قلقيلية-المحرر- عثمان غشاش- في قلب محافظة قلقيلية، حيث الهواء العليل والمياه العذبة المتدفقة من الآبار الارتوازية، يواصل رامي الجدع رحلته الزراعية التي بدأها منذ سنوات طويلة.
ينحدر رامي من عائلة تمتلك تاريخًا طويلًا في الزراعة، فاختار أن يسير على خطى أجداده، مبتدئًا رحلته الزراعية من الصفر. بدأ في الأرض التي ورثها عن عائلته، ثم استأجر بعض الأراضي لتوسيع نطاق عمله. ورغم التحديات التي يواجهها، تطور رامي في عمله ليعتمد على الأساليب الحديثة في الزراعة، مستخدمًا البيوت البلاستيكية والتقنيات الزراعية المتقدمة.
الاحتلال الإسرائيلي، يعد أكبر تحد للزراعة، وقد أثر على رامي بشكل كبير، كووه صادر منه مساحات واسعة من الأراضي وآخرها في عام 2003، عندما شيد الاحتلال الجدار الفصل العنصري وأقام نفقاً في المنطقة.ورغم ذلك أصر أن يواصل طريقه في الزراعة، محاولًا حماية أرضه من التهديدات المستمرة.
استمر رامي في العمل الدؤوب بمساعدة أبنائه الذين كانوا دائمًا إلى جانبه. أحد أبنائه، الذي يدرس الزراعة وتصنيع الغذاء، اكتسب معرفة متعمقة في كيفية تحسين الإنتاج الزراعي. زرع فيهم رامي حب الأرض، مؤكدًا أن الأمل يكمن في التمسك بالأرض والعمل المستمر لتحقيق الاستدامة والعيش الكريم.
إن الزراعة بالنسبة لرامي هي أكثر من مجرد مصدر رزق؛ فهي طرق للبقاء وحماية الأرض من المصادرة، معتقداً أن ترك الأرض فارغة، سيسهل على الاحتلال الاستيلاء عليها. ولهذا، يحرص على الاستمرار في زراعة الأصناف الجديدة مثل المانجا، والليتشي، والفراولة، التي أصبحت رائجة في المحافظة.
ورغم صعوبة الوضع، يرى رامي أن زراعة المنتجات الاستوائية مثل “المانجا” و”الكرمبولا” جعلته يبرز بين باقي المزارعين. فقد سعى من خلال زراعتها لتحقيق الربح، لأنها جديدة على السوق الفلسطيني، وقد أثبتت هذه المحاصيل بالفعل قدرتها على التكيف مع مناخ قلقيلية الذي يتميز بحرارة عالية، ورطوبة كافية لري المحاصيل.
وتعدّ صعوبة التسويق وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج من أبرز التحديات التي يواجهها رامي. يقول: “عندما تدخل المنتجات الأجنبية إلى السوق، تؤثر على تسويق المنتجات المحلية. ونواجه صعوبة في جلب المعدات الزراعية، حيث تتطلب الإجراءات تصاريح، والتكلفة تكون مرتفعة”.
كما تعرضت إحدى شحنات الأفوكادو للتعطيل عندما أغلق معبر الكرامة بسبب حادثة أمنية في 8 ايلول 2024، ما أدى إلى تأخير الشحنة وتلف نصف الكمية، واضطر رامي إلى بيعها محليًا بخسارة.
حلم رامي لا يتوقف عند حدود السوق المحلي، فهو يتطلع إلى أن يكون للمنتجات الفلسطينية مكان في الأسواق العالمية. يقول: “أكبر حلم لي هو أن أتمكن من تصدير منتجي إلى مختلف دول العالم. فلو كان لدينا ميناء أو مطار، لكان الأمر أسهل وأرخص”.
ويعاني رامي كغيره من المزراعين من ارتفاع تكاليف الأجهزة الإلكترونية للري والتسميد ما يشكل عبئًا إضافيًا. ورغم هذه التحديات، لم يستسلم بل كان دائمًا يسعى لإيجاد حلول مبتكرة، مثل تجربته الناجحة في زراعة الفراولة المعلقة.
تجربة رامي هذه واحدة من أبرز ابتكاراته في مجال الزراعة، إذ اعتمدها لتوفير المساحة وزيادة الإنتاج بشكل فعال.
يقول رامي: “هذه الطريقة تستغل المساحات بشكل أفضل وتنتج محصولًا يلبي حاجات السوق الفلسطيني”.
وقد أثبتت هذه التجربة نجاحًا ملحوظًا، حيث استطاع زيادة الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ رغم التحديات التي يواجهها، وأصبحت الفراولة المعلقة واحدة من المنتجات المميزة التي يزرعها في مزرعته. إلا أن هذه التجربة لم تخل من التحديات المالية، حيث كان الجهاز الإلكتروني المسؤول عن تنظيم الري والتسميد لهذه الزراعة مكلفًا بشكل كبير. فقد وصل سعر الجهاز إلى(22) ألف دولار، ما شكل عبئًا إضافيًا على رامي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وفيما يتعلق بالمستقبل، يرى رامي ضرورة تطوير الصناعات الزراعية في فلسطين، قاءلاً”نحن بحاجة إلى مصانع محلية لتحويل منتجاتنا إلى مواد غذائية جاهزة مثل العصائر والمربى. بذلك، يمكن أن نزيد من القيمة المضافة لمنتجاتنا”.
رغم التحديات العديدة، يظل رامي متمسكًا بأرضه وعمله، قائلاً: “أرضنا، مهما كانت الظروف صعبة، تظل مصدر قوتنا. وأنا مستعد لأزرع وأحمي أرضي مهما كانت التحديات”.
رامي قصة كل مزارع فلسطيني يسعى للثبات في أرضه والحفاظ عليها، ويعتبر الزراعة طريقًا للحفاظ على الهوية والوجود، وسط ظروف صعبة، فالتحيات الاقتصادية تفرض نفسها، والاحتلال لا يكل ولا يملً لابتلاع الأرض وكسر إرادة الإنسان.