الرئيسيةتقاريرالمقاطعة في ألمانيا.. أداة تغيير اقتصادي وسياسي في مواجهة دعم الشركات للاحتلال

المقاطعة في ألمانيا.. أداة تغيير اقتصادي وسياسي في مواجهة دعم الشركات للاحتلال

برلين-المحرر- ايمان قديح-تُعتبر المقاطعة من أبرز الأدوات السلمية التي تلجأ إليها الشعوب والمجتمعات للتعبير عن مواقفها الرافضة للظلم، وفرض الضغوط على الشركات والمؤسسات لتغيير سياساتها. وفي ألمانيا، أصبحت المقاطعة وسيلة فعّالة في مواجهة الشركات التي تُتهم بدعم الاحتلال الإسرائيلي من خلال الاستثمار في الأراضي المحتلة أو تقديم موارد تسهم في استمرار الاحتلال الإسرائيلي.

تأثير ملحوظ على الشركات المستهدفة

تواجه الشركات التي تستهدفها حملات المقاطعة تحديات اقتصادية تتمثل في انخفاض المبيعات وتراجع الإقبال على منتجاتها. من أبرز الأمثلة على ذلك، حملة المقاطعة ضد شركة “كوكاكولا” في ألمانيا، والتي تركزت على ممارسات الشركة وعلاقاتها التجارية مع إسرائيل.

  • تراجع المبيعات: شهدت متاجر في مدن رئيسية مثل برلين وفرانكفورت انخفاضًا كبيرًا في الطلب على منتجات كوكاكولا، حيث ذكرت تقارير أن المبيعات تراجعت بنسبة تتراوح بين 5% و10% في بعض المتاجر.
  • الخسائر الاقتصادية: رغم أن “كوكاكولا” تحتفظ بحصة سوقية عالمية كبيرة، إلا أن الخسائر التي لحقت بها في السوق الألماني كانت مؤلمة، ما دفع الشركة لإعادة النظر في استراتيجياتها التسويقية محليًا.

ليست حركة اقتصادية فحسب

حركة المقاطعة ضد “كوكاكولا” لم تكن عشوائية، بل جاءت كرد فعل على ارتباط الشركة بعلاقات تجارية مع إسرائيل، وهو ما اعتبره الناشطون دعمًا للاحتلال وممارساته. المقاطعة لم تقتصر على الأبعاد الاقتصادية، بل كانت تعبيرًا عن موقف أخلاقي وإنساني لدعم الشعب الفلسطيني ورفض ممارسات الإبادة الجماعية.

“كولا غزة وفلسطين” تدخل السوق الألماني

في مواجهة المنتجات المرتبطة بإسرائيل، ظهر مشروب يحمل اسم “كولا غزة وفلسطين” في السوق الألماني، وسرعان ما حقق انتشارًا واسعًا.

  • رسالة إنسانية: يسعى هذا المنتج إلى لفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية من خلال تخصيص 10% من أرباحه لدعم غزة وفلسطين.
  • انتشار سريع: ذكرت صحيفة “بيلد” الألمانية أن مشروبات “كولا غزة وفلسطين” أصبحت متوفرة في متاجر ومقاهٍ برلين، ما أثار جدلاً واسعًا حول استخدامها كوسيلة لدعم القضايا السياسية.

هل للمقاطعة تأثير؟ 

  يقول نبيل أبو لحية، (57) عاماً، والد لثلاثة أبناء” المقاطعة لها تأثير كبير على الأفراد والدول”، مشيراً إلى أنه علي مر العصور، أثبتت المقاطعة فعاليتها في تحقيق أهداف معينة، حيث نجحت في العديد من الأحيان في إحداث تغييرات ملموسة.

 ويضيف”من الضروري أن نوجه المقاطعة بشكل مدروس وبغرض محدد، فهي ليست مجرد وسيلة ضغط، بل هي أداة استراتيجية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السياسات والقرار في شتى المجالات”.

ولفت إلى أنه يدرك تماماً أهمية المقاطعة في حياته اليومية، قائلا” أنا أب لثلاثة أبناء نعيش في الغرب، ونحن من أصول فلسطينية. ما يحدث في غزة ليس مجرد معركة عابرة أو حدث مؤقت، بل هو معركة مصيرية تُهدد وجود الشعب الفلسطيني، نعيش فترة حاسمة. هذه المرة”.

