سلفيت-المحرر-قيس شقير-على مساحة نصف دونم، كان وليد قادوس (25) عاماً يخطط لإقامة منزل العمر بعد أن اشترى تلك القطعة الصغيرة من الأرض بـ(100) ألف شيقل، مبلغ لم يكن هينًا لشاب يعمل في ظروف صعبة داخل الخط الأخط الأخضر.
سنتان من العمل المتواصل، مليئتان بالغياب عن العائلة، والطريق المحفوف بالمخاطر؛ لأنه لم يكن يملك تصريح عمل.
بعد سداد ثمن الأرض، بدأت رحلة أخرى: “كنت أجمع المال القليل وأعود للبناء شيئًا فشيئًا”، قال وليد بحسرة وهو يستذكر تلك الأيام. خمس سنوات كاملة مرت في عملية البناء، وفي كل يوم كان الحلم يقترب أكثر، إلى أن أصبح المنزل جاهزًا قبل ثمانية أشهر فقط.
كان المنزل الإنجاز الأكبر في حياته، ظل يتخيل شكله في كل مرة يعمل فيها. قبل يومين من الهدم، بينما كان يسير عائدًا إلى المنزل، رآه مضاءً بالكامل. قال” ما شاء الله.. هذه أول مرة يراه من بعيد بعد غياب طويل. نظر إليه بفخر؛ لأن جهده لم يذهب سدى.
قبل ثمانية أشهر، تلقى وليد إخطارًا من سلطات الاحتلال يطالبه بوقف البناء. تحرك سريعًا، وبالتعاون مع البلدية ومركز القدس، قدموا الأوراق اللازمة لمحكمة الاحتلال التي رفضت الاعتراض بدعوى وجود خطأ في اسم القطعة. يقول: “عدلنا الأوراق وقدمناها مرة أخرى، وفي يوم الهدم كان من المفترض أن تعقد جلسة للمحكمة، لكن الجرافات سبقت المحكمة!”.
استفاق وليد ليجد جرافات الاحتلال أمام منزله. لم يكن هناك قرار بالهدم، فقط إخطار بوقف البناء. خلال عملية الهدم، مُنع من الاقتراب من البيت، ولم يُسمح له بإخراج سوى شاشة التلفاز، وفرشة السرير، ومروحة. “عندما ترى تعب سنين يتحول إلى ركام، تشعر بالصدمة. لكن نقول الحمد لله”.
قبل أسابيع فقط من الهدم، كان يستعد لخطوة جديدة: الارتباط وتكوين أسرة. “كنت أتطلع لبناء حياة مستقرة، لكن كل شيء تغير. الحمد لله على كل حال”، يقول بصوت صابر محتسب.
ورغم الألم، لم يفقد وليد الأمل. يقول “نحن في أرض رباط. علينا أن نصمد في وجه هذا الاحتلال. الحياة لا تتوقف عند حدث واحد، سنعود ونبني بيتًا أجمل بإذن الله”.
حكاية وليد ليست مجرد منزل هدم، بل هي انعكاس لمعاناة مستمرة يعيشها الفلسطينيون في مواجهة سياسات التهجير والهدم القسري خاصة في مناطق (ج) التي تشكل نحو 61% من مساحة الضفة الغربية والتي تخطط اسرائيل للاستيلاء عليها والتحكم في مواردها.
حلم بُني لبنة لبنة، أصبح ركامًا في لحظات، لكن الإصرار على الحياة والاستمرار ظل أقوى من الدمار، فهم يهدمون الحجر، لكنهم يعجزون عن تحطيم الآمال.