*الاحتلال يهدف إلى فصل غزة عن الضفة وخلق بيئة طاردة لدفع المواطنين إلى الهجرة
*إدارة ترامب لن تسعى إلى حلول سياسية للقضية الفلسطينية بل تثبيت أمر واقع فرضته إسرائيل
*مؤشرات حرب إقليمية بدأت تتراجع والإدارة الأمريكية الجديدة ستميل إلى التفاوض مع إيران
*أسباب ذاتية وموضوعية قادت إلى أحداث 7 أكتوبر
* “الأسرى” الورقة الرابحة الوحيدة بيد حماس للمساومة على وقف الحرب
رام الله-المحرر-مرح نصار- مازالت حرب الإبادة على قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من (14) شهراً، وسط تغيرات دولية أبرزها إعادة انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فكيف سيتأثر مسار الحرب على غزة؟ وما هو مستقبل القضية الفلسطينية في ظل المستجدات؟
“المحرر” استضاف المحلل السياسي د. قصي حامد، الذي تحدث عن الأسباب التي قادت إلى أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب مدمرة على قطاع غزة.
يؤكد حامد أن إسرائيل تسعى من وراء هذه الحرب إلى تثبيت أمر واقع في قطاع غزة جغرافياً وسياسياً وإدارياً، بما يقود إلى فصله عن الضفة الغربية وخلق قيادة محلية تدير شؤونه بعيداً عن الرؤية الوطنية الفلسطينية. يتوقع حامد أن إدارة ترامب لن تسعى إلى طرح مبادرات لحلول سياسية للقضية الفلسطينية، بل إلى إنهاء الصراع وفق سياسية تثبيت الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، مع ايجاد مسار لصياغة كيان فلسطيني خدماتي وتغييرات في قيادة السلطة الفلسطينية تتماهى مع المخططات الإسرائيلية.
يؤكد حامد أن مؤشرات حرب إقليمية بدأت تتراجع، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستميل إلى التشدد مع إيران، وستسعى إلى تهدئة التوترات العسكرية في العالم، من أجل التفرغ إلى التصدي للصين اقتصادياً. وفيما يلي نص الحوار:
لهذه الأسباب وقع 7 أكتوبر
*ما هي الأحداث التي قادت إلى أحداث السابع من أكتوبر برأيك؟
هناك العديد من الأسباب التي اجتمعت فأوصلت العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى نقطة السابع من أكتوبر:
أولاً: أسباب ذاتية:
حماس منذ عام ٢٠٠٧ وجدت نفسها مسؤولة عن أكثر من (2) مليون مواطن في قطاع غزة وملزمة بتوفير رواتب، وخدمات مثل تأمين الكهرباء والمياه لهم، كما وجدت نفسها أمام اشتداد الحصار على مدار سنوات في ظل غياب أفق لترميم العلاقة مع حركة فتح وإنهاء الانقسام الفلسطيني، لذا وجدت الحركة نفسها بأنها بدأت تمارس أدواراً سياسية تتناقض إلى حد كبير مع الهدف الذي نشأت من أجله، وهو ما خلق حالة من الصدام بين التزاماتها كحركة تحرر وطني ومقاومة إسلامية (من ناحية)، واقعها الجديد (من ناحية أخرى).
ويضيف حامد، أن هذا التناقض، تفاعلت معه قيادة حماس بين من اعتقد أن فكرة الجمع بين العمل المقاوم والاندماج في النظام السياسي الفلسطيني قد فشل، وبين من رأى أن الواقع أصبح ضاغطاً على حركة حماس من حيث إمكانية الاستمرار بحكم قطاع غزة والحفاظ على هويتها كحركة مقاومة، وترافق ذلك مع غياب أفق المصالحة الفلسطينية، التي كانت تعول عليها الحركة في لتخفيف عبء إدارة القطاع.
ثانياً: أسباب موضوعية:
أما فيما يتعلق بالأسباب الموضوعية، فأعتقد أن تصاعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي غير المسبوقة بحق المسجد على الأقصى وتسارع الخطوات لتهويده وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، والاستمرار في سياسة فرض الأمر الواقع، إضافة إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويين الدولي والعربي على نحو غير مسبوق، وتهافت بعض الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وانغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطيني لإيجاد حل للقضية الفلسطينية ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، جميعها هيئت الأجواء لردة فعل فلسطينية مختلفة.
