أوشغولي-المحرر-إياد الطويل- بعيدًا عن صخب المدن وضجيج الحياة اليومية، تقع قرية أوشغولي الجبلية في جورجيا، على ارتفاع حوالي (2200) متر فوق مستوى سطح البحر، ما يجعلها واحدة من أعلى القرى المأهولة في أوروبا.
في هذه القرية الصغيرة، حيث لا صوت سوى همسات الرياح وجمال الطبيعة، تجد نفسك محاطًا بهواء نقي ومناظر خلابة، مع جبال مغطاة بالثلوج تزين السماء طوال العام، ما يضيف سحرًا خاصًا لتجربة الزائر.
حينما تسكن القدس المحتلة، المدينة التي ما زالت تعيش تحت قسوة الاحتلال، حيث الحواجز الأمنية المنتشرة في كل زاوية، وغلاء الأسعار الذي يعصف بمستوى الحياة اليومية، ستشعر بأن الأنفاس تختنق من ضغوطات الحياة، حيث الشعور بعدم الأمان يتسلل إلى التفاصيل اليومية، ما يجعل كل خطوة محفوفة بالتحديات. هي حياة ليست سهلة؛ فالتضييق والخوف من المجهول جزء من الواقع الذي يُعاش يومياً، لكن حينما تصل إلى أوشغولي، تشعر وكأنك انتقلت إلى عالم آخر، بعيدًا عن هذا الواقع الذي يملؤه الضجيج والتوتر.
هنا، لا يوجد حواجز، ولا ضغوطات، بل يسود الهدوء والسلام. الحياة في أوشغولي تتسمم بالبساطة الأقرب للطبيعة، حيث لا شيء يعكر صفو السكون، والكل هنا يعيش بسلام مع الطبيعة.
منذ عشر سنوات، قررت عائلة جورجية تحويل منزلها إلى دار ضيافة، بهدف توفير مصدر دخل جديد ومشاركة تجربتهم الريفية مع الزوار. عند وصولنا إلى أوشغولي، استقبلتنا أنجلينا بابتسامة دافئة وإتقان للغة الإنجليزية، وسألت عن تفاصيل حجزنا. مع مرور الوقت، تولت أنجلينا مسؤولية تنسيق الحجوزات والقيام ببعض أعمال المنزل، ما جعل استقبال الضيوف جزءًا طبيعيًا من حياتها اليومية.
الأب، في الصباح الباكر وقبل التوجه إلى العمل، يبدأ يومه بحلب الأبقار وإطعام الحيوانات في الحظيرة، وقطع الخشب لتدفئة المنزل، وإشعال موقد الطهي. يحرص على أن تكون العائلة جاهزة لبدء يومها، ما يعكس التزامه برعاية أسرته. في هذا المنزل، يتعاون جميع أفراد الأسرة في المهام اليومية.
الأم، تتحرك برشاقة بين الأواني والمقالي في المطبخ، تحضر أطباق الإفطار الجورجية اللذيذة للضيوف. تبدأ بصنع “خاشابوري”، وهو عبارة عن خبز محشو بالجبن، وتحضّر البيض المخفوق بالزبدة والأعشاب الطازجة. كما تصنع “كوبداري”، وهي معجنات محشوة باللحم المفروم، وتحرص على تقديم الحليب الطازج، والجبن المحلي مع الخبز التقليدي. كل طبق يُحضّر بحب وعناية ليعكس التراث الجورجي، ما يملأ المنزل بروائح الطعام اللذيذة والأصيلة.
في أوقات فراغهم، يجتمع أفراد العائلة للعزف على الآلات الموسيقية التقليدية، حيث تضفي ألحان الموسيقى إحساسًا بالانسجام والبهجة، ما يعكس روح العائلة وتقاليدهم الثقافية التي يعتزون بها.
الضيوف الذين يأتون إلى بيت الضيافة لا يجدون مجرد مكان للإقامة؛ بل يعيشون حياة القرية بكل تفاصيلها. يتذوقون الأطباق الجورجية المحضّرة بحب، ويتعرفون على قصص كل فرد من أفراد العائلة من خلال المهام اليومية التي يقومون بها. الحياة هنا، ببطئها وجمالها، تصنع تجربة لا تُنسى، مملوءة بالحب والذكريات التي تبقى محفورة في الذاكرة.
في شهر آب، كان الطقس لطيفًا ومعتدلًا في الصباح، مع برودة خفيفة في المساء، ما وفر للزوار الفرصة المثالية لتسلق جبل تشوبيديشي. انطلقت رحلة مشي لمسافة أربعة كيلومترات استغرقت ثلاث ساعات ونصف الساعة، تجربة مليئة بالتحدي والمغامرة. يبلغ عدد سكان أوشغولي حوالي (70) نسمة. وتحتوي على معالم ثقافية وتاريخية غنية، مثل قلعة لاغامي التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى. أنشطة مثل التزلج في الشتاء، وتسلق الجبال، وزيارة القلاع القديمة هي جزء من الحياة في هذه القرية الجبلية الفريدة.
الزائر لأوشغولي لن يخرج إلا بذكريات خالدة عن بساطة الحياة، ودفء الأسرة، وروح الضيافة التي تدخل الطمأنينة إلى نفوس الزائرين، وتجعلهم يتربطون بهذا المكان الأخاذ، وكأنهم جزء منه، وهو قطعة منهم.