*“إدمونز فاشن”..قصة علامة تجارية تحولت إلى عنوان للنجاح رغم كل الصعاب
رام الله ـ المحررـ جنين حسام المغاري ـ في مطلع شبابه، وبينما كان معظم أقرانه منشغلين بتحديد مساراتهم المهنية، كان إدمون امسيح (29) عاماً قد بدأ يرسم ملامح حلمه، بين تحديات الاحتلال وإرث وطنه الفلسطيني المحاصر، اختار أن يشق طريقه في عالم الأزياء، متمسكاً بعزيمة لا تعرف الاستسلام.
اليوم، وقد شارف على الثلاثين، باتت قصة إمسيح ملهمة لكل من يحمل حلماً. لم تكن رحلته مفروشة بالورود؛ بدأ في عمر الواحد والعشرين بعمل بسيط، ومرّ بمراحل تعليمية ومهنية متنوعة في بريطانيا، حتى وصل إلى تأسيس علامته التجارية “إدمونز فاشن”، التي أصبحت رمزاً للإبداع الفلسطيني والإصرار على تجاوز الصعاب.
دراسة حسب رغبة الوالد
في مدينة الرام شمال العاصمة القدس المحتلة، أنهى إمسيح دراسته الثانوية، وبدأ البحث عن فرصة عمل وسط محدودية الخيارات، كانت أولى محطاته وظيفة في شركة خدمات قام خلالها بالرد على المكالمات، حيث إن إتقانه للغة الإنجليزية مكنه من لعب هذه المهمة.
نزولاً عند رغبة والده، التاجر الناجح، التحق إمسيح بتخصص إدارة الأعمال رغم عدم شغفه به، ومع ذلك، لم يترك حلمه في الفنون، بل بدأ بادخار المال من وظيفته الأولى ليحقق استقلاليته.
طريق جديد في بريطانيا
سافر إمسيح إلى بريطانيا لاستكمال دراسته الأكاديمية، وهناك، بدأ حلم جديد يتبلور، لم يكتفِ بالدراسة، بل عمل في وظائف بسيطة كالمطاعم لتعزيز استقلاله المادي. وفي تلك المرحلة، وجد نفسه مأسوراً بفكرة تحويل الأقمشة إلى قطع تحمل هوية خاصة، ليبدأ رحلته نحو التصميم، ومع مرور الوقت، تحول الشغف إلى هدف واضح، يتمثل بأن يكون له بصمة خاصة في عالم الموضة.
لمسة فلسطينية على جدار الفصل
بعد التخرج، عاد امسيح إلى فلسطين ليعمل في تجارة والده، قضى ساعات طويلة في المكتب يدير الأعمال التجارية، لكنه لم يشعر بالانتماء لهذا العالم، ورغم حصوله على جائزة “أصغر رجل أعمال فلسطيني”، إلا أن هذه الإنجازات لم تستطع أن تبدد رغبته الحقيقية، قرر أن يمنح حلمه فرصة، فالتحق بدورة تصميم أزياء، لكن الدورة لم تقدم له ما يبحث عنه، ما دفعه للتعلم ذاتيًا عبر الإنترنت. بدأ يرسم ويخطط ويبتكر تصميمات تحمل لمسة فلسطينية خاصة، كانت أولى تصاميمه قد علقت على جدار الفصل العنصري، حيث عبّر عن أحلامه التي تكافح القيود.
نقطة تحول
واجه إمسيح رفضاً من والده لفكرة العمل في الأزياء، لكنه استمر بإصرار، في تلك الآونة تواصل مع المؤثرة الاجتماعية زين كرزون، التي فتحت له باب الشهرة في الأوساط الأردنية والفلسطينية، الأمر الذي ساهم في زيادة شهرته. تجاوز عدد متابعيه خمسين ألفاً، واستطاع أن يحول هذا الدعم الافتراضي إلى فرصة حقيقية.
بفضل النجاح الأولي، قرر إمسيح أن يخطو خطوة أكبر، استثمر المال الذي ادخره من أعماله السابقة في تأجير وتجهيز أول محل خاص به. وفي مفاجأة لم يكن يتوقعها، عاد والداه من تركيا حاملين شحنة من الأقمشة الفاخرة كهدية دعم. كانت هذه اللحظة نقطة تحول، إذ بدأ والده يقتنع بموهبته.
انطلاقة “إدمونز فاشيون“
افتتح إمسيح أول فروعه “إدمونز فاشن” في حزيران 2017، وبفضل القاعدة الجماهرية الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي وشهرته، استقطب الإعلامية علا الفارس لترتدي من تصاميمه، لتتسع حلقة تداول تصميمه أكثر فأكثر، فافتتح معارض في كفر عقب، وطولكرم، وغزة، وحتى داخل أراضي 48، حيث حرص على تشغيل عمال فلسطينيين في جميع فروعه.
محطة صعبة
في عام 2021، ضرب فيروس كورونا العالم، ليضع إمسيح أمام اختبار جديد. أُجبره على إغلاق جميع فروعه، ما أدى إلى تسريح(137) موظفاً، لكن هذه الانتكاسة لم تُثنِه عن المضي قدمًا. احتفظ بمعرض واحد ومشغل صغير، مواصلًا العمل بإصرار لإبقاء اسم “إدمونز فاشيون” حاضراً.
إعادة بناء الحلم
التحديات لا تتوقف، فإلى جانب التحديات المهنية، حُرم امسيح من السفر لمدة عامين، كما سُحبت منه الهوية المقدسية على خلفية نشاطه الوطني الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي، ما آثار في نفسه الحزن والإحباط، إذ تعد الهوية جزءاً لا يتجزأ من كل مقدسي، وهي ارث لا يستبدل ولا يفرط به، ولكن سرعان ما استجمع قواه وأثبت أن هذه العراقيل الوضعية لا تزيده إلا اصراراً وعزيمة على استكمال المشوار.
اليوم، في عامه التاسع والعشرين، يقف إمسيح شاهداً على قدرة الأحلام على الصمود. من محل صغير، يواصل تصميم أزياء تحمل بصمته، مؤكدًا أن النجاح ليس مجرد وصول إلى القمة، بل رحلة مليئة بالتحديات والكفاح للاستمرار، لا تعد قصة إمسيح مجرد حكاية عن الأزياء، بل هي قصة فلسطينية تُنسج بخيوط الأمل والإرادة، لتُثبت أن أصحاب العزيمة قادرون على إعادة تشكيل أحلامهم أياً كانت الظروف.