رحلة من المعاناة ثالوثها: السرطان وفقدان البصر والتعذيب
*”حبة أكامول”..العلاج الوحيد الذي يقدمه الاحتلال لكل الأسرى الذين يعانون من أمراض مختلفة
رام الله ـ المحرر- ميس حجاوي- بين زنازين الاحتلال الباردة، وظلال المرض الثقيلة، كُتبت فصول مأساة إحسان التميمي، الشاب الفلسطيني الذي وجد نفسه عالقًا في دوامة ثلاثية من الاعتقال، والإهمال الطبي، والسرطان.
لم تكن رحلة الأسر مجرد تجربة قصيرة استمرت شهرين، بل كانت معركة وجود انتهت بفقدانه للبصر، وتدهور حالته النفسية نتيجة انتهاكات الاحتلال المستمرة وإهماله المتعمد.
يسلط هذا الحديث الصحفي الضوء على تفاصيل معاناة إحسان التميمي، الذي تحولت حياته إلى شاهد حي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى المرضى. قصته ليست مجرد سرد لمعاناة فردية، بل هي مرآة تعكس حجم الألم الجماعي الذي يرزح تحته الأسرى، ودعوة ملحة للعالم للتحرك من أجل إنهاء هذه الجرائم التي تتجاوز حدود الإنسانية.
رحلة مع السرطان
*متى بدأت رحلتك مع مرض السرطان قبل الاعتقال؟ وهل كنت تحصل على العلاج بشكل منتظم قبل ذلك؟
بدأت رحلتي مع مرض السرطان عندما كنت في السنة الأولى من عمري. طوال تلك الفترة، كنت أتلقى العلاج بشكل مستمر ومنتظم. كان والدي يأخذني إلى المستشفى لتلقي العلاج عندما يسوء وضعي. كنت أستمر في العلاج لفترات متفاوتة، قد تمتد لبضعة أيام أو ساعات، وذلك حسب حالتي الصحية في كل مرة. كانت المستشفيات بمثابة ملجأي الوحيد في تلك الأوقات، حيث كنت أقضي هناك أيامًا في أحيان كثيرة، متأملاً في معاناتي، وأملًا في أن أتمكن من التغلب على المرض.
العلاج بـ”الأكامول”!
* كيف تعامل الاحتلال مع حالتك الصحية أثناء فترة الاعتقال، خاصة مع تفاقم المرض؟
تعامل الاحتلال مع حالتي الصحية كان قاسيًا وغير إنساني. لم يميز بين أسير مريض وآخر سليم، وكان كل الأسرى الذين يعانون من أمراض مختلفة يُعطون نفس العلاج البسيط، مثل حبة دواء من نوع “أكامول”، بغض النظر عن خطورة حالاتهم.
أما بالنسبة لي، فقد استخدم الاحتلال أسلوبًا ممنهجًا لتفاقم حالتي الصحية. منع عني كل أنواع التغذية التي كانت من الممكن أن تحد أو تخفف من تأثير السرطان. بل على العكس، كان يقدم لي الأطعمة التي تزيد حالتي سوءًا وتساهم في تدهورها.
الأمر الذي جعل حالتي تتفاقم بشكل سريع، وعندما وصلت الأمور إلى ذروتها، دخلت في غيبوبة استمرت لمدة أربع ساعات متواصلة داخل السجن، دون أن يتدخل أحد لإنقاذ حياتي. هذه المعاملة لم تكن مجرد إهمال، بل كانت سياسة ممنهجة تهدف إلى تعذيب الأسرى المرضى حتى آخر لحظة في حياتهم.
فقدان للبصر
*ما الدور الذي لعبه الإهمال الطبي وسوء المعاملة في فقدانك للبصر؟
الإهمال الطبي، جنبًا إلى جنب مع المرض الذي كنت أواجهه، ومع طرق التعذيب الجسدي والنفسي التي تعرضت لها، كان لهما دور كبير في تفاقم حالتي الصحية. تعرضت لعدة أنواع من المعاناة التي أدت إلى إصابتي بغيبوبة أولى داخل السجن استمرت لمدة أربع ساعات. وبعد ذلك، نقلوني إلى المستشفى حيث دخلت في غيبوبة ثانية استمرت أربعة أيام.