مستقبل قطاع غزة
*واجه قطاع غزة عدة حروب سابقة، لكنه يتعرض حالياً إلى حرب إبادة، ما هو مستقبل القطاع برأيك بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تبعها من حرب مدمرة؟
أمر أكيد أن القطاع لن يعود كما كان سابقاً، هناك توجه إسرائيلي بألا يكون حكم قطاع غزة لأطراف لها علاقة بالسلطة الفلسطينية، أو لها علاقة بحركة حماس، وبالتالي تسعى إسرائيل إلى تثبيت أمر واقع جغرافياً وسياسياً وإدارياً.
جغرافياً بمعنى أن يكون هناك سيطرة على منافذ قطاع غزة، وهي محور “فلادلفيا”، والمعابر، والخط البحري، بالإضافة إلى تقسيم القطاع، وإنشاء منطقة عازلة في شماله، حتى تضمن إسرائيل إبعاد الخطر عن المستوطنات الإسرائيلية، وبالتالي تحقق جزءاً من أهداف الحرب، والمتمثل بإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى مستوطنات غلاف قطاع غزة.
سياسياً، إسرائيل تسعى إلى تثبيت الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لقتل أية آمال عند الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ تشمل قطاع غزة، بالتالي ستعمل على عزل قطاع غزة، والتعامل معه على أنه بقعة جغرافية منفصلة عن الضفة سياسياً وإدارياً.
فيما تحاول إسرائيل أن تجد صيغه لإدارة قطاع غزة لا يكون لحماس أو السلطة الفلسطينية (الحالية) أي دور فيها، قد يكون من خلال إنشاء هيئات إدارية جديدة لتنظيم الحياة داخل القطاع، مع الإبقاء على حرية العمل العسكري داخله كلما اقتضت الحاجة ذلك، وبالتالي تحويل القطاع إلى بقعه جغرافية معزولة ومحاصرة يشرف عليها الاحتلال إدارياً وأمنياً، تمهيدا لتحقيق واحد من أهم أهداف الحرب بعيدة المدى، وهو تفريغ القطاع شيئاً فشيئاً من مواطنيه.
أسباب أطالت أمد الحرب
*لماذا ترفض إسرائيل إيقاف الحرب بالرغم من تحقيقها عدة أهداف منها إرهاق حماس عسكرياً واغتيال كبار قادتها؟
نتنياهو يحاول أن يطيل الحرب إلى أبعد مدى تحقيقاً للأهداف الجغرافية السياسية والإدارية وفق المنظور الإسرائيلي بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ولجعله بقعه جغرافية منعزلة يشرف عليها الإسرائيلي، بإدارة فلسطينية ترضى عنها اسرائيل، ويبقى لإسرائيل يد التحكم في كل نواحي الحياة.
اسرائيل تسعى على المدى البعيد إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه، وجعله منطقة غير قابلة للحياة، ولذلك حتى لو توقفت الحرب، فإن معاناة أهالي غزة لن تتوقف لاحقاً، فالمواطنون سيواجهون صعوبات كبيرة في توفير المسكن والمأكل والمشرب وبناء حياه جديدة. لذا سيدخل قطاع غزة في مرحلة جديدة قد تستغرق سنوات طويلة لحل مشاكل السكان الناجمة عن الحرب، لكن الأمر المهم حالياً أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلي في غزة.
إسرائيل حتى الآن لا تشعر أنها حققت أهدافها، وأبرزها القضاء على حركة حماس، وتظن أنها تحتاج إلى سنوات أخرى للقضاء عليها حتى تضمن أنها لن تشكل أي تهديد مستقبلي.
