد وارتداد على كل المحيط، والرفض يجب أن يبقى مستمراً بالطرق كافة، وبالندوات، والثقافة، والكتابة، والإعلام، والصحافة، للمحافظة على المناعة الداخلية للمجتمع الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني عندما يضع مجموعة من الحجارة في وسط الطريق هو لا يحرر بها أرضاً، ولكنها تعبير رمزي أن هذا الاحتلال مرفوض، ووظيفة المثقف أن يحول هذه الرموز البسيطة إلى مسائل فكرية عميقة أمام كل محاولات السيطرة على مفردات المكان في محاولة طمس الهوية الفلسطينية.
أصواتنا في الخارج
*ما تقييمك للمشاركة في المعارض العربية من قبل الكتاب الفلسطينيين في الخارج؟ وما دور الاتحاد بهذا الخصوص؟
يوجد مشاركة من قبل الكاتب الفلسطينيين في الخارج، ولكن للأسف لم ترتق إلى حجم تضحيات الشعب الفلسطيني، إما لأسباب داخلية لها علاقة بالموازنات والتمويل، وبإمكانيات المؤسسات، وإما لاعتبارات شخصية، إذ يتم استدعاء بعض الكتاب للمشاركة في بعض المعارض، ويكونون على مستوى من المعرفة أقل من المطلوب، وهذا يعود سلباً على اسم فلسطين، وظيفتنا كاتحاد أن نوصل الكلمة الفلسطينية بما يليق باسم هذا الاتحاد الذي رأسه فترة من الفترات محمود درويش، وأن تكون مشاركة الاتحاد فاعلة ونوعية سواء بالندوات أو بالمحاضرات، ووزارة الثقافة تحاول، ولها بصمات بهذا الخصوص، ولكن ما زال هناك الكثير للعمل، مطلوب أن يتم اختراق ثقافي على المستويين العالمي والعربي، نحن نفتقد للإستراتيجيات أحياناً، وأنا طرحت قبل فترة بخصوص معارض الكتب أن تكون فلسطين ضيف شرف دائم في كل معرض كتاب، هذا يحتاج إلى تكاتف الجهود لإبراز اسم فلسطين ثقافياً في المهرجانات الأدبية والثقافية على المستويين المحلي والعربي، ثم الانطلاق نحو العالمية.
*إلى أي حد يُسمع صوت المثقف الفلسطيني وكتاباته في العالم؟
عند مشاركتنا في معارض الكتب الدولية وسؤالنا عن أهمية هذه المشاركة، كنت أقول إننا نريد أن نوصل رسالة المثقف الفلسطيني من العمق الفلسطيني إلى عمقنا العربي والإسلامي والعالمي.
الأدب الفلسطيني له تاريخ طويل، وهناك من تركوا بصمات في الثقافة سواء الفلسطينية أو العالمية، نذكر مثلاً إدوارد السعيد، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وغيرهم الكثير، فهل نكتفي كفلسطينيين بهذه الأسماء ونقول إن الثقافة الفلسطينية توقفت عند هذه الأسماء؟ الجواب الطبيعي “لا”، ولكن الظرف والسياق التاريخي التي ظهرت به هذه الأسماء تختلف عن السياق التاريخي الموجود حالياً، إضافة إلى ذلك هناك سياق معرفة، بمعنى إنه لا يمكن لمثقف فلسطيني أن يطلق بصمة فلسطينية في الأدب العالمي والأدب المحلي، دون أن تكون لديه نظرية في الأدب، ونحن الآن نفتقد إلى صانع للنظرية.
*هل هذا القصور يأتي من عدم وجود صانع نظرية فقط؟ أم أن هناك جهات معينة في هذا العالم تريد كتم صوت الفلسطيني؟
المعيقات موجودة، وهناك محاولة إبعاد وإقصاء أي اسم فلسطيني، خاصة في الاحتفالات الثقافية والأدبية التي يتم دعمها من جهات تمول الكيان الإسرائيلي وتدعمه، هناك رغبة إقصاء، ومنع إيصال الصوت الفلسطيني للعالم، ولكن الرد الفعلي الجماهيري الذي نراه يوضح أن هناك فجوة بين المستوى الشعبي والسياسي فالشعوب معنا.
الأدب في مواجهة السجان
- في الوقت الذي يضيق فيه الاحتلال على الأسرى، تخرج كتابات من السجن، (باسم خندقجي على سبيل المثال)، وأنت شخصياً لك مؤلفان داخل الأسر، إلى أي مدى مازالت السجون تُنتج أدباً؟
المجتمع هو مصدر المعرفة للأسير الفلسطيني، ومجتمع الأسرى مليء بالتناقضات، ففيه حامل الشهادة الجامعية، وطالب الدراسات العليا، فهو مجتمع كامل متكامل، وليسوا مجرد أفراد.
الأسرى الفلسطينيون خاضوا الحروب مع مصلحة السجون، لتوفير مواد الكتابة لتوثيق تجربتهم، واخترعوا أساليب كثيرة لتهريب كتاباتهم للخارج، ربما خندقجي سيكتب الرواية نفسها لو كان في الخارج، لأن حالة الإبداع هي موقف المبدع من الحياة ومن الوجود، سواء كنت في معتقل أم لم تكن، لكن تجربة الحركة الأسيرة تتميز بأنها تعبير واضح وصريح عن رفض الظلم والاحتلال، لتثبيت هذه الرواية أمام محاولات السطو، والتزوير والتزييف من العدو، نحن نتحدث عن حركة إبداعية لها سماتها وخصائصها، وربما تتقاطع مع الكثير مع الأدب الذي يكتب خارج المعتقل.
نظرة لمستقبل المثقف الفلسطيني
*كيف ترى مستقبل المثقف الفلسطيني ؟
نحن بحاجة إلى أن نتكامل، لم يبق في فلسطين سوى الثقافة أمام كل هذه التغولات، ونحن لنا عمق عربي وإسلامي وعالمي، والكثير من المناصرين لقضيتنا منتشرين في أنحاء العالم، ولم نرتق لتقدير هذه الحالة الثقافية، تقديرها يُوجب علينا أن نقوم بطباعة منتجهم الثقافي الذي يناصر حقنا، وأن نقوم بالتبادلات الثقافية، أن نترجم كتاباتنا لهم، وأن نترجم كتاباتهم لنا، وعدم الارتقاء هذا يعود إلى ضعف الإمكانيات، لذا لا بدّ أن نتعاون ونتكامل في العمل لتوفير الإمكانيات ولتخصيص موازنات لعمليات الترجمة وللمشاركات الثقافية ولدعم كتابنا.
للأسف، المثقف الفلسطيني حالياً هو ظاهرة فردية، وأغلب النتاج الثقافي الآن لا يتم تبنيه من المؤسسات الفاعلة ثقافياً، وهذا له إيجابيات وسلبيات، الإيجابي أن المثقف الفلسطيني على وعي ودراية بأهمية تدوين روايته وتدوين ثقافته كفلسطيني، والسلبي أنه لو أعطيناه إمكانيات أفضل لتطور في هذا المجال.