هل المرأة سبب في تفاقم البطالة بفلسطين؟
بقلم: نرجس نعسان*
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ترتفع معدلات البطالة لتصبح أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع. وسط هذه الأزمة، يروج البعض لفكرة أن عمل المرأة هو سبب تفاقم البطالة بين الرجال، مشيرين إلى أن فرص العمل محدودة، وأن حصول النساء على وظائف يعني حرمان الرجال منها. ولكن هذا الإدعاء يتجاهل الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، بل ويحمل سذاجة في تشخيص قضية معقدة كالبطالة.
دعونا نغوص في الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء والتي أشارت إلى ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 75% في الربع الرابع من 2023، مقابل 46% في الربع الثالث منه، ما يعني فقدان ما لا يقل عن(200) ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان على قطاع غزة.
فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى(317) ألفا في الربع الرابع 2023 مقارنة بحوالي(129) ألفاً في الربع الثالث 2023 قُبيل العدوان، كما ارتفعت معدلات البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية خلال الربع الرابع 2023 إلى حوالي (32%) مقارنة بحوالي 13% في الربع الثالث منه.
أسباب البطالة الحقيقية في فلسطين
ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين ليس نتيجة مشاركة النساء في سوق العمل، بل هو نتاج مجموعة من العوامل الهيكلية والسياسية، أبرزها:
أولاً: الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته:
القيود المفروضة على حركة البضائع والأشخاص، والسيطرة على الموارد والمعابر، تعيق النمو الاقتصادي وتحد من خلق فرص العمل.
وتظهر البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل انخفض بشكل كبير جدا ما بين الربعين الثالث والرابع 2023 بحوالي (130) ألف عامل نتيجة الإغلاقات المشددة التي فرضها الاحتلال عقب العدوان على قطاع غزة، فبلغ العدد الإجمالي للعاملين في إسرائيل حوالي (17) ألف عامل في الربع الرابع 2023، مقارنة بحوالي(147) ألف عامل في الربع الثالث 2023.
كما انخفض عدد العاملين في المستعمرات الإسرائيلية من حوالي 25 ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى(7) آلاف عامل في الربع الرابع.
كما انخفض عدد العاملين في السوق المحلي في الضفة الغربية من(697) ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى حوالي(641) ألف عامل في الربع الرابع بنسبة 8%.
ثانياً: ضعف الاقتصاد المحلي:
اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على قطاعات محدودة مثل الزراعة والخدمات، وغياب التصنيع الواسع والاستثمارات الكبرى.فجم الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين لا يزيد عن (17) مليار دولار أي نصيب الفرد من الناتج المحلي لا يزيد عن (400) دولار في العام، بينما يزيد الناتج المحلي لاسرائيل عن (500) مليرا دولار ويصل نصيب الفرد إلى قرابة(50) ألف دولار.
ثالثاً: عدم مواءمة التخصصات الجامعة مع احتياجات السوق:
تزايد عدد الداخلين إلى سوق العمل دون توفر وظائف كافية لاستيعابه من فالجامعات الفلسطينية تضخ قرابة (40) ألف خريج سنويا، بينما قدرة القطاعين العام والخاص على توفير فرص عمل لا تزيد في أحسن الأحوال عن (5) آلاف وظيفة.
إن عدم توافق التخصصات الدراسية مع احتياجات السوق يؤدي إلى بطالة الخريجين من الجنسين، فالجهاز المركزي للاحصاء يبين أن معظم العاطلين عن العمل هم في صفوف خريجي الجامعات.
دور عمل المرأة في التنمية الاقتصادية
عمل المرأة ليس عبئًا على الاقتصاد الفلسطيني، بل هو عامل مساهم في النمو الاقتصادي. فدخول النساء إلى سوق العمل يعزز من:
أولاً: الإنتاجية الاقتصادية: النساء يمثلن نصف المجتمع، ومشاركتهن تعني استفادة أكبر من الموارد البشرية المتاحة.
ثانياً: دعم الأسر ماليًا: يؤدي عمل المرأة إلى تحسين دخل الأسرة، مما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة وتقليل الفقر، وتشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن 11% من الأسر ترأسهن نساء.
ثالثاً: تحقيق التنوع الاقتصادي: تساهم النساء في قطاعات متنوعة مثل التعليم، الصحة، والخدمات، وهي قطاعات حيوية للنمو الاقتصادي.
رابعاً: خلق فرص عمل جديدة: دخول النساء سوق العمل يعزز الطلب على السلع والخدمات، ما يؤدي إلى توسيع السوق وخلق وظائف جديدة.
وبناء على ما تقدم، يمكن تفنيد حجة أن المراة سبب للبطالة وفق الآتي:
أولاً: سوق العمل ليس لعبة صفرية: فسوق العمل ليس منافسة إذا حصلت النساء على وظائف، يخسر الرجال. فدخول النساء إلى سوق العمل يخلق قيمة اقتصادية ويزيد الطلب على العمالة.
ثانياً: النساء والرجال يعملون في قطاعات مختلفة: النساء غالبًا يعملن في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية، وهي مجالات لا تنافس فيها الرجال مباشرة، كما ان بيانات الإحصاء تشير إلى أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لا تزيدعن 18% وهي نسبة قليلة جداً، إذا ما قورنت بنسبتها من عدد السكان. كما أن معدل البطالة للإناث في العام 2021 بلغ 43% للنساء مقابل 22% للذكور، أي أن النسبة الأعلى للبطالة هي في صفوف النساء.
ثالثاً: تعزيز الاقتصاد ينعكس إيجابيًا على الجميع:عندما تعمل النساء، فإنهن يساهمن في تحريك الدورة الاقتصادية، ما يؤدي إلى توفير فرص عمل أكثر لكافة أفراد المجتمع.
حلول مقترحة
بدلًا من لوم النساء على البطالة، يجب على المجتمع الفلسطيني التركيز على حلول جذرية، مثل:
أولاً: تنويع الاقتصاد المحلي: من خلال الاستثمار في قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والصناعة والزراعة الحديثة.
ثانياً: تحفيز ريادة الأعمال: فتشجيع الشباب والشابات على إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة من شأنه أن يوفر فرص عمل جديدة.
ثالثاً: التدريب المهني وتطوير التعليم: مواءمة التعليم مع احتياجات سوق العمل لضمان توفير المهارات المطلوبة، وأولها معرفة حقيقة أن السوق يحتاج إلى مهنيين أكثر من كونه يحتاج إلى حملة شهادات جامعية.
رابعاً: إنهاء القيود الاحتلالية: هذا يكون بالضغط دوليًاعلى الاحتلال لرفع الحصار والقيود المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني.
الخلاصة ما تم استعراضه من حقائق أن عمل المرأة ليس سببًا لتفاقم البطالة في فلسطين، بل هو ضرورة اقتصادية ومجتمعية. فالبطالة هي نتاج عوامل هيكلية وسياسية تحتاج إلى حلول شاملة ومتكاملة. ويجب أن ندرك أن تمكين النساء اقتصاديًا لا يُضعف المجتمع، بل يقويه، ويزيد من قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة للجميع.
*طالبة في كلية الإعلام في جامعة “القدس المفتوحة”.