ماهر دريدي*
تعد ألمانيا واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، ويلعب الأجانب دورًا محوريًا في تعزيز هذا النجاح ، حيث يُسهم المهاجرون والمقيمون الأجانب في مختلف القطاعات الاقتصادية من خلال تقديم مهاراتهم، واستثماراتهم، وأعمالهم التجارية.
المساهمات في سوق العمل
تظهر البيانات الرسمية أن الأجانب يمثلون حوالي 13% من إجمالي سكان ألمانيا، ويشغلون نسبة كبيرة من الوظائف في القطاعات الرئيسية. وفقًا لتقرير صادر عن “معهد بحوث سوق العمل” (IAB)، فإن العمال الأجانب يشغلون وظائف رئيسية في قطاعي التصنيع والخدمات. على سبيل المثال، يعتمد قطاع الرعاية الصحية بشكل كبير على الأطباء والممرضين من خارج الاتحاد الأوروبي.
في عام 2022، كان حوالي 20% من الأطباء في ألمانيا من خلفيات مهاجرة، ما يعكس الاعتماد الكبير على الكفاءات الأجنبية في هذا القطاع الحيوي.
أما في قطاع التكنولوجيا والابتكار، فتوضح تقارير صادرة عن صحيفة “دي تسايت” أن الشركات الناشئة في ألمانيا، خاصة في برلين، يقودها غالبًا رواد أعمال من دول مثل الهند، والولايات المتحدة، وتركيا. تُسهم هذه الشركات في خلق فرص عمل جديدة وتطوير حلول مبتكرة تُسهم في دفع الاقتصاد الرقمي الألماني.
الاستثمار والنمو الاقتصادي
لا يقتصر دور الأجانب على العمل فحسب، بل يتعداه إلى الاستثمار المباشر، حيث تشير إحصاءات من “البنك الفيدرالي الألماني” إلى أن المستثمرين الأجانب يمتلكون نسبًا كبيرة من أسهم الشركات الألمانية الكبرى، ما يُعزز السيولة والاستقرار في الأسواق. استثمارات المغتربين في المشاريع الصغيرة والمتوسطة تلعب دورًا محوريًا في دفع عجلة الاقتصاد المحلي، خاصةً في المناطق الريفية.
من ناحية أخرى، يُظهر تقرير لصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه” أن الشركات التي يديرها مهاجرون تُسهم بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي الألماني. وتشمل هذه المشاريع قطاعات متنوعة مثل المطاعم، والمتاجر، وشركات التكنولوجيا. على سبيل المثال، تُعد شركات البرمجيات الناشئة التي يقودها مهاجرون من بين الأكثر ابتكارًا، حيث تسهم في تعزيز مكانة ألمانيا كمركز عالمي للتكنولوجيا.
التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من الإسهامات الكبيرة، لا يخلو المشهد من التحديات التي تواجه ألمانيا تتمثّل في النقص المستمر في العمالة الماهرة، وهو ما دفع الحكومة الألمانية إلى تبني سياسات جديدة لتسهيل الهجرة المهنية. في عام 2023، تم تعديل قانون الهجرة لجذب المزيد من الكفاءات، مع التركيز على القطاعات التقنية والطبية التي تعاني من نقص حاد في الكوادر.
إلى جانب ذلك، يبرز حاجز اللغة كعقبة رئيسية أمام الاندماج الكامل للكفاءات الأجنبية في سوق العمل. تسعى العديد من الشركات إلى التغلب على هذه المشكلة من خلال برامج تدريب لغوية مكثّفة وتطوير برامج مهنية. على سبيل المثال، تقدم شركات مثل “سيمنز” و”بي إم دبليو” و” تسلا” برامج متخصصة لتأهيل الموظفين الأجانب، ما يساعد في تعزيز اندماجهم وتحسين إنتاجيتهم.
من جهة أخرى، تشكل السياسات الاجتماعية والإدارية تحديات إضافية. غالبًا ما يواجه المهاجرون صعوبات في الحصول على الاعتراف بمؤهلاتهم الأكاديمية والمهنية. لذلك، تعمل الحكومة الألمانية على تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، ما يسهم في تسريع اندماج المهاجرين في سوق العمل.
أمثلة على قصص النجاح
تشير العديد من الدراسات إلى قصص نجاح بارزة للمهاجرين في ألمانيا. على سبيل المثال، يُعد “آي تي سوليوشنز”، وهي شركة تكنولوجيا أسسها مهندس هندي، من بين أبرز الشركات الناشئة في برلين،
حيث توظف أكثر من(200) شخص وتقدم حلولًا تقنية مبتكرة للشركات العالمية.
كذلك، تسهم المطاعم التي يديرها مهاجرون من تركيا وسوريا في تعزيز الاقتصاد المحلي. في عام 2021، قدر إجمالي عائدات المطاعم التي يديرها مهاجرون في ألمانيا بأكثر من(15) مليار يورو.
يلعب الأجانب دورًا أساسيًا في تنمية الاقتصاد الألماني، سواء من خلال العمل في القطاعات الحيوية أو الاستثمار وريادة الأعمال. تعكس التقارير من الصحف والمؤسسات الألمانية أهمية هذا الدور، وتشير إلى أن تعزيز سياسات الهجرة والاندماج يمكن أن يدفع الاقتصاد إلى مستويات أعلى. يبقى التحدي في استغلال هذه الإمكانات بشكل أكثر فعالية لتعزيز النمو المستدام، ما يتطلب تكامل الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان بيئة داعمة ومحفزة للأجانب.
تشير أحدث الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة اللاجئين والمهاجرين العاملين في سوق العمل الألماني. وفقًا لدراسة نشرها معهد أبحاث التوظيف في نورمبرغ عام 2024، فإن معدل توظيف اللاجئين يزداد مع طول مدة إقامتهم في ألمانيا. على سبيل المثال، بعد مرور سبع سنوات على وصولهم، يعمل حوالي 63% من اللاجئين، وترتفع النسبة إلى 68% لمن قضوا ثماني سنوات في البلاد.
بالنسبة للمهاجرين من خلفيات متنوعة، بلغت نسبة العاملين حوالي 70%، وهي نسبة قريبة من معدل التوظيف بين السكان الأصليين في ألمانيا، الذي بلغ 75% في عام 2022.
بالإضافة إلى ذلك، تحسنت جودة التوظيف؛ حيث يعمل 76% من اللاجئين الذين وصلوا في عام 2015 بوظائف بدوام كامل بحلول عام 2022. كما بلغ متوسط الدخل الشهري الإجمالي للموظفين بدوام كامل من اللاجئين الذين وصلوا في 2015 حوالي 2250 يورو، بمتوسط أجر في الساعة يبلغ 13.70 يورو، وهو أعلى من الحد الأدنى للأجور في ألمانيا البالغ 12.50 يورو في ذلك العام.
لا شك أن الأجانب واللاجئين يلعبون دورًا رياديًا في سوق العمل الألماني، حيث يسهمون بشكل كبير في توفير الأيدي العاملة التي تغطي احتياجات معظم القطاعات الحيوية. كما يساهمون في سد الفجوات في القطاعات الاجتماعية، مثل خدمات رعاية كبار السن ودور العجزة، التي تشهد عزوفًا من الألمان عن العمل بها. ولولا وجود العمالة الأجنبية في جمهورية المانيا، لكانت الدولة مضطرة للبحث عن أيد عاملة من مختلف دول العالم لتلبية احتياجاتها المتزايدة.
*طالب في برنامج التعليم الدولي – المانيا