الرئيسيةمقالات وآراءالتعليم الإلكتروني لطلبة الجامعات في فلسطين: تحديات تفوق الفوائد

التعليم الإلكتروني لطلبة الجامعات في فلسطين: تحديات تفوق الفوائد

بقلم: يمامة ياسر حماد*

في ظل التحديات التي تواجه طلبة الجامعات في فلسطين، يُطرح التعليم الإلكتروني كحل بديل للتعليم التقليدي، خاصة مع الأزمات المتعددة التي تعصف بالمنطقة، سواء كانت سياسية، أم اقتصادية، أم صحية.

 فقد فرضت جائحة كورونا سابقًا واقعًا جديدًا جعل من التعليم الإلكتروني ضرورة ملحة لضمان استمرارية العملية التعليمية، كما أن الظروف الأمنية في بعض المناطق قد تعيق الوصول المنتظم إلى الجامعات.

ومع ذلك، فإن التعليم الإلكتروني، رغم مزاياه الظاهرة، يواجه تحديات كبيرة في السياق الفلسطيني تجعل منه خيارًا غير مثالي للطلبة الجامعيين، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تقييم هذا النمط التعليمي بعناية، ودراسة مدى ملاءمته للواقع الفلسطيني بما يحمله من خصوصيات وظروف استثنائية.

أولاً: الفجوة الرقمية وضعف البنية التحتية

تشير إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2022) إلى أن حوالي 23% من الأسر الفلسطينية لا تمتلك اتصالاً بالإنترنت، فيما يعاني أكثر من 50% من الطلبة من ضعف جودة الإنترنت، هذه الفجوة الرقمية تجعل التعليم الإلكتروني غير متاح للجميع، ما يعزز التفاوت التعليمي بين الطلبة.

ثانياً: غياب التفاعل المباشر وضعف التحصيل الأكاديمي

التعليم التقليدي يوفر بيئة تفاعلية مباشرة بين الطالب والمحاضر، وهو أمر حيوي لتحفيز التفكير النقدي وفهم المواد المعقدة، دراسة أجرتها جامعة بيرزيت (2021) وجدت أن 70% من الطلبة شعروا بأنهم أقل تحفيزًا أثناء التعلم الإلكتروني مقارنة بالتعليم الوجاهي.

ثالثاً: التأثير النفسي والاجتماعي

يؤدي الاعتماد المفرط على التعليم الإلكتروني إلى عزلة اجتماعية، خاصة في مجتمع يعتمد على العلاقات الاجتماعية كجزء من الدعم النفسي، تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (2021) أشار إلى أن 30% من الطلبة الذين اعتمدوا على التعليم الإلكتروني ظهرت عليهم علامات القلق والاكتئاب.

رابعاً: التكاليف الإضافية على الطلبة

رغم أن التعليم الإلكتروني قد يبدو أقل تكلفة في البداية، إلا أن الطلبة يتحملون أعباءً مالية إضافية لتوفير أجهزة الحاسوب والإنترنت، دراسة أجرتها وزارة التعليم العالي الفلسطينية (2022) أظهرت أن 40% من الطلبة لا يملكون أجهزة مناسبة للتعلم الإلكتروني، ما يجبرهم على تحمل ديون إضافية لشراء المعدات اللازمة.

خامساً: التحديات الأكاديمية والتقييم غير العادل

يعاني التعليم الإلكتروني من صعوبة في التقييم العادل بسبب انتشار الغش أثناء الامتحانات الإلكترونية، دراسة أجرتها جامعة النجاح الوطنية (2022) أشارت إلى أن 60% من الطلبة يعتقدون أن الامتحانات الإلكترونية لا تعكس مستواهم الحقيقي.

رغم أن التعليم الإلكتروني قد يبدو حلاً مؤقتًا وضروريًا في ظل الأزمات التي تعيشها فلسطين، إلا أن اعتماده كبديل دائم للتعليم التقليدي يطرح تساؤلات جدية حول مدى فعاليته وعدالته، فالتحديات التقنية التي يواجهها الطلبة، بدءًا من ضعف البنية التحتية للإنترنت وصولًا إلى غياب الأجهزة المناسبة، تعيق تحقيق الهدف الأساسي من التعليم وهو توفير فرص متكافئة للجميع، إلى جانب ذلك، تؤدي الفجوة الرقمية إلى تعميق التفاوت بين الطلبة الذين يمتلكون الموارد التقنية ومن يفتقرون إليها، ما يخلق فجوة تعليمية واضحة قد تؤثر على مستقبل أجيال بأكملها.

علاوة على ذلك، فإن التأثيرات النفسية والاجتماعية الناتجة عن العزلة التي يفرضها التعليم الإلكتروني، والضغط الناتج عن التحديات التقنية والتقييمات غير المنصفة، تُضعف من قدرة الطلبة على تحقيق أداء أكاديمي متميز، في المقابل، يوفر التعليم التقليدي بيئة تعليمية شاملة تُحفز التفاعل المباشر، وتعزز من مهارات التفكير النقدي والتواصل الاجتماعي التي تعد أساسية للحياة العملية والمهنية.

لذلك، بدلاً من الاعتماد الكلي على التعليم الإلكتروني، يجب التركيز على تطوير التعليم التقليدي من خلال دمج أدوات التكنولوجيا الحديثة بشكل تدريجي ومدروس، يمكن استخدام المنصات الرقمية كوسائل داعمة لتحسين جودة التعليم، وليس كبديل كامل، كما ينبغي على المؤسسات التعليمية والجهات المعنية الاستثمار في تحسين البنية التحتية التقنية وتوفير الدعم اللازم للطلبة، بما في ذلك الأجهزة والاتصال بالإنترنت، لضمان تكافؤ الفرص التعليمية.

في النهاية، التعليم هو حجر الزاوية في بناء المجتمعات، ولا يمكن الاكتفاء بحلول مؤقتة تؤثر على جودة المخرجات التعليمية، المطلوب هو إيجاد حلول شاملة ومستدامة تُلبي احتياجات الطلبة، وتحافظ على جودة التعليم، مع مراعاة خصوصية الواقع الفلسطيني الذي يتطلب استراتيجيات مرنة تتكيف مع التحديات المتعددة.

*طالبة في كلية الإعلام في جامعة “القدس المفتوحة”