وتابع” كسبنا جيلاً كاملاً، كنا نخاف عليه من النسيان أو التشويش على قضيته العادلة. والحمدالله، أصبحنا نشهد تغييراً إيجابياً بفضل المقاطعة الفعالة التي تم تفعيلها في العديد من الدول”.

إن تأثير المقاطعة لا يقتصر على التأثير الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتكون قوة ضاغطة على السياسات العالمية، ما يجعلها وسيلة قوية لتحقيق العدالة والتغيير.

 

دوافع المقاطعة إنسانية وأخلاقية

تقول صفاء المسلمي، (44) عاماً، أم لطفل”القضية الفلسطينية هي قضية عدل وكرامة إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، لتصبح رمزاً للنضال ضد الاحتلال والظلم”.

وأوضحت أنه مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية، اتخذت الشعوب وسائل سلمية وفعالة للتعبير عن تضامنها، من أبرزها حملات المقاطعة الاقتصادية. وتضيف” هذه ليست حملات مجرد أداة ضغط اقتصادي، بل حركة عالمية تعكس الوعي والالتزام بقيم العدالة الإنسانية”.

وترى المسلمي أن المقاطعة تُعدّ وسيلة احتجاج سلمية أثبتت فعاليتها في الضغط على الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. كما أن للمقاطعة دور تربوي في تعزيز البدائل المحلية والمنتجات القادمة من دول داعمة للقضية.

وتعتقد أن هذه الحملات نجحت في إيصال صوت غزة الي العالم، وهي دليل على قوة التضامن الشعبي. وتتابع” واجبنا أن نواصل دعم هذه الجهود من خلال التوعية بأهمية المقاطعة، والبحث عن منتجات بديلة تدعم الإنسانية”.

المقاطعة تؤتي أكلها

“أجبرت حركة المقاطعة (BDS) “شركى “بوما” على عدم تجديد عقدها مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم.

الحملة العالمية لمقاطعة “بوما”، والتي استمرت خمس سنوات، أجبرت الشركة  على إنهاء عقد رعايتها للاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم.

وفي خطوة غير عادية، سرّبت شركة “بوما” في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي أخيراً إلى صحيفة تايمز” تأكيد بأنها لن تجدد عقدها مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، والذي من المقرر أن ينتهي في نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي. بالعادة، لا يعلن المورّدون الرياضيون عن عدم تجديد عقودهم قبل عام من انتهائها! إلا أن “بوما” لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الضغط، ما يوضح تنامي تأثير حملة المقاطعة العالمية عليها.

في يناير/كانون الثاني 2024، قضت محكمة العدل الدولية بمسؤولية اتهام النظام الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وفي يوليو/تموز من العام نفسه، قضت المحكمة أيضاً بأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، غير قانوني. ويضع كلا الحكمين الصادرين عن محكمة العدل الدولية الدول والهيئات والشركات أمام التزامات قانونية بعدم المساهمة بأي شكل من الأشكال في الجرائم الفظيعة التي يرتكبها نظام الإبادة الإسرائيلي.

إن تأثير المقاطعة في ألمانيا يتجاوز الخسائر الاقتصادية المباشرة، ليشمل تحفيز الوعي بالقضية الفلسطينية، وتشجيع الاستهلاك الواعي لدى الأفراد. فقد أثبتت المقاطعة أن المستهلك ليس مجرد عميل، بل قوة قادرة على إحداث التغيير في سياسات الشركات الكبرى.

تحديات قانونية وسياسية

رغم نجاح المقاطعة في تحقيق تأثير اقتصادي وسياسي، تواجه هذه الحركات تحديات قانونية، حيث أصدرت بعض الجهات الألمانية قوانين تحد من نشاطات حركات المقاطعة وتعتبرها معادية للسامية. مع ذلك، تظل هذه الحملات مستمرة، مدعومة بوعي مجتمعي متزايد وإصرار على تحقيق العدالة.

الخلاصة

المقاطعة في ألمانيا ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي حركة واعية تسعى للتأثير في موازين القوى السياسية والاقتصادية من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. نجاح هذه الحملات يعتمد على وعي المستهلك واستمرار الضغط على الشركات الكبرى لتغيير سياساتها بما يتماشى مع القيم الإنسانية والأخلاقية.

*ضمن مساق “الكتابة الإعلامية” في برنامج “التعليم الدولي”