عندما فتحت عيني بعد تلك الأيام الأربعة، اكتشفت أنني لم أعد أرى شيئًا. فقدت بصري بشكل مفاجئ رغم أنني لم أكن أعاني من أي مشكلة في النظر قبل ذلك، وكان نظري ممتازًا جدًا. هذه اللحظة كانت من أصعب لحظات حياتي، فقدت بصرًا كنت أعتبره من المسلمات، وتبددت كل آمالي في العلاج والتحسن بسبب الإهمال المتعمد.
تجربة قاسية
*كيف أثرت تجربة السجن والتعذيب على حالتك النفسية حتى يومنا هذا؟
تجربة السجن والتعذيب كان لها تأثير بالغ على حالتي النفسية، ولا يمكنني القول إنني تجاوزتها حتى الآن. صحيح أنني كنت قبل الاعتقال أعاني من السرطان، لكن بصرَي كان في حالة ممتازة، وكنت أستطيع التنقل بمفردي، والخروج مع أصدقائي، والقيام بكل ما أريد. لكن بعد فقداني للبصر، أصبحت عاجزًا عن أداء أبسط الأمور بمفردي، وأصبحت في حاجة مستمرة لمساعدة الآخرين للقيام بما كنت أفعله بشكل طبيعي من قبل.
من الصعب جدًا أن تكون حرًا، وفجأة تجد نفسك مقيدًا، عاجزًا عن الحركة والتفاعل مع محيطك كما كنت تفعل سابقًا. هذا التحول المفاجئ جعل حالتي النفسية تسوء بشكل كبير. أصبحت أكثر عصبية، وأقل تركيزًا، وسريع الغضب. لكن، رغم كل هذا، الحمد لله على كل حال.
موت بطيء في غياهب السجون
*برأيك، ما أبرز التحديات التي يواجهها الأسرى المرضى داخل السجون الإسرائيلية؟
الأسرى في سجون الاحتلال يعانون من موت بطيء في غياهب السجون وظلم السجان. الأسرى المرضى بشكل خاص يواجهون أمراضًا مزمنة وخطيرة، ولكن الإهمال الطبي هو سلاح الاحتلال الفتاك ضدهم. بدلًا من العلاج المناسب، يُعطى الأسرى حبة “أكامول” لا تكاد تفي بأي حاجة. هذا الإهمال المقصود يجعلهم يعانون جسديًا ونفسيًا، ويؤدي إلى تدهور حالاتهم بشكل مستمر.
رغم كل هذا، فإن الأسرى يتعاونون فيما بينهم. إذا كان هناك أسير يعرف شيئًا عن الطب أو التمريض في قسمهم، فإنه يساعد قدر استطاعته، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء حقيقي بدون وجود أدوية أو تغذية مناسبة.
لكن رغم كل التحديات، يظل الأسرى صامدين، صناديد لا يُهزمون ولا يلينون. هذا الصمود هو ما يجعل الاحتلال يواصل محاربتهم بأشد الطرق قسوة، لأنه يدرك أنهم يمثلون قوة لا يمكن كسرها، مهما كان الثمن.
رسالة إلى المؤسسات الحقوقية
*ختامًا، ما هي رسالتك إلى المؤسسات الحقوقية الدولية بشأن أوضاع الأسرى؟
رسالتي إلى المؤسسات الحقوقية الدولية هي أن عليهم أن يتحركوا بشكل جاد، وأن يزوروا الأسرى في سجون الاحتلال ليشهدوا بأعينهم الظروف المأساوية التي يعانون منها، خاصة الأسرى الذين يعانون من أمراض مزمنة. خلال فترة اعتقالي، لم يزرني أي من هذه المؤسسات، لكنني أود أن أوجه نداء لهم بأن الأسرى الفلسطينيين يعيشون في ظروف غير إنسانية تمامًا.
نحن نطلب منهم أن يضعوا الأسرى في حسبانهم، وأن يعملوا من أجل تحسين أوضاعهم، ومساعدة المرضى منهم في الحصول على العلاج اللازم. إن هذه القضايا تستدعي تدخلًا عاجلًا وحازمًا من المجتمع الدولي، لضمان حقوق الأسرى الفلسطينيين حتى يتم تحريرهم ومعالجة جميع المرضى منهم.