بقلم: سلام منصور*
مع تزايد التحديات التي تواجه قطاع التعليم في فلسطين، أصبح من الضروري البحث عن حلول تضمن استمرارية العملية التعليمية في ظل الأوضاع الراهنة. فلسطين تواجه واقعاً معقداً بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة، إضافة إلى تأثيرات جائحة كورونا التي أعاقت العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم. التعليم الإلكتروني برز كوسيلة فعّالة تتجاوز العديد من العقبات التي فرضتها هذه الأوضاع، ما أتاح للطلبة فرصة مواصلة تعليمهم دون انقطاع، وبفضل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح التعليم الإلكتروني ليس مجرد حل مؤقت، بل خيار استراتيجي يعكس مستقبل التعليم.
ضرورة تفرضها الظروف
التحديات التي تواجه التعليم الجامعي في فلسطين ليست جديدة؛ فمن إغلاق الطرق بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي إلى صعوبة التنقل بين المدن، يواجه الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية قيوداً يومية تُعطل العملية التعليمية. جاءت جائحة كورونا لتضيف عبئاً آخر على النظام التعليمي، ما اضطر الجامعات إلى إغلاق أبوابها لفترات طويلة. في هذا السياق، أثبت التعليم الإلكتروني جدارته كبديل فوري وفعّال لاستمرار التعليم، حيث أصبح بإمكان الطلبة حضور المحاضرات، وتقديم الامتحانات، وإنجاز المشاريع الدراسية من منازلهم دون أي انقطاع .
الأمان أثناء الأزمات
الأمان الشخصي للطلبة يمثل أولوية قصوى في أوقات الأزمات، في ظل الجائحة الصحية العالمية وفترات التصعيد الأمني، يمكن أن يشكل الذهاب إلى الجامعات خطراً على صحة الطلبة وسلامتهم، مثل: جائحة كورونا عام (2020). التعليم الإلكتروني يتيح استمرارية العملية التعليمية دون الحاجة للتجمعات، ما يساهم في تقليل انتشار العدوى خلال الأزمات الصحية، كذلك، يُجنّب الطلبة التعرض للمخاطر أثناء التنقل عبر الحواجز العسكرية أو المناطق المغلقة من الاحتلال، ما يجعل من التعليم الإلكتروني خياراً آمناً وأكثر استقراراً.
مرونة الوقت والمكان
واحدة من أبرز مميزات التعليم الإلكتروني هي مرونته، على عكس التعليم الوجاهي الذي يتطلب حضوراً جسدياً في أوقات محددة، يتيح التعليم الإلكتروني للطلبة متابعة دراستهم من أي مكان وفي أي وقت يناسبهم، هذه الميزة تجعل العملية التعليمية أكثر تكيّفاً مع احتياجات الطلبة الذين يعملون إلى جانب دراستهم، أو أولئك الذين يواجهون صعوبات في التنقل. بالإضافة إلى ذلك، توفر المنصات التعليمية إمكانية إعادة مشاهدة المحاضرات وتكرار مراجعة المواد الدراسية، ما يتيح فرصة أكبر لاستيعاب المحتوى الأكاديمي.
التكاليف الاقتصادية
الوضع الاقتصادي في فلسطين يفرض ضغوطاً مالية كبيرة على الطلبة وأسرهم وخاصة في الآونة الأخيرة؛ بسبب الوضع السياسي التي تمر به البلاد، تكاليف التعليم الوجاهي، الذي يشمل نفقات النقل، والسكن، والكتب الدراسية، تشكل عبئاً لا يستهان به على العديد من الطلبة. التعليم الإلكتروني يساعد في تخفيف هذه الأعباء من خلال تقليل الحاجة للتنقل أو السكن بالقرب من الجامعات، كما أن الكثير من الموارد التعليمية أصبحت متاحة إلكترونياً مجاناً أو بأسعار رمزية، ما يساهم في تسهيل وصول الطلبة إلى التعليم دون أن يشكل ذلك ضغطاً مالياً إضافياً.
العدالة التعليمية
في بيئة التعليم الوجاهي، يعاني الطلبة الذين يعيشون في بعض المناطق مثل: القرى والأماكن البعيدة وبعض المخيمات من صعوبة الوصول إلى الجامعات بسبب حواجز الاحتلال أو ضعف البنية التحتية، التعليم الإلكتروني يسهم في تقليل هذا التفاوت، حيث يتيح للطلبة في مختلف المناطق فرصة متساوية للحصول على التعليم العالي، فبفضل التكنولوجيا، يمكن لجميع الطلبة الوصول إلى نفس المحتوى الأكاديمي والاستفادة من الموارد التعليمية ذات الجودة العالية، ما يعزز العدالة التعليمية ويدعم شمولية التعليم.
وفق دراسة أجرتها إحدى الجامعات الفلسطينية، تبين أن 70% من الطلبة يفضلون التعليم الإلكتروني كوسيلة بديلة أثناء الأزمات، وأشار 60% منهم إلى أن المرونة في الوصول إلى المحاضرات والمواد التعليمية كانت العامل الأكثر أهمية في تحسين تجربتهم الأكاديمية، هذه الأرقام تعكس مدى تقبل الطلبة للتعليم الإلكتروني، كما تشير إلى إمكانياته الكبيرة في حل المشاكل التعليمية التي يواجهها الطلبة الفلسطينيون.
يمثل التعليم الإلكتروني حلاً مبتكراً وضرورياً لتجاوز التحديات التي يواجهها قطاع التعليم في فلسطين. من خلال استغلال الإمكانيات التكنولوجية، إذ يمكن للجامعات تعزيز فرص التعلم وتوفير بيئة تعليمية أكثر مرونة وفعالية، ومع استمرار التطور التكنولوجي، يمكن للتعليم الإلكتروني أن يتحول إلى نظام تعليمي متكامل يضمن للطلبة الفلسطينيين الحصول على تعليم عالي الجودة، بغض النظر عن القيود التي تفرضها الأوضاع السياسية أو الاقتصادية.
*طالبة في كلية الإعلام-جامعة “القدس المفتوحة”