بقلم: أزهار خطيب*
بعد (53) عاماً من الظلم والاستبداد، استعادت سوريا حريتها من قبضة نظام عائلة الأسد.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، عانت البلاد من قمع دموي، ومآسٍ إنسانية غير مسبوقة، ارتكب النظام انتهاكات بحق شعبه، بدأ من القمع العنيف للمظاهرات السلمية، مروراً بالاعتقالات التعسفية، والتعذيب في السجون، وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية التي أدت إلى إنهاء بحياة آلاف من الأبرياء ونزوح عدد كبير منهم، وهي بالأصل ممنوعة دولياً، حسبما ذكرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام2013.
إن إسقاط نظام الأسد من شأنه ينهض بسوريا، ويحق عدة أمور، من بينها:
إنهاء حقبة القمع والاستبداد
حكم بشار الأسد لِسوريا الذي ورثهُ عن والده، تميز بالقمع السياسي وانعدام الحريات. وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية، تعرض الآلاف للاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون، ومن أبرزها سجن “صيدنايا” الذي وصف بـ”المسلخ البشري”.
سقوط النظام يمثل فرصة للشعب السوري في فتح المجال لبناء نظام ديمقراطي قائم على حرية الإنسان وحقوقه وتحقيق العدالة والسلام.
فالقانون الدولي لحقوق الإنسان يؤكد على حق الشعوب في اختيار حكوماتها عبر انتخابات حرة، وسقوط نظام الأسد قد يتيح للسورين ممارسة هذا الحق لأول مرة منذ عقود.
إنهاء النزوح واللجوء
هناك أكثر من (6.8) مليون لاجئ سوري خارج البلاد، بالإضافة إلى (6.9) مليون نازح داخلياً وفقاً للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ((UNHCR. ومن نافل القول إن القانون الدولي يقر هذا الحق، وخاصة المادة(13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن حق الأفراد في العودة إلى ديارهم، لذا أعتقد أن اسقاط النظام يمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق الهدف.
سقوط النظام سيشجع اللاجئين على العودة إلى وطنهم لأنها تمثل خطوة أساسية لإعادة بناء سوريا، حيث تسهم في ترميم النسيج الاجتماعي، وتعزيز الاقتصاد من خلال القوى العاملة العائدة وتحفيز الاستثمار. كما تساعد في إحياء المناطق المهجرة، وتحسين الخدمات الأساسية، كالصحة وإعادة أسس التعليم من جديد، مع تخفيف الضغط على الدول المضيفة للنازحين، بالإضافة إلى تأصيل الهوية الوطنية، كما أن العائدين إلى وطنهم سيثرون المجتمع بخبراتهم، بالغضافة إلى عدم إغفال أهمية إحياء الحياة الثقافية والفنية، ما يدعم استقرار المجتمع.
إعادة بناء سوريا اقتصادياً واجتماعياً
سوريا تحت حكم الأسد شهدت انهيارًا اقتصاديًا شبه كامل، وفقًا لتقارير البنك الدولي، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60% منذ بداية الحرب، بينما يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر. سقوط النظام قد يفتح الباب أمام استثمارات دولية وإقليمية لإعادة إعمار البلاد، خاصة إذا تمكنت حكومة سوريا الجديدة من إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع المجتمع الدولي.
كما أن إعادة البناء تشمل إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية التي طالما كانت أداة للقمع، وفقًا لإعلان الأمم المتحدة بشأن العدالة الانتقالية لعام 2004، بالإضافة إلى أن إصلاح هذه المؤسسات يعد خطوة أساسية لضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي.
تحسين العلاقات الدولية
خلال سنوات حكم بشار الأسد، أصبحت سوريا معزولة على المستوى الدولي بسبب سياسات النظام القمعية وتورطه في جرائم بحق شعبه. سقوط النظام قد يعيد سوريا إلى محيطها العربي والدولي، خاصة إذا تبنت الحكومة الجديدة سياسات شفافة وديمقراطية. الدول العربية والغربية أبدت استعدادها لدعم إعادة إعمار سوريا في حال حدوث انتقال سياسي حقيقي، وهذا مؤشر مهم.
إعادة العلاقات الدبلوماسية مع العالم العربي والمجتمع الدولي ستكون خطوة مهمة نحو تحسين الأوضاع الداخلية في سوريا، بالإضافة إلى ضرورة توفير الدعم الدولي الذي سيعمل على تسريع عملية إعادة البناء، بداية من إعادة التأهيل البنية التحتية، ووصولاً إلى القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
ونخلص إلى أن سقوط نظام عائلة الأسد يمثل نقطة فارقة في تاريخ سوريا الحديث من خلال تجاوز فترة الاستبداد، ويفتح هذا السقوط الأفق أمام فرص جديدة للشعب السوري لبناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتضمن العدالة لجميع مواطنيها.
إن التحديات التي قد تواجه سوريا في المستقبل ليست قليلة، لكن الأمل في بناء سوريا جديدة يقوم على العدالة والمساواة والتقدم، ومن بعد سنوات من القمع والتدمير، يحق لسوريا أن تتطلع إلى فجر جديد يضمن حرية أبنائها.
وسط هذه المآسي، دفع الشعب السوري ثمنًا غاليًا في سبيل حريته وكرامته، متحديًا آلة القمع التي سعت لكسر إرادته. ومع تحرر وطنه من هذا النظام، تلوح في الأفق فرصة جديدة لبناء دولة قائمة على العدل والمساواة، تعيد الأمل لشعب أنهكه القهر والنزوح، وتعيد سوريا إلى موقعها الطبيعي كرمز للحضارة والتنوع والسلام في المنطقة.
*طالبة علاقات عامة وإعلان في جامعة القدس المفتوحة _ فرع رام الله والبيرة