كما يوجد أسباب داخلية اسرائيلية تحول دون وقف الحرب حتى الآن، تتمثل بخشية نتنياهو من فتح ملفات كثيره لها علاقة بالسابع من أكتوبر وبإدارته لهذه الحرب، وهذا يشكل تهديداً على استمراره في الحكم، لذلك يأمل بأن تكون عودة ترامب إلى البيت الأبيض طوق نجاة له، من خلال تثبيت الأمر الواقع، كما أن اسرائيل لم تستطع حتى اللحظة من إعادة أسراها في قطاع غزة، ولذا لا يمكن زعم النصر أمام الجمهور الإسرائيلي دون تحقيق هذا الهدف.
عودة ترامب
*ماذا يعني فوز ترامب للقضية الفلسطينية؟
من المعروف أن السياسة الأمريكية تلتزم بخط داعم لإسرائيل منذ نشأتها، بالتالي لن يكون هناك مبادرات سياسية تسهم في حل القضية الفلسطينية على حساب إسرائيل ومصلحتها. ترامب أكثر الرؤساء الأمريكيين جرأه ووضوحاً، وقدم لإسرائيل ما لم يقدمه أحد من أسلافه سواء من ناحية الدعم العسكري، أو السياسي، أو الاقتصادي.
أعتقد أن ترامب سوف يحاول إيقاف الحرب على قطاع غزة، في المقابل سوف يكون كريماً لأبعد الحدود مع إسرائيل من ناحيتين: الأولى، استدراج المزيد من الدول العربية لتطبيع العلاقات معها، وبالتالي فتح آفاق جديدة لها، والثانية شرعنة الأمر الواقع الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان خدماتي وفق رؤية أمريكية-اسرائيلية تدفع باتجاه تولي قيادات جديدة (ذات توجهات اقتصادية)، ولا أعتقد أن ترامب سيطرح مبادرات جديدة، ولن يخرج دوره عن إطار صفقة القرن، وسوف يكون أكثر جرأه في تثبيت أمر واقع فرضته إسرائيل.
لا صفقة تبادل دون وقف الحرب
*إلى أي مدى يمكن لحماس أن تتنازل لإجراء صفقة تبادل أسرى دون وقف للحرب؟
بعد أكثر من عام على حرب الإبادة، لا أعتقد أن حماس ستتخلى عن مطلب إيقاف الحرب كشرط أساسي لعقد صفقة التبادل، فقضية الأسرى الإسرائيليين تظل الورقة الرابحة الوحيدة بيدها.
هناك أربعة شروط أساسية أعتقد أن حماس لن تتنازل عنها وهي: ضمان انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى ديارهم، وإعادة إعمار القطاع، والأمر الأهم إبرام صفقة تبادل مشرفة، لذلك لن توافق حماس على صفقة تبادل دون وقف للحرب، لأنها الورقة الوحيد تقريباً بيدها.
تراجع فرص اندلاع حرب إقليمية
*ما مدى إمكانية اندلاع حرب إقليمية بعد عودة ترامب، وإمكانية احتدام الصراع والخلافات بين الولايات المتحدة والصين؟
ترامب سوف يسعى إلى تهدئة المنطقة وليس إلى إشعالها، هناك مؤشرات أن ترامب يسعى إلى فتح نوافذ للتفاوض مع إيران بخصوص ملفها النووي، لذلك لا أعتقد أنه سيقوم بتأجيج الحروب في المنطقة، بل سيسعى إلى إخمادها للتفرغ لمواجهة الصين اقتصادياً، فالهدف الأساسي له يتمثل في إبطاء نمو الصين اقتصادياً مقابل تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم، لذلك لا أعتقد أن الحرب الهم الأكبر لترامب.
ما يفكر به ترامب حالياً هو توسع الصين اقتصادياً، والتحالف الذي تقوده من خلال مجموعة “بريكس” مع البرازيل، والهند، وروسيا، وجنوب أفريقيا، وغيرها من الدول التي تشكل قوة اقتصادية جديدة قد تؤثر على هيمنة الولايات المتحدة على اقتصاد العالم، لذا سيسعى إلى خفض التوترات العسكرية في العالم، ولذلك أميل إلى أن مؤشرات اندلاع حرب إقليمية في المنطقة بدأت تتراجع، وأعتقد بأن الحرب على لبنان، وكذلك على قطاع غزة بدأت تقترب من نهايتها.